الفصل الثالث عشر

20.2K 376 17
                                    

دخلت سارة إلى منزلها وهي تستعيد كل ما وصتها به يارا ، أهم شيء هو التكتم على الأمر في أثناء محاولاتها لحله ، أول شيء فعلته هو تحميل سورة البقرة من الإنترنت على حاسوبها المحمول و وضعتها على وضع التشغيل المستمر بصوتٍ عالٍ كي يصدح صوت الشيخ ( أحمد بن علي العجمي ) في كل أرجاء المنزل بآيات السورة الكريمة ، اغتسلت و توضأت وصلت العصر قبل آذان المغرب بدقائق قليلة ، فلقد عاهدت يارا أن تداوم على صلاتها كي تشعر براحة نفسية وسكينة تساعدها على حل مشكلتها الزوجية!
في هذه الأثناء كانت يارا تجفف شعرها بعد الحمام الساخن الذي أخذته ، وهي ما زالت متفاجئة من الطريقة التي تعقدت بها حياة سارة من أخطاء بسيطة ، ومتفاجئة أكثر من حاجة سارة الملحة لأحد يستمع إليها ويدلها كيف تتصرف! كانت تعرف مسبقاً أنها فتاة لطيفة وبسيطة لكنها اليوم تأكدت انها فعلاً شخصية محببة وبريئة إلى أبعد الحدود!
من يصدق أن عائلة الشرفاء بغناهم الفاحش ومستواهم الاجتماعي المرموق ، زواج كل منهم مهدد بالانهيار بدءاً من الأب فيصل امتداداً إلى سارة الرقيقة ومروراً بالطبع بهاشم و زواجه الشائك من سوزان .. لقد تبين لها اليوم الكثير من الحقائق التي أثبتت لها مرة جديدة صحة نظرتها للأمور وصدق حاستها السادسة التي تتنبأ بالكثير مما يدور حولها قبل أن تعرف حقيقته فعلاً !
لم تستطع إلاّ أن تتعاطف مع سارة التي كانت ضحية هذا التخبط الذي تعيشه عائلتها ، فلقد كانت xxxxxة كيف ترضي والدتها و والدها المتناقضان بطريقة شوشت سارة وأثرت بالطبع على قراراتها و قوة شخصيتها ، فهي تارة قوية تواجه بشراسة وتارة أخرى مترددة لا تعرف كيف تتصرف بأبسط الأمور .. تمنت من الله أن يلهمها الصواب في التعامل مع حازم الجريح .. لقد طعنته سارة في صميم رجولته بشكل قاتل في عدة مناسبات وحوارات مختلفة ، حولت حبه الجارف نحوها إلى إعصارٍ غاضب يبحث عن الثأر لرجولته ، و لم يجده إلا بجر سارة إلى عمّان كي تكون بعيدة عن تدليل والديها وإفسادهم لها - هذا ما استنتجته يارا – رغم عدم تصريحها بذلك أمام سارة التي اكتشفت حبها العميق لحازم في وقت متأخر جداً ، خاصة و أن هناك من تشن هجوماً على زواجها في الوقت الذي حازم أضعف ما يكون أمام أي تقدير أنثوي يرد له شيئاً من كبريائه التي أهدرتها سارة بكلمات سخيفة لم تكن تعنيها فعلاً ، لكنها استخدمت شراستها كي تنكر حبها لحازم الذي لم يوافق ذوق والدتها في الوقت الذي وجده والدها أفضل رجل تقدم لخطبتها!
اصطفت سيارة حازم في مرأب منزله الزوجي الكائن في بناية راقية في إحدى مناطق عمّان المحترمة والذي ابتاعه من عرق جبينه ومن عمله الخاص ودون مساعدة أحد ، رجل عصامي محترم ، لكنه لم يكن على المستوى المطلوب بالنسبة لسارة ... عقد حاجبيه بألم شديد ، سارة ! وما أدراك ما سارة ! ذلك المزيج المتناقض من القوة والضعف ، من الجرأة والخجل ، من الثقة والتردد ، من الشراسة والنعومة .. مزيج فتاك ذهب بعقله لسنوات عديدة ... راقبها وهي تتحرك أمامه كزوبعة من الجمال الصارخ والبساطة التي اكتسبتها من حياتها في الغرب ، فرغم محاولات والدتها في التأثير عليها إلا أنها لم تستطع أن تغزو روح سارة المميزة برقتها وطيبتها وعنفها عند اللزوم . شعر بقلبه يكاد ينفجر وهو يتذكر كم أحبها ! لكنه لم يتقدم لخطبتها من والدها الشريف فيصل إلا عندما حاول أن يرقى بمستواه المادي ليصبح مقبولاً بالنسبة لسارة ، ولما عرف بموافقتها على الزواج كان أسعد رجال الأرض لأنه اعتقد أنها على الأقل معجبة أو مقتنعة به ، ليفاجئ بعد ذلك بهدوئها الغير معتاد طوال فترة الخطبة ، و برود غيب في التعامل معه ! أخذ نفساً عميقاً وذكريات طريقة تعاملها معه التي عرف فيما بعد أنه كان أسلوب رفض صامت منها له وهو الغبي الذي اعتقده خجلاً ..
