استمرت سهرة العائلة فرحاً بعقد قران ناصر وهيا حتى وقت متأخر من الليل ، كانت الجلسة تضم جميع أفراد عائلة الجدة ماعدا سارة وحازم اللذين انسحبا لضرورة ذهابهما إلى زيارة عمة حازم في جرش !
كانت هيا تجلس بجوار ناصر الذي كان يتعمّد الالتصاق بها ، وكلما تباعدت قليلاً بارتباك وخجل كان يلصق فخذه بفخذها ويقترب ببطء حتى يلتصق بها مجدداً ، حاولت أن تتباعد قليلاً عنه ، عندما توقفت تحركاتها وهي تسمع الخالة نسرين تقول :
- هيا .. شو رأيك تنامي عنّا اليوم ، ناصر مسافر بعد عشر أيام وإنتوا لازم تاخدوا على بعض أكتر .. ماشاء الله القصر كبير ومليان غرف .. إذا بدك خليكي بغرفة النوم إلي بدلت فيها ملابسك .. يعني عشان ما تكوني بنفس الطابق إلي فيه ناصر !
أنهت كلماتها بغمزة ذات معنى لناصر ، الذي ابتسم لزوجة عمه بانشراح وهو يشعر برغبة مفاجئة في تقبيلها لهذا الاقتراح الرائع !
شحب وجه هيا للاقتراح ، لأنها بكل بساطة ستكون قريبة جداً من ناصر الذي سيهاجمها بالتأكيد وهي مازالت لا تعرف الطريقة المناسبة للتعامل معه ، لا تعرف كيف تصده بهدوء أو وضع حواجز له ، لا يمكنها أن تضع حواجز لنفسها فما بالك له !
ما بال هذه العائلة وإرغامهم لها للرضوخ للأمر الواقع ؟! نظرت نحو والدتها تستنجد بها ، لتجدها تتأملها وكأنها تشعر برفضها للأمر ، صدح صوت أبو صخر وهو يقول :
- وأنا كيف أنام إذا هيا مو بحضني !
ضحك الجميع لكلمات أبو صخر قبل أن يردف :
- خليها تسهر عندكم كل ليلة ومن الصبح يجي ناصر ياخدها .. بس سريرها ما برضى هيا تنام برى !
كلمات الأب كانت حنونة وبريئة ، لكنها أشعلت رغبات ناصر بطريقة غريبة ، وشعر بغيرة غريبة من سريرها ومن أحضان والدها ، كان يشعر نحوها بملكية شديدة ، وكأنه كان ينتظر متى تصبح له ولم يعد يطيق فكرة ابتعادها عنه ولو للحظة واحدة ، لمعت فكرة جامعتها وزميلها مازن في رأسه فشعر بغليان داخلي جعله على وشك أن يلتفت إليها ويزأر في وجهها كأسد غاضب !
شعرت هيا بالارتياح الشديد ، الذي لم يدم طويلاً عندما قالت الجدة :
- طيب اطلعوا تمشولكم ربع ساعة بالحديقة برى ، اقعدوا عالمرجيحة تحدثوا ، يمّة لازم تتفاهموا وتاخدوا على بعض ..
كانت نظراتها حازمة جداً لكل منهما وكأنها تحثهما على إيجاد وسيلة للتفاهم بدلاً من العناد والتحدي، جاءت موافقة منى مع كلام والدتها مع ابتسامات الجميع المشجعة ، لتقف هيا بوقوف ناصر الذي أمسك كفها بقبضته وهو يشدها برفقٍ معه !
سارت بجواره وهي تشعر بخجل شديد وكأنهم يطالبونهم بالانزواء في غرفة ما لقضاء ليلة حب مخملية ! عدلت من طقمها المكون من بنطال وجاكيت قصير من قماش لامع بلون برونزي فاتح يناسب زينتها وبشرتها ، تشاغلها جعلها تفلت يده ، فاستعاض عن قبضتها باحتواء كتفيها بذراعه بملكية شديدة وهما يخرجان نحو الظلام الدامس في الحديقة ، همست هيا فوراً :
- خلينا نحكيلهم يضوا الضو !
لكن ناصر سحبها قبل أن تتراجع نحو المدخل من جديد وهو يقول لها بصوت أجش :
- في ضو جاي من بعيد ، وضو القمر بكفي .. بعدين هيك أحلى !
جملته الأخيرة كانت شبه هامسة ، وهو يفكر في سره ما باله اليوم ، مشاعره متأججة نحوها وكأنه لا يطيق رفع يديه عنها ، ليت عقد القران كان زواجاً ، فلقد تفجرت عواطفه الجياشة المكبوتة تجاهها بقوة عظيمة ما عاد يستطيع لها ردعاً ولا صداً ، إنه لا يحبها فقط بل يكاد يذوب وهو ينظر إليها ، هذه الصغيرة الحسناء التي تلفت الأنظار أينما كانت صارت له ، وهو المعذّب الذي لم يجرؤ يوماً على التفكير بها وجد نفسه فجأة زوجاً شرعياً لها !
كانت تمشي بجواره بصمت لم يقطعه إلا طقطقة كعبها العالي على الأرضية الحجرية للحديقة ، امتدت أنامله تبحث عن أناملها بنعومة شديدة التي استسلمت له برضوخ لأول مرة ، سحبها برفق نحو الأرضية العشبية حيث الظلام أكثر حلكة وانعزالاً ، كان يريد أن يقول لها الكثير ، أن يطلب منها بداية جديدة ، أن يخبرها عن خصلات شعرها التي كانت تداعب وجهه كلما علمها امتطاء الخيل وهي ابنة أربعة عشرة عاماً ، أراد أن يحكي لها عن رائحتها العبقة بالنظافة ومسحوق الغسيل التي كانت ترافقها كلما اقترب منها عدا عن عطر الزهور البرئ الذي كان يلفح خلاياه العصبية وكأنه أكثر العطور الباريسية إغراءً ، توالت ذكرياته التي لم يكن يلقي لها بالاً قبل اليوم ، ليدرك أن هيا كانت سبباً رئيسياً في امتناعه عن المجيء إلى عمّان في السنوات الخمس الأخيرة ، عجيب هو العقل اللاواعي كان يحبها بصمت شديد وفي الأعماق وسرعان ما طفى إلى السطح ما إن أشعلت هي شرارة غضبه بكلمة " عمى" التي أطلقتها نحوه قبل أسبوعين تقريباً ..
وقف فجأة ليلتفت إليها وتنفسه يزداد تسارعاً بطريقة واضحة ، ارتطمت به لأنها كانت غارقة أيضاً بأفكارها الخاصة ... لهثت من الارتباك وهي تتفاجأ بجسده الصلب الذي لم يتزحزح بينما يداه تلتفان خلسة حول خصرها مقرباً إياها منه ، شعرت بحرارة عضلاته الصلبة تغمر جسدها اللين ، فرفعت وجهها نحوه لتختلط أنفاسهما بتلاحم حميم ، ازداد اعتصاره لخصرها وهو يتأمل لمعان عينيها تحت ضوء القمر الذي أنار وجهها مبرزاً جمال ملامحها بوضوح لم يرحم قلبه ، ارتفعت يده إلى حجابها الذي كان ملتفاً حول رأسها بإحكام ، همس لها بصوت متحشرج : - فكي حجابك ! أجابت بارتباك وهي تشعر بدقات قلبه المتسارعة تكاد تذهب بعقلها : - طيب ما أنا كمان شوي مروحة ! لامس وجنتها بشفتيه للحظة ، قبل أن يحركهما بنعومة دون أن يقبلها فعلاً ليقول لها بهمس خدرها : - فكي حجابك يا هيا بدي أشوف شعرك ! كان قد هاجم كل حصونها حتى جعلها دكاً أمام المشاعر التي ثارت في قلبها ، ارتفعت يداها بارتباك ترفع الدبابيس بسرعة قبل أن ترخي حجابها حول عنقها وهي تنظر للحظة إليه بخجل شديد ، لتعيد نظراتها نحو الأرض وهي ترى عينيه المشتعلتين بحاجات رجولية اكتسحتها بلمحة واحدة ، ارتفعت يده إلى جانب وجهها لتداعب وجنتها وأذنها بدفئها اللذيذ ورائحة عطره تتغلغل مع أنفاسها لأنه التصق تماماً بها ، أغمضت عينيها وهي تسحب نفساً مرتجفاً ، لتسمعه يفعل المثل وكأنها أصابته بالعدوى ، تغلغلت أنامله في خصال شعرها الناعم مبعداً إياه عن عنقها وهو يشدها نحوه أكثر فأكثر حتى ما عادت تعي سوى أنها زوجة ناصر ولا تطيق فراقاً عنه ! تأنيه معها جعلها تشعر أنها تذوب ببطء بين ذراعيه ، رفع رأسه قليلاً ينظر إليها وهو يهمس لها : - فستانك اليوم كان بجنن .. طيرتيلي عقلي يا هيا ! ابتسمت بنعومة وهي تتنهد بارتياح ، و أخيراً نطق ! ضحكت برقة وهي تقول بصوت هامس أيضاً : - مع إنو كنت مفكرة إنو المزة الشقرا هي إلي مطيرتلك عقلك !
أنت تقرأ
سلسلة النشامى /الجزء الأول / جنتي هي .. صحراءُ قلبِكَ القاحلة /معدلة
Romanceالحقوق محفوظة لـ الكاتبة المتألقة لولا سويتي