كانت الجدة في حالة غضب نادرة ، ورمت حبوب الدواء التي أعطاها إياهم هاشم للمرة الرابعة بعد مغادرة يارا ، وفي كل مرة ترفض أن تتناولهم بغضب ، وقالت بقهر :
- والله ما أنا ماخدة ولاحبة دوا يا هاشم ، لأعرف ليش طردت هالمسكينة ، شو عملتلك نفسي أفهم ، أول ممرضة بتجيبيلي إياها وبتعبي راسي ... لأنها مش بس ممرضة ، هاي بنت عالم وناس بتفهم وعقلها بوزن بلد شفت فيها صاحبة إلي و أمينة سري وهالشي ماشفته من حدا طول عمري ... من يوم ما حضرتك شفتها وإنت حاطت نقرك من نقرها ... لييييش نفسي أعرف !
جلس هاشم بجوار جدته على السرير وهو يتمتم في سره " أمينة سر.. لو تعرفي بس شو عملت بأسرارك " لكنه أجاب جدته بهدوء :
- يمّة قلتلك البنت هي إلي تركت شغلها ، أنا شو دخلني فيها !
- مابتترك هيك من حالها ، أنا عارفتها منيح ، أكيد عملتلها إشي ضايقها و زعلها لحتى تترك هالشغلة ، شو سويت يا هاشم ريّح قلبي يمّة وإحكيلي !
- يمّة والله ما سويتلها إشي متى بدك تصدقي !
التفتت إليه الجدة تقول برجاء وهو يلمح دموع حبيسة عينيها عصرت فؤاده عصراً وهي ترجوه :
- طيّب جيبلي إياها تزورني وخليها هي تحكيلي مابدي أكون ممرضتك ... خليني أسمع منها إنها مابدها إياني !
تامل جدته بألم وهو يجيب وقد ملأت الشفقة والحزن على جدته لهجته :
- ومين قال إنها مابدها إياكِ ، يارا بتحبك كثير وعازز عليها إنها تتركك !
هذه المرة انسابت دمعتان من عيون جدته أفقدته صوابه ، لم تكن الجدة من النساء اللواتي يبكين ، لكنها فاجأته بل أدمت قلبه بهذه الدموع التي تذرفها وكأنها فقدت شخصاً عزيزاً على قلبها ، سمعها تقول له :
- والله أنا إلي بحبها كثر ما بحبك يمّة !
ازدادت دموعها وهي تردف مشيرة على صدرها :
- هاي البنت سكنت هالقلب يمّة ، ولاتقلي كله شهر ، أنا مش غشيمة عن اطباع البشر ويارا يا يمّة مو زي هالبشر ، هاي ملاك نزله ربنا على هالأرض لتكون بلسم لجروح كل إلي بتتعامل معه ، هاي طبيبة قلوب وممرضة جراح مش أمراض !
كان يشد على أسنانه قهراً وغيظاً ليته فقط يتمكن من خنق هذه الـ " يارا " بيديه المجردتين ، لابد وأنه سيشعر بشيء من الراحة ، لقد وضعته بلسانها المنفلت في موقف حرج ، فلا هو قادر على إعادتها بعد ما سمعه منها وبالذات الطريقة التي قالته بها ، ولا هو قادر على إقناع جدته بالاستغناء عنها !!
شعر بيد جدته تعتصر ذراعه وهي تقول له :- أنا عارفة إنك مابدك ترجعها بس عشانك حكيتلها روحي ما إلك شغل عنّا ، مشان الله يمة يا هاشم بلاه العناد هالمرة وإذا خايف على صورتك وكرامتك أنا بنفسي ببعتلها شفير يجيبها ، وبروح معه كمان ، يمّة والله طقت روحي بهاليومين إلي مضوا بلاها ، كانت تسولفلي عنها وعن شغلها وتقرأ لي الجريدة وتفتحلي الراديو عبرامج حلوة ، يمّة هالبنت رجعتني للحياة حطتني عراسها من فوق ، ممرضة غيرها ما بشوف وجهها غير وقت الدوا ، و وقت قياس الضغط ، كلهم هيك كانوا إلا يارا طول نهارها قاعدة معي ما بتتركني لحظة ، حتى غداها بتيجبه عندي وبتاكلو معي بترجاها ترجاية تستريح بغرفتها ، ومابترضى تروح إلا إذا قلتلها إني أنا بدي إياها تروح ، بالأول فكرتها بتحلل قروشها إلي بتاخدهم منك ، بس يوم عن يوم لقيت إنو البنت هي بطبيعتها حنونة ومنيحة وعشرتها بتاخد العقل !
أنت تقرأ
سلسلة النشامى /الجزء الأول / جنتي هي .. صحراءُ قلبِكَ القاحلة /معدلة
Romanceالحقوق محفوظة لـ الكاتبة المتألقة لولا سويتي