أسبوع كامل مر منذ عمل يارا في المستشفى و دعوة هاشم المفاجئة على الغداء ، أسبوع كامل وهي تتلذذ بحرق أعصابه واللعب على أوتاره الحساسة بتقلباتها المفاجئة والغير مفهومة ، فإن التقت به على انفراد كانت جافةً باردة بلا روح ، لا تكاد تنطق بكلمة ، هذا إن لم تغادر الغرفة أصلاً ، أما إن صادف و أن اجتمعت به بوجود سوزان فهي تتعمد أن تبتسم له و تتحرى أي فرصة سانحة للمسه ، كنفض ذرة غبار غير موجودة عن كتفه أو الاصطدام به وكأنها على وشك أن تقع ، والجميل في الأمر أن هاشم من تعطشه لهذه اليارا الفاتنة لم يكن يرى في تحركاتها أي تعمّد ، فلقد رسخت في عقله فكرة إهمالها له خاصة بمواظبتها على عدم إعداد الفطور إلا في غيابه !
أما سوزان فلقد كانت تشتعل غضباً دون أن تتمكن من النطق بكلمة ، بينما كانت يارا تكتفي بإرسال ابتسامة مستفزة نحوها وكأنها تقول لها مازال أمامها الكثير مما ستفعله بها ! لكن خبر سفرها القريب لزيارة عائلتها في الولايات المتحدة أسعد يارا بطريقة غريبة ... وغير قابلة للتفسير !
وصلت سارة إلى عمّان مع زوجها حازم ، و زارت جدتها مرتين خلال أيام قليلة ، كانت فتاة مرحة وبسيطة رغم بعض طباعها المتعالية التي اكتسبتها من والدتها ، لكن يبدو أن زواجها من حازم ( الحازم ) فعلاً قد غير الكثير من طباعها وهذب معاملاتها ... لم تستطع يارا إلا أن تلاحظ شرود سارة بين فينة و أخرى ، ولمحات من الحزن تلتمع في نظراتها ، تساءلت عن وضع زواجها خاصة وهي ترى حازم يتغيب لساعات طويلة عن منزله بحكم عمله رغم عودته الحديثة إلى الأردن ! كانت ترى الجدة تسألها بإلحاح ، ولذلك آثرت يارا أن تغادر الغرفة عندما يبدأ الحديث بين الجدة وحفيدتها الرقيقة.
استقر دوام يارا في المستشفى على ثلاثة أيام بالأسبوع ، مخصصة للاستشارة ، وبالطبع عند الحاجة إليها في حالات طارئة يظهر فيها حاجة المريض لدعم نفسي ، كوقت إخباره بتفاصيل مرضه أو ماشابه ! كانت تخرج في العاشرة صباحاً وتعود في الرابعة ، أيام السبت والاثنين والأربعاء ... بينما الأحد و الثلاثاء والخميس تقضيهم في المنزل ، وقد اختارت يارا هذه الأيام لأن دوام الجامعات و المدارس والدوائر الحكومية وحتى البنوك في الأردن يكون من الأحد إلى الخميس بينما السبت يوم عطلة رسمية ، لذلك فضلت أن يكون لديها ثلاثة أيام حرة لمحاضرتها في الفصل الصيفي والتي ستكون في تمام الثامنة صباحاً ..
كان يوم أحد ، وقد أنهت الجدة لتوها صلاة الضحى ، وجلست مع يارا في غرفتها ترددان تسابيح الصباح ، نظرت الجدة إلى يارا التي كانت ترتب ملابس الصلاة وسجادتها لتتفاجأ عندما قالت الجدة لها :
- يمّة يارا .. شو رأيك اليوم تعمليلنا أكلة مقلوبة من تحت إيديك الحلوين !
ابتسمت يارا لها وهي تقول :
- تكرم عينك يا جدة من عيوني التنتين !
صمت قليلاً قبل أن تضيف بتردد :
- بس هلأ الست سوزان بتزعل لأنها صارت هي تعطي الأوامر للطباخ شو يجهز على الغدا!
أشارت لها الجدة بتبرم :
- و إنت شو بدك فيها هي و طباخها ، الغداء تبعهم بيجهز على الخمسة ، و أنا يا يمة لازم آكل على التنتين عشان السكري ... فإنت بتنزلي على المطبخ وبتتفاهمي مع الطباخ و الخدم إلي بحبوك أكثر منها إنك تعملي طبختك على السكيت لا مين شاف و لا مين دري !
وأشارت بيديها بحجم وعاء طهو صغير وهي تكمل :
- طنجرة صغيرة على قدنا إحنا التنتين بدل الستيك والفيليه والبانيه تاع هالمنَشْفِه!
ضحكت يارا وهي تجيبها فيم تقترب منها وهي تمازحها بلطفها المتميز:
- أحلى وأزكى طنجرة مقلوبة لأحلى جدة وأم بالدنيا كلها !
شدتها الجدة من يدها كي تجلس بجوارها وهي تقول لها :
- متذكرة كيف تعمليها ولا نسيتي ؟؟!!
أحاطت يارا كتفيها وهي تقول :
- متذكرة بس مش غلط ترجعي تذكريني فيها زيادة الخير خيرين !
بدأت الجدة بوصفتها التي حفظتها يارا عن ظهر قلب ، فهي لم تتعلم فنون الطهو إلا على يدي الجدة ، لكنها تستمتع بطريقة سردها لخطوات الطهو، لديها تفاصيل جميلة ومحببة وضرورية !
بعد ثلاثة ساعات كانت يارا تحضر مائدة الغداء الصغيرة في حديقة القصر ، وضعت طبقي طعام وكأسين من الماء وطبق سلطة خضراء شهية تحضرها بفن ، وطبق آخر من سلطة اللبن بالخيار ، وتوسطت المائدة الطنجرة الصغيرة المقلوبة على وجهها فوق طبق كبير يتسع للـ ( مقلوبة ) عند رفع وعاء الطهو عنها ..
تأخرت الجدة في الهبوط من غرفتها رغم أنها قالت ليارا أنها قادمة ، راحت يدا يارا تربتان على قاع الوعاء كي تتأكد من عدم التصاق أي شيء فيه عندما ترفعه ، ابتسمت للجدة بحبور وهي تراها قادمة ، وما إن استقرت في كرسيها حتى رفعت يارا وعاء الطهو لتظهر المقلوبة بخضارها الشهية والباذنجان المقلي وقطع اللحم الناضجة بفن التي وصتها بها الجدة!
قبل أن تمس المشهد الذي يسيل له اللعاب سمعت صوتاً خلفها يقول :
- الله على هالريحة ... شو هالمقلوبة هااي .. شكلو حماتي بتحبني!
شعرت بالقهر وهي ترى الخادمة تسبق هاشم وتضع طبقاً وكأساً ثالثين ! زمت شفتيها وهي تفكر الآن عرفت سبب تأخير الجدة .. وسبب رغبتها بتناول الغداء في تمام الثانية وليس الواحدة والنصف كالمعتاد .. كم هي غبية ، كيف توقعت أن لا تقول الجدة لهاشم شيئاً وهو يعشق المقلوبة عشقاً !
وجدت نفسها تنظر إليه شزراً من طرف عينها بحكم وقوفها الجانبي لموقع وقوفه وهمست بامتعاض :
- بس أي وحدة فيهم بتحبك ؟؟ ما شالله لازم تقول حمواتي بحبوني!
ضحك لها بعذوبة وهو مستمتع باستيائها ، ومشاركتها وجبة أعدتها بنفسها وقال لها بثقة :
- والله الحماية إلي بنتها بتحبني .. أكيد هي إلي بتحبني .. !!
ودون تفكير أجابته وهي تلوي شفتيها :
- على هيك ولا وحدة بتحبك !!
فرقعت ضحكته بقوة رهيبة ، لقد كانت تقصد أن تغيظه لا أن تسيله ، شعوره بالاسترخاء والارتياح يزعجها ، نفخت أنفاسها بعنف لأنها تشعر بالقهر وهي ترى نفسها قد طهت لهاشم رغماً عنها ، رفعت طبق الجدة وسكبت لها من الطعام والسلطة ، فيم كان هاشم يستقر في جلسته على كرسيه الذي كان ظهره لمدخل القصر وعيناه تتأمل جانب وجهها الذي عرف منه امتعاضها ، لكنه ابتسم لمجرد شعوره بالانتصار على مخططاتها التي باتت تقض مضجعه .. وتقلق ليله ، خاصة .. و هبطت نظراته النهمة على قدها الرشيق الذي يقف بجواره بشكل جانبي .. خاصة وأن هذا الجسد الليّن لا يغيب عن باله أبداً ... لا ليلاً ولا نهاراً .. يراها حاضرة في كل مكان حوله وفي أي موقع يكون فيه .. كم هو مشتاق لقبلة واحدة من شهد شفتيها ، لقد جافته أكثر من عشرة أيام وهو لا يكاد يصدق أن هذه الفتاة التي يحلم بها ليل نهار عرف فعلاً سعادة وجودها بين ذراعيه ، فلقد أصبح ضمها إلى صدره أعذب أحلامه و أكثرها تعذيباً.
أخرجه من تأملاته الملوعة اشتياقاً ليارا صوت جدته وهو يقول :
- يمّة يارا توصي بصحن هاشم ، تراه بموت بشي اسمه مقلوبة !
بدا واضحاً من زمة شفتيها أنها لم تكن تريد أن تسكب لهاشم ، لكن كلمات الجدة أحرجتها ، أمسكت طبق هاشم بعصبية وسكبت له قبل أن تضع طبقه بعنف أمامه ، وأوشكت أن تنسحب لولا الجدة التي كانت تقول لها :
- يمّة وين رايحة أقعدي كلي ... هاي المقلوبة ما بتتعوّض !
شعرت أن الجدة متتبعة لكل حركة من تحركاتها ، وكانت تتعمد أن تبقيها حولها هي وهاشم ، إنها بكل بساطة تحاول أن تجمع بين يارا و هاشم بأبسط طريقة ممكنة ، همست يارا بمحاولة منها لإقناع الجدة بانسحابها :
- صدقيني مو جوعانة يا جدة !
لمحت التقطيبة العنيفة التي ارتسمت على جبين هاشم وكأنه ضاق ذرعاً بما تفعله ، والطريقة المتعمّدة في الابتعاد عنه واستبعاده أيضاً ، لكنه مع ذلك أهمل شعوره فهو سيترك للجدة مهمة التعامل معها ، وضع لقمة في فمه وهو يقول :
- الله .. الله .. الله ... شو هالمقلوبة هااي !
ضحكت الجدة بسعادة وهي تقول ليارا :
- شايفة يا يارا ما أزكى المقلوبة إلي عاملتيها ، أقعدي تغدي يمة أنا بعرف إنك بتحبي المقلوبة!
وضعت يارا القليل في طبقها وهي تشعر برغبة عنيفة في صفع الوجه الذي على مستوى يدها تماماً ، فهاشم كان جالساً يستمتع بوجبته بينما هي تقف وتتحرق قهراً وتتميز غضباً ، سمعته يتنهد بسعادة وهو يقول :
- يا سلااااام .. أزكى مقلوبة باكلها بحياتي !
ارتسمت ابتسامة فخر تافهة على وجه يارا جعلتها تشعر بالغباء لأنها محت كل آثار الغضب الذي كانت تشعر به منذ لحظات ، فعلاً هي غبية لأنه بكلمة واحدة فقط جعلها تبتسم كأنثى سخيفة ! عاودها الغضب من نفسها ومنه لجلوسه بسعادة وكأن لا هم لديه .. يا الله كم هو بليد الإحساس!
وكم كانت سعيدة بوكزة الجدة القوية لهاشم في كتفه والذي أجفل بسببها وهي تقول له ضاحكة :
- صارت هاي أزكى مقلوبة بتاكلها بحياتك ؟؟!! خلص ولت أيام مقلوبة الجدة نوزت ؟؟!!
غمزها بحذق جعل ابتسامة شبيهة بابتسامة يارا ترتسم على محيا جدته وهو يقول لها :
- مهي هاي مقلوبتك ... أي نعم يارا طبختها بس السر بالوصفة والتعليمات الدقيقة إلي أعطيتيها إياهم !
هذه المرة فعلاً شعرت بدغدغات في يدها كانت ترجوها أن تلامس وجه هاشم في علقة ساخنة ، لكن كلمات الجدة كالعادة شفت غليلها :
- والله في نسوان عندهم أحسن كتب الطبخ ، بس أكلهم بيطلع بلاطعمة وبلا نكهة ، أهم شي إنو إلي بتعمل الوصفة يكون نفسها طيب بالأكل .. زي يارا .. يا قلب الجدة لو بس تنفست على الطنجرة رح تطلع الطبخة زاكية!
ارتفعت نظرات هاشم الهائمة برغبات أشعلتها كلمات جدته نحو يارا ليفاجئ بها تتجه نحو الأرجوحة ، شعر بتفاعلات غضبه تشتد وهو يراها تتابع لعبة القط والفأر المنهكة ، ودون تفكير وجد نفسه يسألها بامتعاض :
- ليش رايحة تقعدي هناك ؟؟!!
نظرت إليه بذلك الترفع الذي يكرهه منها ، وقلبت شفتيها وهي تقول له :
- هون أريحلي .. مو جاي عبالي أقعد عالطاولة ، لأنها صغيرة ... صارت زحمة كتير !
تبدلت ملامحه فوراً وهو يفهم تماماً ما تعنيه ، ترك الملعقة تقع من يده في طبق الطعام محدثة صوتاً تسبب ليارا بمغص في معدتها خاصة وهي ترى علامات الغضب الشديد على وجه هاشم ، ندمت من فورها على جرأتها وتماديها في إظهار استيائها الذي لم يكن حقيقياً ، شاهدته يقف وهو يمسح يديه بالفوطة التي أمامه و يقول لجدته وعيناه لا تغادر وجه يارا الممتقع من شدة اضطرابها وهي ترى نظراته تكاد تخترقها بسهام نارية :
- بما إنو جيتي نغصت عليكم قعدتكم ... فخليني أترككم على راحتكم !
ابتلعت يارا ريقها بتوتر ، لم تتوقع أن يتضايق منها بهذا الوضوح ، خافت من ردة فعل الجدة لأنها بالتأكيد لن تكون في صفها عندما تحرم حفيدها المحبب والأقرب إلى قلبها من وجبته المفضلة ، نظرت إليها الجدة للحظة قبل أن تمسك بيد هاشم وهي تقول :
- أقعد يمة وين رايح ، والله مافي أحلى من القعدة معك ، والمقلوبة ما لها طعم بدونك!
وعادت ترمي بنظرة سريعة نحو يارا وكأنها تقول لها أن تساعدها في إقناعه بالبقاء ، في اللحظة التي كان هاشم يقول فيها :
- شو بدي بالمقلوبة إذا كانت معمولة بدون نفس .. بلاش أتشردقلي بشي لقمة أروح فيها بعدين!
شهقت الجدة وهي تقول بسرعة :
- اسم الله عليك و حولك و حواليك .. الله يحميك يارب ..
شعرت يارا بالارتباك لأنها كانت السبب في تنغيص هذه الجلسة التي كان يفترض أن تكون حميمة ودافئة ويسودها الهدوء ، لكن الغريب في الأمر أن أكثر ما أزعجها هو طبق هاشم الذي مازال ممتلئاً ولم يأكل منه إلا بضع لقيمات ... لقد كان سعيداً جداً قبل قليل ، عندما رأته يبتعد عن كرسيه وهو على وشك مغادرة المائدة تماماً وجدت نفسها تقف دون تفكير ، خاصة عندما لمحت الجدة تنظر نحوها من جديد ، اقتربت من هاشم بسرعة وهي تقبض على ذراعه وتقول له بلطف :
- وين رايح .. خليك قاعد معنا ..
التفت نحوها ينظر في عينيها تماماً وأنفاسه تغطي وجهها وهو يقول :
- بدي أريحك مني بما إني خليتك تضوجي وصارت الطاولة زحمة بوجودي !
لمحت طيفاً في مدخل القصر المؤدي إلى الحديقة جعلها تتصرف بتلقائية وهي تشبك ذراعها بذراعه وتقول بدلع :
- طيب كمل صحنك على الأقل .. والله بزعل إذا ما أكلت !
شعرت به يهدأ وكأنها امتصت غضبه لكنه مع ذلك قال لها بتبرم :
- ما شاء الله شو صايرة تزعلي .. مش ملحقين عليك زعل .. لأ وياريت الواحد بيعرف كيف بترضي!
ضحكت له بنعومة مدروسة وهي تميل برأسها على كتفه وتقول بنظرات تنضج إغراء :
- خلص هالمرة أنا براضيك .. مو إلك دين علي ؟؟!!
قطب حاجبيه بضبابية و حركاتها وإيماءاتها تذهب بعقله وتركيزه وكل تفكيره ، واستقرت نظراته على شفتيها وهو يسألها بشوق :
- أي دين ؟؟!!
تركت ذراعه وهي تشد على كتفه كي يجلس فيم قالت بصوت مسموع للجدة وهي تضحك :
- هديك المرة هاشم أصر يطعميني بإيده ، وكان بده إياني أنا كمان أطعميه ، بس أنا وقتيها ما قبلت !
ضحكت الجدة من كل قلبها وهي تقول ليارا بتأنيب مصطنع :
- إذاً لازم تطعميه بإيدك هالمرة !
جلست يارا بجاوره وأمسكت بقطعة لحم بيديها وهي تفسخها لقطع أصغر ، وقبل أن تتمكن من إقناع نفسها بأن تمد يدها نحوه ، قبضت يده على رسغها وهو يقرب أناملها من فمه كي يتناول قطعة اللحم التي بيدها ملامساً بأسنانه أناملها الرقيقة وكأنه يهدد بإلتهامها أيضاً !
شعرت بوجنتيها تصبحان بلون الكرز خجلاً مما يفعله أمام الجدة التي كانت تقول له بابتسامة :
- هاشم .. شوي شوي عالبينية .. رح توكلها ... لساتها صغيرة بتفهمش هالحركات!
ضحك هاشم لكلمات جدته التي لم يعرف هل تتعمد أن تثيره بكلماتها عن يارا ، فهي تصفها بطرق غريبة تجعله راغباً فعلاً بالتهامها.
اغتال صوت زوجته أفكاره وهو يصدح كزلزال مدمر :
- ماشالله عليكم ما ألزكم .. عرسان بجد .. قال هو هديك المرة بطعميها .. وهي هالمرة لازم تطعميه .. وقال شو زواج على ورق ... بقص إيدي إذا ماكنت خليتها مرتك عن حق و حقيق .. هاي حركات واحد و وحدة مافي بينهم علاقة ؟؟!
كلمات سوزان نزلت كالصاعقة على رأس يارا ، فغرت فاها لوهلة لكنها عندما رأت نظرات الجدة تتلاعب بين التأكيد والنفي فهمت أنها تريد أن تغيظ سوزان أكثر مما هي مغتاظة ، بينما أمسك هاشم بملعقته وهو يقول لزوجته بهدوء :
- شكلك جوعانة ... مابدك تدوقي مقلوبة يارا؟؟!!
زمت سوزان شفتيها وهي تقول بلهجة بان فيها غيظها :
- لأ بدي أدوق ستيك الطباخ !
جلست يارا بجوار هاشم وقالت له بدلال وهي تمد طبقها أمامه :
- هاشم حطلي شوي !
ارتفعت نظراته المداعبة نحوها في الوقت الذي اقتربت فيه نحلة من أذنها جعلتها تقفز في حجر هاشم وهي تصرخ من صميم قلبها ، أغمضت عينيها وهي تدفن وجهها في صدره العطر وهي تقول بصوت طفولي بكّاء :
- يامامي .. ما بحب النحل .. بكره النحل .. بكرهووو
شعرت بيدي هاشم تحكم الالتفاف حول خصرها وهو يشدها إليه ويقول مداعباً وكأنها طفلة :
- ينعن عينها هالنحلة ... هلأ بضربلك إياها ( دي ده )
شعرت بالغباء بعد كلماته ، فابتعدت عن صدره لتتفاجئ بنظرات الجدة المستمتعة وكأنها تتابع مشهد عاطفي من أفلام الستينات من بطولة فاتن حمامة وعمر الشريف .. عاد الاحمرار يزحف ببطء على وجنتيها وهي تقف مبعدة نفسها بالإكراه عن حجره .. ياللإغراء لم تظن يوماً أنها قد ترغب بالارتماء في أحضان أحد كما تشعر برغبتها في أن تسكن صدر هاشم وحجره إلى الأبد!
لم تعرف أين ذهبت سوزان ، يبدو أنها تحولت بخارا تناثر في الجو من شدة غضبها و غيظها ، كل ما كانت تعيه هو نظرات الجدة الغارقة في السعادة .. ونظرات هاشم التي تحوم عليها بطريقة رجولية بحتة لم تشعر أنها تستطيع أن تفهم ما وراءها ... شعرت أن الخيالات المرتسمة في دماغه في تلك اللحظة تبحر في عالمٍ لا تعرف عنه شيئاً !
استأذنت بارتباك لأن مشاعرها نحوه كادت تتفجر بقوة تجعلها ترمي بكل خططها عرض الحائط وهي ترجوه أن يحبها!
أنت تقرأ
سلسلة النشامى /الجزء الأول / جنتي هي .. صحراءُ قلبِكَ القاحلة /معدلة
Любовные романыالحقوق محفوظة لـ الكاتبة المتألقة لولا سويتي