هذه الذكريات كانت كسكين تحرك في جراحه العميقة التي تنزف بغزارة ، جراح أصابت كبريائه و عنفوانه كرجل ، جراح جعلته يحقد على حبه لها و يكره ضعفه أمامها.
ترجل من سيارته وهو يتجه نحو المصعد وعقله مازال يدور بأحداث العامين السابقين ، فترة زواجه من سارة ، والتي كان يعتقد أنه مع الوقت والأيام سيكسب قلبها ، ليفاجأ بالانفجار المأساوي الذي حدث بينهما قبل شهرين ، فسارة الهادئة خرجت عن صمتها بطريقة حطمت كبرياءه و امتهنت كرامته و أراقت ماء وجهه ، لدرجة شعر بحبه نحوها يتجمد و يتحول إلى كراهية لنفسه لأنه لم يضعف يوماً في حياته إلا أمام سارة ، وكان هذا الضعف سبباً في تحطيم قلبه!
خرج من المصعد وهو يتذكر ما حدث قبل شهرين عندما كان يبحث عن دواءٍ لوجع الرأس ليفاجأ بشريط لدواء لم يعرف ما هو وعندما استقصى عن الأمر عرف أنه دواء منع الحمل ! جنّ جنونه وهو يكتشف أنها كانت تكذب عليه في كل مرة يسألها عن سبب تأخر الحمل ، وهو الغبي الذي كانت تتقطع أوصاله شوقاً لطفل تحمله سارة في جسدها الغض الجميل ويكون ابنه هو الذي من صلبه ، أكثر من عام ونصف وهو ينتظر خبر الحمل الذي كان يظن أنه قد يبث الحياة في زواجه الجاف المتيبس و الفاقد لكل معاني الدفء والمودة . و مع ذلك كان قانعاً بمجرد وجودها في حياته ، راضياً بالتقشف الذي يعيشه معها ، لمجرد فكرة أن يكون وجهها الطفولي الجميل أول شيء يراه كل يوم!
دخل المنزل وعيناه لا تحيدان عن الأرض، أغلق الباب خلفه ليتقدم نحو غرفته دون أن يفكر بالسؤال عنها ، فالجليد الذي أحاط بقلبه سبب بانتشار الصقيع في مشاعره نحوها! لكنه عندما اصطدم بجسدها الأنثوي وفاحت رائحة عطرها حوله امتدت ذراعه تلقائياً لتحيط بخصرها وهو يشدها نحوه كي لا تقع ، فلقد شعر أن جسدها الصغير قد يتحطم إن وقع أرضاً بعد هذه الصدمة العنيفة ، شعرت سارة بالدماء تفور سعادة في شرايينها وهي تستشعر صلابة صدره على وجنتها و جانب وجهها ، وتلك الرائحة الرجولية التي تميز حازم عن بعد عدة أمتار أرسلت تخديراً سريعاً لعقلها ، كيف كانت تعتقد أنها تكره عطره و عبق جسده الذي يفقدها تركيزها في هذه اللحظة.. أبعدها عنه على الفور وهو يقول بخشونة صفعت أحاسيسها :
- ليش واقفة هون ؟؟ لو كنت وقعت كان ما خلصنا من مناحة العياط إلي رح تفتحيها .. بالله المرة الجاي اطلعي أدامك و إنت واقفة !
وتجاوزها متباعداً وهي ما زالت فاغرة فاها من هجومه المباغت ، صحيح أنها اعتادت على جفائه منذ شهرين فصاعداً ، لكنه لم يهاجمها بعد مواجهتهما الوحيدة والعنيفة التي فجرت كل شيء ، كان يتحدث معها الضروري جداً فقط ، وعدا ذلك كانت مجرد قطعة أثاث أخرى في منزله ، حتى لا يشاركها غرفة نوم واحدة ... استدارت تنظر إلى ظهره وهو يدخل غرفته ويغلق الباب خلفه بعنف ، تجمعت الدموع في عينيها وهي تشعر بالعجز واليأس بعدما زرعت فيها يارا شيئاً من الأمل ، اندفعت نحو غرفتها وهي تجهش بالبكاء ، إنه حتى لم ينظر إليها ليلحظ التغيير في هيئتها ، فلقد حاولت أن تبدل هيئة البساطة الغربية وملابسها المكشوفة بشكل مبالغ به في المنزل ، وارتدت ملابس منزلية أنثوية توحي بالكثير وتكشف اللازم فقط ، تثير نوعاً من الفضول و التحدي !
اتصلت بيارا باكية وهي تقول لها ما حدث وقلبها يكاد ينفجر ألماً و حزناً ويأساً!

سلسلة النشامى /الجزء الأول /  جنتي هي .. صحراءُ قلبِكَ القاحلة /معدلة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن