#وداعًا_أيها_الماضي.. 16
بقلم : رويدة الدعمي
عنوان الحلقة : جبر الخواطر!
استيقظ مؤمل على صوت صراخ وضجيج يملأ أرجاء المنزل.. في البداية لم يكن يميز الأصوات والكلمات التي كانت تعلو تارةً وتنخفض تارةً أخرى فالنعاس مازال مهيمنًا على عيونهِ وأجفانهِ!
إلا أنه الآن وبعد أن سكب كوباً من الماء البارد على وجههِ صارَ يميز مايجري..
إنه ضياء يطلب مفاتيح سيارة والده من أمهِ التي ترفض أن تعطيها إياه!
صرخ في وجهها وهو يهم بالخروج :
-اسمعي! سوف لن تري وجهي مرة أخرى.. ولن أظهر لكِ بعد سنة كاملة كما حدث مع ابنكِ الأكبر!
بل صدقيني ستكون هذهِ آخر مرة تريني فيها طوال حياتك.. هل فهمتي؟!
وبعد هذهِ الكلمات التي سمعها مؤمل وهو مايزال في غرفتهِ
سمع صوت الباب تصفق بقوة، فعرف أن ضياء قد ترك المنزل.. خرج مؤمل من غرفته وركض خلفهُ ليرجعهُ لكنه لم يفلح إذ أن ضياء كان في حالة من الهستريا والعصبية مما أدى بمؤمل إلى العودة للمنزل مطأطأ الرأس مذهول الفكر مما رأى وسمع!
وما أن دخل إلى غرفة الجلوس حتى رأى والدتهُ في حالة من البكاء والنحيب، حاول تهدأتها ليعرف منها ما جرى مع أخيه الأصغر.. قالت الأم وهي تمسح دموعها :
- لقد منعني والدك من إعطائه مفاتيح السيارة فهو ما يزال صغيرًا على قيادتها، نحن نخاف عليه وخاصة بعدما تعرضتَ له أنت من حادث مفجع.
سألها مؤمل :
- وهل هذا هو أسلوبه معكِ دائمًا يا أماه؟!
قالت الأم وهي تنظر إلى وجه مؤمل بدهشة :
- أي أسلوب تقصد يا ولدي؟
- أسلوبه هذا.. الذي تحدث به معكِ قبل قليل!
- اوه.. تقصد قسوته وعصبيته! إنها شيء طبيعي كما أنك كنت أكثر منه قسوة وعصبية!
- وهل كنتُ أتفوه بهذه الكلمات التي سمعتها منه اليوم؟!
- مثل ماذا؟
- سمعته يصرخ في وجهك ويقول : اسمعي! وهل فهمتي!
ابتسمت الأم ابتسامة حزينة مصحوبة بالألم والحسرة وقالت :
- هذا أسلوب قديم تعلمه منك يا ولدي!
قال بألم :
- وهل كنت اتجرأ على تلفظ مثل هذه الكلمات معك يا أماه؟!
- بل أكثر منها!
وهنا أمسك بيد أمه وقبلها باكيًا.. بللت دموعه يدها النحيلة فأحست بحرارة تلك الدموع، مسحت باليد الأخرى على رأسه وهي تقول :
- هل تريدني أن أسامحك؟
رفع رأسه وهو ينظر إليها ويقول :
- نعم أرجوكِ أماه!
قالت بابتسامة جميلة :
- حسنًا لكن بشرط!
- وما هو؟
- أن تتكلم مع أخيك الأصغر وتحاول إقناعه بخطأ تلك الأفعال!
- نعم وهذا ما كنت أنوي فعله.. صدقيني أمي.
دخل مؤمل غرفته وأخذ هاتفه المحمول ليتصل بضياء.. اتصل أكثر من خمس مرات ولم يفتح ضياء الخط إلا في المرة الأخيرة!
- السلام عليكم ضياء حبيبي
- أهلًا خالد.. ماذا تريد؟
- هل هكذا تجيب اخاك الأكبر؟
- لكن يا خالد.. إن أمي ..
وقبل أن يكمل قاطعه مؤمل بالقول :
- أن أمي تخشى عليك يا ولد، فالحادث الذي حصل لي قبل عام جعلها هي والوالد يخشيان كثيرًا من مسألة قيادتك السيارة وأنت في هذا العمر، عد إلى المنزل وأعدك بأني سأعلمك القيادة بأقرب فرصة ممكنة.
- هل تعدني فعلًا؟
- نعم يا حبيبي أقسم بالله العظيم .. عد الآن أرجوك!
في المساء كان ضياء يجلس مع مؤمل في غرفته وقد دار بينهما هذا الحديث :
- قد تتساءل الآن مع نفسك يا ضياء، رغم مرور شهرين تقريبًا على رجوعي للمنزل لكني إلى الآن لم أرفع صوتي على أي أحد منكم.
- نعم صحيح!
- هل تعلم لماذا؟
- لا!
- لأنني ومن خلال مطالعتي لحياة الأنبياء والصالحين عرفت ما معنى أن يكون المرء صاحب خلق رفيع، ولأني أحببت حياتهم وقررت أن أجعلهم قدوتي في كل تصرفاتي تراني هادئًا لا أحب المشاكل ولا العراك!
- أنهم في كثير من الأحيان يستفزونني بكلامهم يا خالد.. صدقني! دائما يحاولون إظهاري بأني الخطأ وهم المحقون في كل شيء.
- ليس أكثر مني يا فتى!
- لم أفهم ماذا تقصد!
- دائما يسمعونني أهلي وأنت منهم وحتى خطيبتي وأهلها بأنني كنت أنسانًا مخطئًا بل حتى أخطائك أنت يرجعونها لي أنا لأنك أخي الأصغر وتقلدني في كل شيء!
قال ضياء مستاءًا :
- يجب أن لا تسكت عنهم مرة أخرى، أسمعهم كلاما قويا حتى لا يجرحوك هكذا!
- ولكن يا ضياء.. هذا الأسلوب ليس من أخلاق الصالحين الذين أتمنى أن أقتدي بهم حقًا!
- وما الحل برأيك؟
- الحل أن نجبر خواطر بعضنا لا أن نخلق العداوات والبغضاء، فالشيطان يا ضياء يتمنى إثارة الفتنة بين الناس!
كما أن كسر القلوب ليس بالشيء الهين يا ضياء، اسمع مني هذه القصة اللطيفة..
قال ضياء : هاتِ ما في جعبتك من قصص ، أسمعك.
تحدث مؤمل قائلًا :
- انتهت إجازته وركب الطائرة عائداً إلى بلده ..
جلست بجانبه إمرأة كبيرة في العمر ..
في الطائرة قاموا بتقديم وجبات الطعام ومع كل وجبة قطعة حلوى بيضاء ..
المرأة المسنة فتحت قطعة ( الحلوى ) و بدأت تأكلها بقطعة خبز ظناً منها أنها قطعة جبنة بسبب اللون الأبيض ..!
وعندما اكتشفت أنها ( حلوى ) شعرت بإحراج شديد ونظرت إلى الرجل الذي بجانبها ، فتظاهر بأنه لم يرَ ما حصل ..
ثوانٍ قليلة بعدها، قام بفتحقطعة ( الحلوى ) من صحنه وقام بما قامت به المرأة المسنة تمامًا فضحكتْ المرأة .. فقال لها : الله يسامحك يا خالة لماذا لم تخبريني أنها حلوى وليست جبنة ؟!!
فقالت المرأة : وأنا كذلك ياولدي كنت أظنها جبنة مثلك!!
سأله ضياء بفضول :
- وهل فعلًا لم يكن يعرف أنها قطعة حلوى؟
قال مؤمل مبتسمًا :
- بالتأكيد كان يعرف أنها ليست جبنة ، ويعرف أنها رحلة وتنتهي ، ويعرف أنها مجرد امرأة بسيطة..!
لكنه طبق كلام أحد الحكماء حين قال :
( ما رأيتُ خُلقًا أجلّ وأعظم من جبر الخواطر )
فإماطة الأذى عن مشاعر وقلوب الناس يا ضياء لايقل درجة عن إماطة الأذى عن طريقهم!
حاول يا أخي العزيز أن تجبر الخواطر أينما كنت، وراعي المشاعر مع كل من حولك، وانتقي كلماتك، وتلطف بافعالك
ولا تؤلم أحداً وقل للناس حسنًا .
لنعش أنقياء أصفياء، فهذا نهج الأنبياء وأخلاق النبلاء..
سنرحل ويبقى الأثر، فليكن أثرا طيبًا يبقى في نفوس كل من يعرفنا.
قال ضياء :
- كيف أصبحت أخلاقك هكذا يا أخي؟ هل مجرد معرفتك لحياة وأخلاق الأنبياء والصالحين قلبت حياتك هكذا! ومن هو أكثر شخص تأثرت بأخلاقه من أولئك الصالحين؟
دمعت عينا مؤمل وهو يقول :
- لقد قرأت كثيرًا عن أئمة الهدى وبالخصوص الإمام علي بن الحسين الملقب بـ ( زين العابدين) وتأثرت بأخلاقه العالية، كما أن كلماته في الصحيفة السجادية وكذلك في رسالة الحقوق تعتبر بالنسبة لي مدرسة روحية عظيمة.
سأل ضياء بدهشة :
- هل تقصد الإمام السجاد ابن الإمام الحسين عليه السلام؟
- نعم يا ضياء.. هو بعينه!
- أتمنى أن أعرف ما هي تلك الكلمات التي جعلتك هكذا صاحب خلق رفيع وشخصية هادئة؟!
فرح مؤمل بسؤال أخيه ووعده أن يقرأ له بعض مما جاء في الصحيفة السجادية وخاصة فيما يخص مسألة بر الوالدين.
قال وقد لف ذراعه على كتفي أخيه الأصغر :
- الشخص الذي يتمنى أن يعرف حقيقة أخلاقه مع من حوله هل هي صحيحة أم لا عليه قراءة رسالة الحقوق، ومن يريد أن يعرف حقيقة بره بوالديه عليه أن يقرأ ( دعاء الإمام زين العابدين لوالديه) وكذلك حق الأب وحق الأم اللذان وردا في رسالة الحقوق لذلك الإمام العظيم ..
بعد أن نقرأ هذه الكلمات سنقوم بأنفسنا بتقييم مقدار أخلاقنا مع الآخرين وكذلك مقدار برنا بوالدينا وسنعرف من خلالها هل نحن من أهل العقوق للآباء والأمهات أم من أهل البر بهما؟!
هنا جاءت ميساء لتناديهما فقد حل موعد العشاء، قام مؤمل وسحب يد أخيه برفق وهو يقول :
هيا للعشاء الآن وبعدها سنقضي أمسيتنا هذه بقراءة كلمات الإمام السجاد" عليه السلام " وتوضيح كل ما يلزم توضيحه يا عزيز أخيك.