وداعا أيها الماضي

192 16 0
                                    

#وداعًا_أيها_الماضي.. 19
بقلم : رويدة الدعمي
                   عنوان الحلقة : القرار المفاجئ!
قال ضياء في نهاية شرحه لدعاء الإمام السجاد عليه السلام :
- ويصل إمامنا السجاد عليه السلام إلى النتيجة الحتمية في علاقته مع والديه بالقول : " هيهات ما يستوفيان مني حقهما، ولا أدرك ما يجب عليَّ لهما، ولا أنا بقاضٍ وظيفة خدمتهما"..
هذه هي النتيجة التي يريدنا الإمام الانتباه إليها يا ضياء ، وهي إننا مهما عملنا لأبوينا من بر وخير فسيبقى لهما حقٌ علينا!!
وهذا يُذكرني برواية جميلة حيث جاء رجل إلى الأمام الصادق عليه السلام يخبره بأنه حمل أمه على ظهره عشر حجج وطاف بها الكعبة المشرفة في كل تلك الحجج فهل أوفى لها حقها؟ فكان مضمون جواب الإمام عليه السلام : ما كان ذلك يساوي طلقة واحدة من طلقاتها وهي تلدك!!
وفي رواية أخرى : ما كان ذلك يساوي شهرًا واحدًا في بطنها! فكيف وقد حملتك تسعة شهور؟!
وما دمنا تكلمنا عن حق الأم فحتمًا إنك سمعت بعض الأحاديث عن ذلك، فأخبرني ماذا تحفظ يا ضياء؟
قال ضياء باهتمام :
- تعلمت في المدرسة أن رسول الله قال ( الجنة تحت أقدام الأمهات) .. هذا كل ما أعرفه!
- حسنًا.. اسمع إذن هذه الرواية الرائعة ، حيث جاء رجل إلى رسول الله " صلى الله عليه وآله " وهو يريد الجهاد وأمه تمنعه، فقال له رسول الله : عند أمك قرّ ، وإنّ لك من الأجر عندها مثل ما لك في الجهاد! ( المصدر : كنز العمال)
فهل رأيت يا ضياء إنه حتى الجهاد في سبيل الله إذا كان من غير رضا الوالدين فهو حرام!!
قال ضياء بدهشة : عجيب!
- لا تعجب يا ضياء ألم يعلمنا رسول الله بأن رضا الله من رضا الوالدين؟
- نعم.. فعلًا!
نعود الآن إلى الدعاء الشريف إذ اقتربنا من نهايته، فلقد دعا الإمام عليه السلام في هذا المقطع بالقول ( ولا تجعلني في أهل العقوق للآباء والأمهات يوم تجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون)!
نعم هكذا يجب أن ندعو دائمًا ( اللهم لا تجعلنا من أهل العقوق للآباء والأمهات)..
ردّد ضياء من غير أن يشعر : آمين.. آمين!
ثم يقول الإمام في ختام دعاءه ( اللهم لا تنسني ذكرهما في ادبار صلواتي وفي إنىً من آناء ليلي وفي ساعة من ساعات نهاري) وهذا دليل على أن علينا الدعاء لوالدينا بعد الصلوات وفي الليل والنهار!
وأخيرًا فهو يطلب من الله تعالى أن يرضى عن أبويه بشفاعته لهما هذا إن كانت مغفرة الله قد سبقت إليه قبلهما، أما إذا كانت المغفرة قد سبقت لأبويه فهو يدعوه سبحانه أن لا يحرمه شفاعتهما!
قال ضياء وكأنه ينظر إلى الماضي البعيد حيث زمن إمامنا السجاد عليه السلام : أي إنسان عظيم هذا الإمام!
قال مؤمل بفخر : ألم أخبرك بأن كلماته تعتبر مدرسة روحية عظيمة؟!
- نعم فعلًا.. لكن ماذا عن رسالة الحقوق؟ لقد وعدتني أن تذكر لي حق الأب والأم؟
- نعم وأنا عند وعدي سأخبرك عن حق الأب وحق الأم لكن اتمنى أن تعدني بأن تقرأ جميع الحقوق التي ذكرها الإمام السجاد عليه السلام في رسالته الرائعة تلك، كحق الأخ وحق المعلم وحق الجار وحق الصاحب وغيرها من الحقوق المهمة في تسيير أمور الحياة في الوجهة الصحيحة.
- أعدك بأني سأقرأها بإذن الله.
- حسنًا.. انظر ماذا يقول إمامنا السجاد في رسالته عن حق الأم :
( فحق أمك أن تعلم أنها حملتك حيث لا يحمل أحدٌ أحدًا، وأطعمتك من ثمرة قلبها ما لا يُطعم أحدٌ أحدًا، وأنها وقتكَ بسمعها وبصرها ويدها ورجلها وشعرها وبشرها وجميع جوارحها مستبشرة فرحة محتملة لما فيه مكروهها وألمها وثقلها وغمها حتى دفعتها عنك يد القدرة وأخرجتك إلى الأرض، فرضيت أن تشبع وتجوع هي! وتكسوك وتعرى - هي - وترويك وتظمأ - هي - وتظلك وتضحى - هي - وتنعمك ببؤسها وتلذذك بالنوم بأرقها، وكان بطنها لك وعاء وحجرها لك حواء، وثديها لك سقاء، تباشر حر الدنيا وبردها لك ودونك فتشكرها على قدر ذلك، ولا تقدر عليه إلا بعون الله وتوفيقه).
أما حق الأب فيقول عليه السلام :
( وحق أبيك أن تعلم أنك لولاه لم تكن ، فمهما رأيت في نفسك ما يعجبك فاعلم أن أباك أصل النعمة عليك فيه، فاحمد الله وأشكره على قدر ذلك، ولا قوة إلا بالله).
****
في هذه الفترة التي قضاها مؤمل في منزله وبين أفراد أسرته كان يحن بين اللحظة والأخرى إلى الأستاذ أحمد وزوجته
كان يحدث نفسه كثيرًا بالذهاب إليهما فهو يشعر بالحنين إلى ذلك المنزل الذي فتح فيه عينيه لأول مرة في حياته الجديدة هذه.
وفعلًا فلقد طلب الرخصة من والديه بالذهاب لمدة أسبوع إلى منزل السيد أحمد وأخبرهما بأن هذا سيكون جزء من رد الجميل لهما ولما قدماه له طيلة تلك الأشهر التي عاشها بينهم..
وكانت فرحة الزوجين لا توصف عند رؤيتهما لمؤمل وهو يحمل حقيبة ملابسه ويعود ليشاطرهما حياتهما ولو لفترة قصيرة!
وفي إحدى الجلسات التي تجمع الثلاثة معًا قال أحمد :
- متى ستبشرنا بقرب موعد زواجك يا ولدي؟
قال مؤمل مبتسمًا :
- أتمنى أن يكون عن قريب لولا أن هناك أمر آخر يشغلني!!
قالت كريمة :
- لا تقل بأن دعاء ما زالت تريدالانفصال؟!
ضحك مؤمل وهو يقول :
- لا لا بالعكس!
سأله أحمد :
- ما هو الأمر إذن ؟ شغلت فكري يا مؤمل!
قال مؤمل بثقة :
- أريد أن أعلن في الجرائد عن قراري بتغيير اسمي في هويتي الشخصية.
تفاجأ أحمد وقال بدهشة :
- ولكن لماذا؟
- لسببين : الأول هو أنني أريد أن أضع أهلي وأقاربي وكل من يعرفني أمام الأمر الواقع.. فما عدت ذلك الإنسان الذي عرفوه سابقًا باسم ( خالد) بل انني اليوم مؤمل ذلك الإنسان الآخر! حتى أولادي في المستقبل بإذن الله أتمنى أن يحملوا اسمي الجديد .
- ولكن ماذا يهم الإسم يا مؤمل فالأعمال هي الأهم وليس الإسم يا ولدي!
- إن اسم مؤمل الذي اخترتماه أنتما لي يعني لي الكثير يا أبتي.
هزت هذه الجملة كل من أحمد وزوجته من الأعماق، وعرفا بأن مؤمل يريد أن يوضح لهما بأنه ابنهما الذي تمنيا انجابه منذ زمن!
أكمل مؤمل وقد لاحظ تأثر الزوجين :
- ولا تحملا هم والديَّ فلقد اقنعتهما وطيبتُ خاطرهما رغم أنني لم  ألحظ عليهما أي استياء بل بالعكس رحبا بالموضوع!
أما السبب الثاني الذي يجعلني أعلن في الجرائد عن تغيير إسمي هو ان الإعلان في الجريدة الرسمية للبلاد سيطلب من كل من لديه اعتراض تقديم شكواه إلى المحكمة للنظر في سبب رفضه، حينها قد يقرأ الإعلان من لديهم عندي حقوقًا وهم يتوقعون موتي!!
ومن خلال ذلك الإعلان سيعرفون بأنني ما زلت حيًّا ولا أعرف هل ستنشر الجريدة صورتي ام لا لكني سأطلب نشر الصورة ليتعرف عليَّ من قد يجهل إسمي ولا يعرف إلا شكلي!
نعم فمن خلال هذه الطريقة سيتقدم من عنده شكوى إلى المحكمة للشكوى ضدي وتنتهي المشكلة!
صاح الاثنان :
- ماذا؟ وتنتهي المشكلة! بل قل تبدأ المشكلة!
ضحك مؤمل وهو يقول :
- لماذا لا تريدان أن تفهمانني! فالذي أريده هو أن أعرف حقوق الناس التي ما زالت على كاهلي، كنتُ سيئًا مع أهلي فما أدراني كيف كنت مع الأغراب!!
كنت أنتظر منكما أن تباركا لي هذه الخطوة لا أن تعارضانني هكذا؟!
وبعد أن أقنع مؤمل العائلتين بقراره الجريء هذا، اتجه نحو المحكمة ونفذ ما كان قد نوى عليه.
بعد أيام من إعلان الخبر في الجرائد استدعت المحكمة مؤمل للمثول أمامها!
في ظهيرة ذلك اليوم طرق باب المنزل رجل الشرطة الذي أرسلته المحكمة للقبض على خالد!
دخل ضياء راكضًا نحو غرفة أخيه وهو يصيح :
- مؤمل.. مؤمل إنه رجل شرطة يقول إن معه أمر بإلقاء القبض عليك!
قام مؤمل من مكانه بعد أن وضع الكتاب الذي كان يقرأ فيه جانبًا، وأسرع نحو الباب فإذا برجل الشرطة ينتظره وقد هيأ السلاسل لإلقاء القبض عليه!
خرجت الأم وكذلك ميساء وهما تبكيان وتتوسلان بالشرطي أن ينتظر حتى عودة والده!
فأجابهما أنه بإمكان والده أن يأتي خلفه إلى مركز شرطة المدينة ليستعلم الخبر.. أما الآن فيجب أن يكون خالد بقبضة الشرطة لوجود شخص يتهمه بتهمةٍ ما!
قدّم مؤمل يديه إلى رجل الأمن وهو يقول :
- أسرع يا سيدي فأنا أمامك!
تفاجأ الشرطي من هذا الموقف فقال وهو يضع السلاسل بيديه :
- إذن أنت تعترف منذ الآن بارتكابك لتلك الجريمة!
صاحت ميساء : ماذا؟ جريمة!
ضربت الأم على وجهها ثم سقطت على الأرض، حاول ضياء أن يساعدها على القيام وإدخالها إلى المنزل..
وفي السيارة سأل الشرطي مؤمل :
- كيف تجرأت على سرقة ذلك الانسان الطيب؟
صاح مؤمل : ماذا؟ سرقة!! هل أنا متهم بقضية سرقة؟!
قال الشرطي مستهجنًا كلامه :
- ولكن ألم تعترف قبل قليل بإنك يجب أن تقاد إلى مركز الشرطة؟ فأي تهمة أخرى تريد أن تعترف بها غير السرقة.. ها تكلم!
كانت تلك اللحظة من أصعب اللحظات على مؤمل، بل إنها أكثر لحظة تمنى فيها عودة ذاكرته!
بعد نصف ساعة تقريبًا كان مؤمل يمتثل أمام ضابط المباحث
وقبل أن يستوجبه بأي كلمة قام ذلك الضابط بالمناداة على شخص يدعى الحاج كاظم!
وما هي إلا لحظات حتى دخل رجل كبير في السن تبدو عليه علامات التقوى والصلاح، ألقى السلام فرفع مؤمل رأسه لينظر إليه وما أن وقع نظره على هذا الرجل حتى شعر بدوامة شديدة تضرب برأسه!! وصارت صور عديدة ومتلاحقة تظهر أمام عينيه وتختفي فجأة!
صار يسمع أصواتًا قوية تضرب بأذنيه جعلته يصرخ ويقع مغشيًا عليه!
تم نقل مؤمل إلى المشفى، وصل والده مع ضياء والأستاذ أحمد إلى مركز الشرطة فلم يجدوه وبعد أن استعلموا عن أمره اتجهوا نحو تلك المشفى، كان مؤمل قد إستعاد وعيه عندما دخل والده مع البقية.
حمدوا الله على سلامته، حينها قام ضياء بتسليم التقرير الطبي إلى الطبيب والذي يثبت من خلاله بأن خالدًا فاقدٌ لذاكرته!
مدَّ مؤمل يده إلى ذلك التقرير وهو يقول بألم :
- أرجعهُ إلى جيبك يا ضياء..!
قال ضياء مندهشًا :
- ولكن لماذا يا أخي؟
أجابه مؤمل ودموعه قد ملأت مقلتيه :
- لم أعد بحاجة إلى ذلك التقرير.. لقد عادت إليّ ذاكرتي!

وداعا أيها الماضي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن