الفصل السادس عشر

22.1K 407 3
                                    

التزمت يارا غرفتها طوال الليل بعد الذي رأته من هاشم و سوزان ، وقضت ليلة مسهدة بعد أن أغلقت هاتفها وهي ترفض أي تبرير من هاشم! شعرت بسكين خيانته يطعنها في الصميم ، لقد قال لها مراراً أنه لا يمس امرأته ، وتقبلت على مضض وبقهر عظيم معاملته لزوجته بالحسنى أمام العائلة رغم تقصيرها الكبير الذي شهدته جدته و عمته ، لكن أن يقبلها أمام عينيها بعد أن صارت علاقته بها هي يارا تتسم بالعاطفة العاصفة كان أكثر مما تطيق تحمله. يجب أن يكتوي بنار الغيرة تماماً كحالها ، ففي الوقت الذي هي تعمل جهدها لصد محاولات ناصر بالتقرب منها ، كان هو يقبل زوجته الناشز بلاسبب منطقي!
دخلت سارة إلى منزلها الزوجي بعد أن تملصت بصعوبة من السهرة العائلية الجميلة في منزل العائلة ، ساد الصمت طوال وقت العودة في السيارة وقد استعاد عقلها كل كلمة جارحة رماها حازم في وجهها صباحاً بعد الليلة الحميمية الدافئة التي قضاها معها ، شعرت بآلامها تستيقظ فجأة وهي تمر بجوار حازم الذي كان يفتح لها الباب وينتظر ولوجها ، رائحة عطره داعبت أحاسيسها بطريقة غريبة ، كيف يمكنها أن تحبه بعد أن كانت تنتظر اليوم الذي ستتحرر فيه من قيد زواجها منه !
انسحبت نحو غرفتها وهي لا تعرف كيف تمكنت من رسم ابتسامة على وجهها طوال الوقت الفائت في منزل والدها ، لكن صوت حازم الذي جلجل قبل أن تغلق باب غرفتها أربكها بقوله :
- وين مفكرة حالك رايحة ؟؟!
عقدت حاجبيها بحيرة لماذا يكلمها بهذه الطريقة ؟؟ أجابته بتساؤل صامت :
- تعبانة ونعسانة ، مبارح ما نمت منيح إذا متذكر!
فاجأته جرأتها في التطرق لموضوع ليلتهما بهذا الوضوح ، حقاً مازال غير قادر على التنبؤ بتصرفات سارة ، فهي مزيج غريب من المتناقضات ... التي يعشقها ! تباعدت عيناه عن عينيها ومشاعر ساخنة تجتاحه للصور المثيرة التي ارتسمت في مخيلته لمجرد ذكرها لليلة البارحة ، وفكر بصمت : يا الله كيف رح أنام اليوم ؟؟
مشاعره الخائنة التي مازالت متعلقة بها أثارت غضبه بقوة شديدة ، وجعلته يصرخ فيها بنزق :
- من اليوم وطالع كل شي بتعمليه بده يكون بإذن مني ، فااااهمة ؟؟!! حتى نومتك ومكان قعدتك بدك تسأليني قبل ما تعمليهم .. وهلأ بوجهك عالمطبخ إعمليلي فنجان قهوة !
اتسعت عيناها وهي غير مصدقة لما تسمعه ، شعرت برغبة قوية بأن تصرخ في وجهه هي الأخرى و تقول له أنها ملت هذه الطريقة في التعامل ، قاومت بشدة أن تقول له انها ستعود لمنزل عائلتها و ماعادت خائفة من خطئها لأنها أتبعته بشهور من التصحيح و لكن دون فائدة !
كان الصراع مرتسم بوضوح شديد على محياها ، وعرف حازم أنه ذهب بعيداً جداً هذه المرة في الضغط عليها ، ترددها في تنفيذ أوامره أثار شيئاً من الرعب في أفكاره ، هل ستنفجر الآن في وجهه ؟؟ هل ستغادر منزله لأنه أهانها أكثر مما يمكنها أن تحتمل ؟؟ والأهم من ذلك كله .. هل لصخر و نظراته نحوها علاقة بما تفكر به الآن ؟؟! ارتفع ذقنها بتحدٍ أوقع قلبه ، ستقول له أنها لم تعد تطيقه ، مهلاً .. هي لاتطيقه أصلاً !! لكنها فاجأته مجدداً وهي تقول بتصبُّر :
- حاضر !
طريقها نحو المطبخ جعلها تمر بجواره ، لكنها لم تغير للحظة طريقة مشيها ، بل جعلته هو من يتراجع بعض الشيء كي يفسح لها المجال لمرورها ..
خرجت سارة من المطبخ بعد أن هدّأت من روع أفكارها أثناء صنعها للقهوة ، لترى حازم يجلس على الأريكة الكبيرة التي أمام التلفاز ، لكن الغريب في الأمر أن التلفاز كان مغلقاً ورأس حازم منكس وهو يريحه بين كفيه فيم مرفقيه مستندين على ركبتيه ، صورة تمثل البؤس بوضوح ، تحرك قلبها نحوه ، وكرهت نفسها لأنها السبب في معاناته ، كيف كانت ستنفجر به قبل قليل ، الحمدلله أنها تذكرت ما قالته يارا عن انتقامه من مشاعره نحوها والذي يكون بإثبات عكس ما يشعر به ، نزلت الكلمات برداً وسلاماً على غضبها ، فهدأ غضبها وتوجهت كي تصنع له القهوة ، وصورته الآن تثبت صحة ما قالته يارا ، نعم هو يتظاهر بالقوة أمامها ، لكنه ما زال مجروحاً و بعمق في قلبه!
ارتفع رأس حازم فالتقت نظراته بنظراتها ، وعادت التساؤلات تلح في عقله ، إلى متى التأجيل ؟؟ سارة لن تحبني يوماً و مماطلتي بزواجنا ما هو إلا تأجيل ما هو محتم ! إلى متى سأتعذر بالانتقام الذي لا أتقنه ؟؟!! تراقصت صورة صخر و هو يداعبها بنظراته فشعر بطعنة أدمت قلبه .. يا الله ساعدني ..
وضعت سارة الفنجان أمامه ولما رأت نظراته تحوم بعجز على ملامح وجهها وجدت نفسها تجلس على الأرض قرب ساقيه ، وارتفعت يدها تداعب جانب وجهه ما جعله يغمض عينيه خوفاً من رؤيتها لهيجان مشاعره في نظراته وهمست له بقلب مثقل بالحب :
- ما بدك تسامحني يا حازم ؟؟! أنا بعرف إني غلطت .. إنت أحسن بنت بالعالم بتتمناك! و أنا ..
قبل أن تكمل كلماتها وقف بعنف وهو يتخيلها ستقول شيئاً يجرحه من جديد ، ستقول أنه لا يشكو من أي خطب وهي التي تشكو من عدم رغبتها بالارتباط .. أسلوب جديد كي تحرر نفسها منه ، ووجد نفسه يكمل عنها :
- أحسن بنت بالعالم بتتمناني بس مش إنت صح ؟؟!! فهمنا الدرس منيح ست سارة ..
قبل أن يتركها وجدت نفسها تقف بدورها وتقبض على كتفه برجاء وهي تقول :
- ليش بتكمل الكلام عني ؟؟ ليش بتتوقع الأسوأ مني ؟؟!!
أبعد يدها عن كتفه بقرف وهو يقول :
- لإنو إلي إنلدغ من الحية بخاف من حركة الحبل .. و أنا ما شفت إلا الأسوأ منك !
كلماته جلبت الدموع إلى عينيها وهي تقول :
- مش مزبوط هالكلام سيد حازم .. صرلي تلات شهور زي الخدامة حواليك !
تأملها للحظات وهو يقول بتفكير عميق :
- أنا مو ناقصني خدامات .. الله يرحم أيام ما كنت أنا زي الخدام حواليك بس بدنا كلمة رضا من حضرة جنابك .. بس فعلاً إذا أنت أكرمت اللئيم تمردا !
ولاها ظهره وهو يتجه نحو غرفته فلحقت به وهي تهتف برجاء :
- أنا بعترف إني كنت غبية !
التفت إليها ليرمقها بنظرة استخفاف وهو يقول :
- ما اختلفنا على هالنقطة .. هاد شي أكيد .. بالذات و أنا بشوف عكس كلامك عني في عيون كل إلي حوالي .. وفي ناس بتنتظر بس إشارة مني ..
و أردف وهو يخلع خاتم زواجه من بنصر يده اليسرى ويرفعه أمام وجهه كي تراه:
- و والله .. هالخاتم ما بعينلهم إشي ! بس أنا ما تعودت أكتب بنفس الصفحة .. لازم أقلب الصفحة القديمة و أبلش الموضوع الجديد بصفحة جديدة بيضا ومتل الفل!
أعاد الخاتم إلى يده و هو يرى أنه أثر بها أكثر بكثير مما كان يتوقع ، شعرت بكلماته و كأنها وعيد لاقتراب انفصالهما ، ما يعني أن كل ما فعلته طوال الشهور الفائتة لم يغير شيئاً .. إلا فيها هي !!
هذه المرة هي من انسحب بيأس ، الأمر أكثر تعقيداً مما تصورت هي و يارا ، إنه يتحدث عن فتيات عديدات وليس واحدة فقط ! من الواضح فعلاً أنها خسرت حازم .. واكتسابه من جديد في صفها هو أمر أشبه بالخيال !
راقبها حازم وهي تلملم صدمتها بخيبة أمل ، وتنسحب بكل هدوء ، شعر بآلام قلبه ستحطم المنزل بأجمعه ، لماذا لاتدافعين عني ؟؟ لماذا لا أرى الغيرة في عينيك ؟؟!! لماذا تنسحبين كما لو كنت مجرد أريكة بالنسبة لك تزين المنزل لا أكثر .. وفقدانها أو بقائها لا يعني شيئاً ؟؟!!

سلسلة النشامى /الجزء الأول /  جنتي هي .. صحراءُ قلبِكَ القاحلة /معدلة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن