وداعا أيها الماضي 3

312 22 2
                                    

#وداعًا_أيها_الماضي..3
بقلم : رويدة الدعمي
                   عنوان الحلقة : الصدمة!
كان صباحًا يختلف عن كل الصباحات.. فها هو اليوم الذي سيُمارس فيه مؤمل حياةً طبيعيةً كباقي الشباب..
دخل مع الأستاذ أحمد ذلك الصرح الكبير الذي يُعرف بالجامعة!
وما أن حطَّت قدماه على أرضها حتى تساءل مع نفسه :
- هل كنتُ في حياتي الماضية طالبًا جامعيًا؟ هل مارستُ الحياة الجامعية كطالب فيها أم كموظف أم إنني لم أدخلها من قبل أبدًا؟! هل هذه أول مرة أدخل فيها هذا الصرح الكبير؟ الله أعلم!
ومباشرةً ذهب به أحمد إلى رئيس الجامعة وفي الطريق إلى مقر رئاسة الجامعة كان مؤمل ينظر إلى الناس هنا وهناك فهو لأول مرة بعد ذلك الحادث يشاهد أناسًا كثيرين هكذا!!
كان الارتباك والاضطراب باديًا عليه مما حدى بالأستاذ أحمد إلى أن يُسرع الخطى باتجاه مقصده.
وما أن وصلا حتى تم إدخالهما إلى الدكتور رئيس الجامعة، وفعلًا فقد كان ذلك الرجل كما وصفه أحمد لمؤمل!
فقد بدت عليه سيماء الصلاح والوقار والطيبة.. كان ترحابه قويًا جداً مما جعل مؤمل ينظر إلى وظيفته الجديدة بتفاؤلٍ كبير، ومما جعل تفاؤله هذا يزداد أنه إستلم في نفس ذلك اليوم وظيفته كأمين مكتبة الجامعة!
دخل مؤمل المكتبة وهو يردد " وعلى الله فليتوكل المؤمنون" بعد أن حمد الله وشكره على كل هذا التيسير في أموره.
جلس خلف المكتب الذي أعد مخصوصاً لأمين المكتبة..
قضى مؤمل ذلك اليوم - بعد أن تركه أحمد - بين قراءة السجلات الخاصة بمحتويات المكتبة وبين إعارته للكتب التي يطلبها الطلاب الذين ارتادوا المكتبة في ذلك اليوم ..كل هذا كان بمساعدة كبيرة من موظف آخر هو مساعد الأمين .
عاد مؤمل إلى المنزل بعد أن انتهى الدوام الرسمي، وكان بانتظاره أحمد وزوجته، دخل المنزل وألقى التحية بصوتٍ ينم عن الشكر والامتنان لكل ما قاما به من أجل إسعاده..
قال بشيء من المزاح : خلتُك يا أبا مؤمل ستنتظرني حتى أنهي عملي ونعود سوية إلى المنزل، لكن الظاهر إنك أردت إيقاعي بمأزق زحمة الطريق وانتظار السيارات في هذا الوقت المتأخر.
قال أحمد بدهشة :
- ماذا؟ لم توصلك سيارات الجامعة الخاصة بنقل الموظفين!!
- وهل هناك سيارات خاصة بموظفي الجامعة؟
أجاب أحمد مبتسمًا :
- اعذرني يا ولدي.. فعلًا الخطأ خطأي أنا.. كان المفروض أن أطلعك على كل شيء في الجامعة.
في الحقيقة كان الأستاذ أحمد متعمدًا لتركه وحده في طريق العودة فهو يريد أن يجعله أكثر ثقة بنفسه.
قال مؤمل بأدب :
- حسناً يا أبتاه.. أتمنى أن تطلعني على الكثير من الأمور في الجامعة وسيكون ذلك غدًا إن شاء الله.
ثم اتجه بنظره نحو زوجة أحمد قائلًا :
- وأنتِ يا أماه.. ألا تُسعفيني بالغداء، فعصافير بطني لا تزقزق فقط بل أنها صارت تصرخ وتستغيث من الجوع!!
ضحك الثلاثة وأسرعت كريمة لإعداد الطعام لمؤمل ..
ومساءًا وبعد أن انقضى ذلك اليوم بالأحاديث الدافئة والجميلة. دخل مؤمل غرفته لينام.. وهناك هجمت عليه التساؤلات من كل جانب : ماذا سيحدث بالحاج أحمد وزوجته إن تركت المنزل ورحلت؟
ماذا لو وجدت عائلتي الحقيقية؟ هل سيصبران على فراقي؟ بل هل سأصبر أنا على فراقهما؟!
لم يسأل مؤمل قبل اليوم نفسه هذه الأسئلة، أما الآن وبعد أن دخل هذه المرحلة الجديدة في حياته فإن شيئًا ما في قلبه يخبره بأن فراقه لهذه العائلة سيكون قريبًا!
نعم كان يشعر بأن عمله في هذه الوظيفة هو أمر قد دبرهُ الله له حتى يجد حقيقته الضائعة.
استلقى على سريره وتساؤلاته ما زالت تترادف كترادف خِرَز المسبحة التي كانت لا تفارق يده..
هل سيدخل المكتبة يوم غد أحد الطلبة ممن كانت تربطني بهم علاقة في حياتي السابقة؟ ولِمَ لا تكون طالبة؟! فالطالبات اليوم كن أكثر ارتيادًا للمكتبة! هل يمكن أن تكون صاحبة الصورة طالبة في هذه الجامعة؟ ترك الإجابات على تساؤلاته هذه للزمن فهو كفيل بها، رجع إلى مسبحته وصار يردد مع كل خرزة من خرزها : يا الله.. يا الله..
حتى استسلمت عيناه للنوم .
*******
مرَّ أسبوع على تواجد مؤمل في الجامعة.. كان منهمكًا جدًا في عمله فهو يحاول أن ينجز كل ما لديه بصورة جيدة وأمينة..
وفي بعض الأحيان عندما تخلو المكتبة من الطلاب وخاصة في ساعات الحصص والمحاضرات فإنه يستغل هذه الفرصة في قراءة الكتب التي لم تكن موجودة في مكتبة الحاج أحمد..
وبعد أن يكمل قراءة أي كتاب فإنه يتوجه إلى الله تعالى بالشكر، فهو يعتبر تواجده بين الكتب نعمة حقيقية وهبها الله له ليزيد من معلوماته وثقافته وخاصة الثقافة العلمية والتي صار مؤمل يسعى إلى امتلاكها من خلال جميع الوسائل الممكنة كقراءة الكتب والمجلات ومشاهدة التقارير والاستماع إلى المحاضرات.. وهو في نفس الوقت كان سعيدًا جدًا في عمله، حتى أنه كاد ينسى بأنه انسان مجهول الهوية، لولا ما حدث له في ظهيرة ذلك اليوم!!
فبينما كان مؤمل يقرأ في أحد الكتب وهو يجلس خلف مكتبه حتى جاءت إحدى الطالبات وألقت التحية قائلة :
- السلام عليكم.. هل لي باستعارة كتاب
عن الكيمياء العضوية؟
رفع مؤمل رأسه صوبها وهو يرد السلام، وما أن شاهدت تلك الفتاة وجهه حتى صرخت ووقعت مغمًا عليها!
تجمهر الطلاب - الذين كانوا في المكتبة - حولها، وظل مؤمل متسمرًا في مكانه كمن وقف على رأسه الطير!
قال أحدهم :ما بها هذه الفتاة.. يا أخ؟
أجابه بارتباك :
-لا أعرف.. صدقني!
صاحت إحدى الفتيات بزميلاتها : هيا لنتعاون ونحملها إلى حيث عيادة الجامعة.
اتصل مؤمل بأحمد وطلب منه الحضور حالًا إلى المكتبة.. جاء أحمد مسرعًا ووجد مؤمل في حال لا يحسد عليها!
قال وقد أرعبه منظر مؤمل :
-ما الذي حدث يا ولدي؟ لِمَ وجهك شاحب هكذا؟!
- أبي أرجوك إذهب إلى عيادة الجامعة وتعرف على الفتاة التي..
-التي ماذا؟
-التي أغمي عليها قبل قليل!
-ماذا؟! بماذا تتكلم يا ولدي؟ لم أفهم شيئًا على الإطلاق!
-صدّقني يا أبتي لا أعرف ماذا أقول؟ لقد وقعت تلك الفتاة مغمًا عليها ما إن رأتني!
قال أحمد وقد بدأ يتفهم الأمر :
-هل من الممكن أن تكون هي نفسها صاحبة الصورة؟
-لا.. لا أبدًا يا أبي ليست هي! إنها فتاة أخرى.. لكنني متأكد من أنها عرفتني!
-حسنًا حسنًا يا مؤمل.. واصل عملك بهدوء، واترك الأمر ليّ.

وداعا أيها الماضي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن