وداعا أيها الماضي

238 16 4
                                    

#وداعًا_أيها_الماضي.. 15
بقلم : رويدة الدعمي
             عنوان الحلقة : ما أوقح الإنسان!؟
لليوم الثالث على التوالي يجتمع الشباب الأربعة من أجل نقاش علمي شيّق في مسألة خلق الإنسان..
وقبل أن يبدأ مؤمل الكلام قالت له خطيبته :
- لا تنسَ يا مؤمل بأنك وعدتني ليلة أمس أن تكون هذه آخر جلسة لنا لننهي بها نقاشنا العلمي هذا.
قال ضياء مستهجنًا كلامها :
- ولكن الحديث مشوّق لماذا مَللتي منه بهذه السرعة؟
قالت دعاء وهي تحاول أن تبدو طبيعية :
- لم أمُلّ من النقاش يا ضياء، لكن والدتي صارت تنزعج من قدومي يوميًا إلى منزلكم!
قالت ميساء وهي تحاول تهدأة الموقف قبل أن يتطور مثلما حدث بين الاثنين في الليلتين الماضيتين:
- هذا الأمر من حقها يا ضياء .. هيا لنستغل كل دقيقة ولنستمع إلى مؤمل فكلنا شوق لمعرفة نهاية حكاية خلق الإنسان!
قال مؤمل :
- هذا ما كنت أريد قوله، لنبدأ على بركة الله.. سيكون حديثنا اليوم عن جزء مهم بالنسبة للجنين ولولا هذا الجزء فلن يستطيع الجنين أن يعيش في بطن أمه للحظة واحدة! فهل تحزرون ما هو؟
صاح ضياء متحمسًا : انه القلب!
قال مؤمل : كلا يا ضياء، فلقد تحدثنا عنه في مرحلة التمايز.
قالت ميساء : أظنه الحبل السري!
إبتسم مؤمل وهو يقول : إجابتكِ قريبة جدًا.. ولكني أقصد جزءًا آخر.
قالت دعاء : إنها المشيمة.. صح؟!
قال مؤمل بفرح : نعم.. أحسنتِ غاليتي!
أن المشيمة أيها الأحبة هي جهاز فائق الأهمية يسد جميع حاجات الجنين إلى حين ولادته، فالمشيمة تعمل كوحدة غسيل للكلية وتعمل عمل القلب والرئة والكبد مادام الجنين في بطن أمه، وتقوم بجميع هذه المهمات في وقت واحد وتصميم خارق تؤمن حياة الطفل والأم معا.
سألت دعاء : وهل لها وظائف أخرى؟
قال مؤمل : نعم عزيزتي.. فبالاضافة إلى حمايتها للجنين في رحم الأم فهي المسؤولة عن إيصال الغذاء والاوكسجين له.
أما حماية الجنين فيتم عن طريق وجود خلايا في الطبقة الخارجية للمشيمة تكون عبارة عن مصفاة بين عروق الدم للأم والجنين..
سأل ضياء متعجبًا : مصفاة!؟
- نعم يا ضياء.. إنها تعمل كمصفاة، إذ أن الخلايا الدفاعية التي في بطن الأم تتوجه نحو الرحم كي لا يتعرض الجنين للهجوم من قبل الأجسام الغريبة، وعند مرور الغذاء إلى الجنين تقوم هذه الخلايا الموجودة في الطبقة الخارجية للمشيمة بمنع مرور خلايا النظام الدفاعي التابعة لجسم الأم.
عاد ضياء للسؤال بفضول كبير :
- وكيف تقوم خلايا المشيمة هذه بتمييز ومعرفة خلايا الغذاء فتسمح بمرورها وتمنع مرور خلايا الدفاع التابعة للأم؟!!
أجاب مؤمل أخاه :
- إن الخلايا المكونة للمشيمة تعرف وتمييز من بين ملايين الخلايا في بطن الأم جزيئات الغذاء التي يحتاجها الجنين وتوصلها إليه!
ولو أعطيت مهمة التفكير باحتياجات الجنين للإنسان لما عاش هذا الجنين أكثر من دقائق معدودة! لأنه لا تستطيع أي تقنية يملكها الإنسان حساب حاجات الجنين المتغيرة وسد تلك الحاجات، الآلة الوحيدة التي تقدر على هذه العمليات هي المشيمة!
وهذه التقنية الفائقة لقطعة اللحم المسماة بالمشيمة توضح لنا مرة أخرى القدرة والكمال في خلق الله تعالى.
سألت دعاء :
- وكيف تقوم المشيمة بإيصال الغذاء والأوكسجين إلى الجنين؟
أجابها مؤمل :
- عن طريق الحبل السري والذي يؤمن الارتباط بين جسم الأم والجنين، هذا الحبل الذي يُقطع ويُرمى بعد الولادة كانت له مهمة حياتية طوال تسعة أشهر في كونه معجزة هندسية عظيمة، إذ يمر داخل هذا الحبل ثلاثة خطوط متفرقة، أحد هذه الخطوط تنقل الغذاء والاوكسجين للجنين، وبفضل هذا النظام لا يختنق الجنين رقم عيشه في بيئة مليئة بالسوائل، ولا يموت جوعًا رغم عدم تكوين نظامه الهضمي وعدم قدرته على الأكل!
أما الخطان الآخران للحبل فيطرحان فضلات الطعام والسوائل الذي ينتجه الجنين من الجسم، وليس للأم ولا للجنين الذي ينمو في بطنها علم بهذه الأنظمة كلها!!
طوال مرور هذه الأشهر، الطفل الذي في بطن الأم يأخذ شكلًا وينمو، ويصل إلى حالة يمكنه الانتقال والعيش في العالم الخارجي.
قالت ميساء بدهشة :
- ولكن خلال هذه الفترة الطويلة من رحلة عمر الإنسان، أقصد من خلق نبي الله آدم عليه السلام وحتى بعثة رسولنا محمد ( صلى الله عليه وآله) كيف فسر الإنسان مراحل خلقه في بطن أمه؟ ألم يأتِ أي شخص أو عالم في كل تلك الفترة ليبحث عن هذا الأمر المهم؟!
قال مؤمل :
- بلى يا ميساء.. لقد جاء علماء كثيرون في تلك الفترة التي سبقت ولادة نبينا محمد ( صلى الله عليه وآله) وحاول بعضهم أن يفسر مراحل تطور الإنسان ضمن اعتقادات كانت بعيدة تمامًا عن الحقيقة العلمية فلقد كانت أقرب إلى الخرافة!
فمثلًا في عصر أرسطو كان الاعتقاد السائد أن الجنين موجود في النطفة مخلوقًا كاملًا ولكنه صغير جدًا!! ثم ينمو بالتدريج داخل رحم الأم تمامًا كما تنمو بذرة أي نبات! وهذه النظرية تسمى نظرية " الجنين القزم".
بينما نجد أن القرآن الكريم قد أكد بصورة علمية دقيقة أن الإنسان إنما خلق من ( أمشاج)وقد أجمع أهل التفسير واللغة بأن الامشاج تعني الأخلاط والمصطلح العلمي يسميها البيضة الملقحة ( اي البيضة المختلطة بالنطفة) ، وكلمة أمشاج وردت في سورة الإنسان - آية 2 في قوله تعالى ( إنا خلقنا الإنسان من نطفةٍ أمشاجٍ نبتليه فجعلناه سميعًا بصيرا).
قال مؤمل وهو يوجه كلامه للشباب الثلاثة :
- فهل تصدقون بأن هذه المعلومات الدقيقة التي وردت في القرآن الكريم لم يكشفها العلم إلا في القرن الثامن عشر، ولم يتأكد من ذلك إلا في بداية القرن العشرين!!
أكمل مؤمل وسط ذهول إخوته وخطيبته :
بالإضافة إلى ذلك كان في الماضي الاعتقاد السائد أن العظام والعضلات تتشكلان معًا إلا أن البحوث الأخيرة إكتشفت أن العظام تتشكل في الجنين أولًا بعد ذلك تغطيها العضلات ، في حين أن القرآن الكريم أشار إلى ذلك قبل 1400 سنة وذلك في قوله تعالى في سورة المؤمنون - آية 14 ( ثم خلقنا النطفةَ علقةً فخلقنا العلقةَ مضغةً فخلقنا المضغةَ عظامًا فكسونا العظامَ لحمًا ثم أنشأناه خلقًا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين).
ردد الثلاثة بدهشة :
- تبارك الله ..تبارك الله
أكمل مؤمل :
- لقد أذهلت الآيات القرآنية التي تتكلم عن خلق الإنسان العديد من جهابذة علماء العصر ومن بينهم البروفيسور " كيت مور" أستاذ علم الجينات في الجامعة الأمريكية وصاحب أشهر كتاب عن الجنين في العالم، فلقد قال مور : " لقد كان نبيكم إنسانًا بسيطًا ورجلًا أميًّا، وقد عاش ومات في وقت لم يكن فيه لعلم الأجنة أساس ولا خبر، كما لم يكن هناك مجاهر على الإطلاق، ولم يكن علم البصريات قد ظهر إلى عالم الوجود بعد، فمن أين له بهذه المعلومات العلمية المذهلة؟".
ولقد طلب الدكتور كيت مور من الشيخ عبد المجيد الزنداني أن يقوم بكتابة مقدمة لكتابه يتحدث فيها عن مراحل خلق الإنسان كما ذكرها القرآن الكريم.
وقد قام الشيخ الزنداني بكتابة مقدمة لذلك الكتاب والذي كان عنوانه ( أطوار خلق الإنسان) The Developing Human وهذا الكتاب يعتبر الآن من أهم الكتب في علم الأجنة وهو مترجم إلى ثمانية لغات عالمية.
وبعد كل هذا يأتي الإنسان الوقح ليسأل ما هو الدليل على وجود الله؟
دمعت عيون الشباب الثلاثة وهم يستمعون إلى كل هذه الحقائق العظيمة المتمثلة في خلق الإنسان والتي تثبت وجود خالق عظيم وقادر حكيم، قال مؤمل وهو يسحب أحد الأوراق التي وضعها أمامه خلال هذا البحث :
استمعوا أخيرًا إلى أبلغ ما قرأت في وصف وقاحة الإنسان المُلحد :
يقِف أمامك بجسمهِ المكوّن من أكثر من 20 تريليون خلية، وكل خلية منها تحوي جسورًا ومصانع ونظام تشفير معقد متقن في الشفرة الوراثية..
وينظر إليك بعينيه التي تحوي نظام تصوير مميز للألوان، وبدقة مذهلة مع آلية خيالية لتخزين الصورة المتحركة والساكنة، بل وتفسيرها بواسطة الدماغ وتحليلها بأقل من الثانية..!
وبقوامه المعتدل الذي يدار من قبل 640 عضلة، ناسياً قلبه الذي يعمل منذ عشرات السنوات ليلاً ونهاراً، في النوم واليقظة، وبلا توقف ولا صيانة خارجية..!
ثم يصدر الأمر من عقله الذي كتبت في أجزائه الرسائل العلمية والتي ما زال فيها الكثير من الغموض.. ليسألك بكل وقاحة :
أين الدليل على وجود الخالق؟!!!
لا ندري أي الجوابين أنسب لسؤاله؟ هل هو قوله تعالى :
"وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ "؟!
أم قوله عز وجل : " قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ "؟!

وداعا أيها الماضي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن