#وداعًا_أيها_الماضي.. 12
بقلم : رويدة الدعمي
عنوان الحلقة : وحانَ اللقاء..!
وأخيرًا قرر مؤمل أن يكشف للجميع عن حقيقته، خاصة بعد أن شعر بحجم المشكلة التي وقعت لابنة خالته وخطيبته دعاء جراء عدم كشفه لهويته الحقيقية أمام العائلة..
كانت كل من ميساء ودعاء على معرفة بالوقت الذي سيأتي به مؤمل إلى منزله بعدما يقارب سنة كاملة على تركه إياه!
أصرت دعاء على أمها في ذلك اليوم أن ترافقها لبيت خالتها بعد أن أقنعتها أنها مشتاقة جدًا لرؤية ميساء!!
بعد وصولهما بنصف ساعة طُرقت باب المنزل..
قام ضياء لفتح الباب وميساء ودعاء تراقبان الموقف، كانت ميساء خائفة على ضياء من أثر الصدمة وهو يفتح الباب، لكنه عاد وكأن شيئًا لم يكن!!
قال لأبيه بصوتٍ عالٍ بعض الشيء :
- أبي هذا رجل يطلب مقابلتك!
تفاجأت الفتاتان وكل منهما صارت تتساءل مع نفسها :
- هل سيخلف خالد بوعده ولا يأتي؟!
وبعد أن خرج أبو خالد لرؤية الضيف عاد للدخول وهو يطلب من زوجته وابنته ارتداء الحجاب!
قالت أم خالد بفضول :
- ولكن ما الذي يحدث؟
أجابها زوجها :
- هذا الرجل يقول بأنه استاذ جامعي وقد جاء هو وزوجته للتحدث معنا بأمر هام، وطلب أن يكون الجميع متواجدين أثناء حديثه!
رددت أم خالد وكذلك أم دعاء : خير إن شاء الله!
بعد عشر دقائق تقريبًا كان الجميع يجلسون مع الأستاذ أحمد وزوجته في غرفة الضيوف، وبحكم ثقافته وتدينه فقد عرف أحمد كيف يبدأ الموضوع معهم إلى أن وصل إلى نقطة الحقيقة!
قال وهو يراقب نظرات العيون :
- وبهذا فلقد كتب الله لولدكم " خالد" عمرًا جديدًا وهو ما يزال حي يرزق!
صاحت أم خالد وقد صارت لا تشعر بمن حولها :
- كنت أشعر بذلك.. نعم، نعم!
اتجهت نحو زوجة أحمد وهي تقبل يديها وتبكي قائلة :
- أين هو الآن؟ هل تغيرت ملامحه؟ هل تأثر كثيرًا بذلك الحادث؟! هل ما يزال ولدي في منزلكم ..هل ..
قاطعتها كريمة قائلة :
- لا يا أم خالد، إنه ليس في منزلنا الآن!
صاحت الأم المشتاقة :
- أين يمكن أن يكون إذن؟ لا تقولي لي إنه مسافر!
ابتسمت كريمة والدموع تغسل وجهها، وضعت يدها تحت ذراع أم خالد لتساعدها على النهوض وهي تقول : بل إنه ينتظر إذنًا بالدخول، لقد تركناه جالسًا في السيارة عند باب المنزل..
سقطت أم خالد مغشيًّا عليها، وركض ضياء متلهفًا لرؤية أخيه الأكبر وليتأكد بنفسه من صحة ما يقوله هذا الرجل هو وزوجته، نظر ضياء فإذا بالسيارة تقف بالقرب من باب المنزل فعلًا ، وكان هناك شابًا يجلس فيها!
ركض نحو السيارة وهو يصرخ : خالد.. خالد.. أخي.. حبيبي!
سمع مؤمل صوت أخيه فنزل من السيارة للقاءه بلهفة وترقب ، وما أن رآه ضياء حتى وقع أرضًا وهو يصرخ : آه قدماي .. إنها لا تعينني على النهوض .. هل أنت حقا خالد ؟!
ركض مؤمل صوب ضياء ورفعه عن الأرض وهو يساعده على المشي ، اتجه به نحو المنزل..
في هذه الأثناء خرج الأستاذ أحمد وأبو خالد، أسرع أحمد صوب مؤمل ليأخذ منه ضياء والذي كان في حال يرثى لها ..بينما وقف الأب ينظر إلى ولده العائد بعد طول غياب ودموعه تشرح لوعة الفراق وألم الاشتياق.. قال وهو يفتح ذراعيه :
- ولدي الحبيب.. الحمد لله على سلامتك!
اتجه مؤمل نحوه وحاول أن يبادله نفس المشاعر، احتضنه بقوة ثم ردد : أبي.. سامحني أرجوك!
ثم انحنى على يديه يقبلها ويقول: لقد كنت قاسي القلب وعاقًا لك كل تلك الفترة، أنا الآن إنسانًا آخر وسأكون لك نِعمَ الولد بإذن الله.. أنت فقط سامحني!
لم يُصدّق والده ما رأته عيناه وسمعته أذناه! فمن هذا الذي يعتذر؟ ومن هذا الذي يُقبّل يدي والده ويبكي.. خالد؟!
أدخله المنزل واتجه به مباشرة إلى والدته التي أفاقت من غيبوبتها توًّا ، قالت وهي تحتضنه وتبكي :
- الحمد لله الذي منَّ علينا بعودتك يا حبيب أمك.
صارت تمرر أناملها الرقيقة على وجهه وهي تقول :
- الحمد لله.. لم يصبك مكروه، ملامحك سليمة وعافيتك تمام، الشكر لله.. الشكر لله.
إعتذر منها هي أيضًا وهو يقول :
- لا أتذكر شيئًا مما كنت أفعله في هذا المنزل! لكن ميساء ودعاء أخبرانني بكل شيء للأسف، وأعدكم بأني سأعوضكم عن كل تلك الأيام القاسية التي عشتموها معي بأيامٍ جميلة وسعيدة منذ اليوم.
قال والده بدهشة :
- وهل كانت كل من ميساء ودعاء تعلمان بأمرك؟!
قال مؤمل :
- نعم يا والدي.. لكني منعتهما من البوح إلى أن يهيء لي الله تعالى الفرصة المناسبة لزيارتكم بنفسي، وأحمده سبحانه أن منَّ عليَّ بلقائكم والنظر إلى وجوهكم الطيبة بعد أن خشيت أن لا نلتقي أبدا!
تبادل أبو خالد نظرات الاستغراب مع زوجته، إن ولدهما يقول عبارات غريبة بالنسبة لهما إذ لم يسمعانها منه في الماضي بتاتا!! فما الذي حدث خلال هذا العام حتى عاد إليهم ولدهم العاق إنسانًا صالحًا وخلوقًا بل ومؤمنًا بالله تعالى يحمده كثيرًا بعد أن كان كافرًا به؟!في وسط هذه الدهشة والتساؤلات ضربت أم دعاء على كتف ابنتها وهي تصرخ في وجهها :
- كيف تخفين عني هكذا أمر يا فتاة؟!
إبتسمت دعاء و طأطأت برأسها خجلًا وهي تقول :
- لقد أمرني هو بذلك .. وطاعة الزوج واجبة إن لم تكن فيها معصية للخالق كما علمتِني أنتِ يا أماه.. أليس كذلك؟
قالت الأم وقد اتسعت حدقتا عينيها :
- وهل يعني هذا إنكِ كنتِ تتحدثين مع خالد في تلك الليلة التي..
لم تكمل أم دعاء كلامها فقد قاطعها مؤمل بالقول :
- نعم يا خالتي كانت تتحدث معي، أقسم بالله على ذلك.
قامت خالته من مكانها وقبلته في جبينه وسط دموعها وهي تقول :
- اعذرني يا ولدي، صدقني لم أقصد إبعادكما عن بعضكما كل هذه الفترة.. لكنني توقعت شيئًا آخر!
قال مؤمل وهو يرمق خطيبته بنظرات الاشتياق ويوجه كلامه لأمها :
- لا عليكِ يا خالتي..الحمد لله الذي أعاد التئام الشمل من جديد.
قال الأب بلهفة :
- ستكون الفرحة فرحتين ..الفرحة بعودتك والفرحة بزواجك ، يجب إن نحدد موعدًا قريبًا للزواج مادامت دعاء ووالدتها موجودتين الآن ، كما سأتصل بوالدها حالًا لأزف إليه خبر عودتك وأتفق معه على قرب موعد الزواج.
شعرت دعاء بالسعادة الغامرة ولقد منعها الخجل عن رفع رأسها! أما مؤمل فلقد خاطب والده بالقول :
- أرجو التريث يا أبي!
رفعت دعاء رأسها وهي تنظر لمؤمل بقلق ..ما الذي يريد قوله؟
بدأت الملامح تتغير وتحولت الابتسامات والضحكات إلى نظرات حائرة يتبادل بها الجميع فيما بينهم!
كانوا ينتظرون من مؤمل أن يتكلم.. قال أخيرًا :
- لقد علمت من دعاء قبل فترة وعن طريق الاتصال الأخير أنها كانت شبه مجبرة على تلك الخطبة، لذلك أنا لا أريد الاستعجال في أمر الزواج مطلقًا فأنا وهي بحاجة إلى أن نفهم بعضنا أكثر!
تفاجأ الجميع من كلام مؤمل وتحولوا بأنظارهم نحو دعاء التي غسلت الدموع وجهها، فشعروا أن مؤمل على حق وبأن الحديث عن الزواج ما زال مبكرا!!
شعر مؤمل بحجم الإحراج الذي تعرضت له دعاء بعد كل تلك النظرات والهمسات بين الجالسين، قال بأدب :
- أرجوكم لا تلوموها، من حق الفتاة أن تختار من ترتاح لصفاته وأفكاره، أنا في السابق كنت شخصًا أنانيًا متكبرًا حاولت أن امتلك دعاء بأي طريقة حتى لو كان في ذلك إجبارها، ولأن أخلاقها عالية فهي لم تصارحني بحقيقة الأمر بعد عودتي لها في هذه الفترة ،إذ راعت بذلك فقداني للذاكرة وحاجتي الماسة إلى وجودها قربي ..نعم لم تصارحني إلا بعد أن طرحتُ أنا بنفسي ذلك السؤال ( كيف وافقتي على خطوبتنا في حينها رغم اختلاف الأفكار!! ) حينها فقط روت لي ما حدث عن أيام الماضي.
ثم عاتب والدتها بالقول :
- هل من السهولة أن يسلم الأهل ابنتهم وفلذة اكبادهم إلى شاب أخرق لا هم له في الحياة إلا الأكل والنوم واللهو؟!
اكمل وهو ينظر إلى خطيبته وهي تغرق بدموعها :
- فتاة مؤمنة وصائنة لنفسها ومهذبة وعفيفة مثل دعاء يجب أن لا يرتبط بها إلا من كان مقاربًا لها فكريًا وروحيًا وإلا سنحكم عليها بالسجن المؤبد مدى الحياة!
طأطأت أمه المسكينة رأسها وهي تخاطبه بألم :
- أنا من أجبرت أختي وإبنتها على الموافقة، فلقد رفضوا الخطبة منذ البداية، لكني هددتهم بقطع صلة الرحم بيننا إلى الأبد!
رفع مؤمل رأس أمه بحنان وهو يقول :
- ارفعي رأسك يا أماه فما دمتُ حيًّا أُرزَق سيبقى رأسك مرفوعًا بإذن الله ، وما اقترفته في الماضي من أخطاء ما زالت آثارها باقية فأعلمي بأنني سأحاول بما أوتيت من قوة أن أصحهها جميعها .
أكمل وهو ينظر لخطيبته :
وتبقى مسألة الزواج مسألة شخصية سنحدّد - أنا ودعاء - خلال فترة الخطوبة هذه ما إذا كنا مستحقين لبعضنا أم لا.
سحبت الأم الحنون رأس ولدها برفق وقبّلته في جبينه وهي تقول :
- حماك الله يا ولدي وحفظك من كل مكروه ، قلبي راضٍ عنك ما دمتَ نادمًا على الماضي ، وأنا على يقين بأن والدك راضٍ عنك الآن أيضًا..
أكملت وهي تشدُّ على يديه :
ومن رضى عنه والداه فسيرضى عنه الله وسيختم له بالسعادة.#وداعًا_أيها_الماضي.. 13
بقلم : رويدة الدعمي
عنوان الحلقة : أصغر من حبة ملح!!
مضى أسبوع كامل على تواجد مؤمل في بيته الجديد القديم!
كان الحنين والشوق يجره إلى التفكير بالحاج أحمد وزوجته كريمة..
فهو يتمنى أن يذهب لرؤيتهما لولا انه بحاجة أيضًا إلى البقاء أكثر مع أسرته الحقيقية.. حيث كان يرى لهفة والديه وأخوته ميساء وضياء على الجلوس معه والتحدث إليه.
كان ضياء يرى خالد وقد صار ملتزمًا بصلاته وعباداته من قراءة القرآن وكتب الأدعية والزيارات!
أما باقي أوقاته فكان يقضيها بين والديه يقبل أياديهما ويسمعهما الكلمات الرقيقة والدافئة.
كانت تلك الأسرة الصغيرة التي تتكون من الأب والأم والأبناء الثلاثة تعيش أيامها تلك كالحلم الجميل..
الشيء الوحيد الذي كان يعكر على مؤمل صفو سعادته هو سماعه بين فترة وأخرى اسم ( خالد) رغم توسلاته ومحاولاته المستمرة لتعويد الجميع على ترك هذا الاسم وحثهم على مناداته باسمه الجديد ( مؤمل) .
وفي إحدى الجلسات التي جمعت مؤمل مع أخويه وخطيبته التي كانت في زيارة لهم قال ضياء متساءًلا :
- هل تسمح يا خالد.. عفوًا يا مؤمل! هل تسمح أن أسألك شيئًا عن ماضيك؟!
إبتسم مؤمل وهو يقول :
- رغم أنني لا أتذكر منه شيئًا لكنني متلهف جدًا لسماع سؤالك.. تفضل يا حبيبي.
- لقد كنت تقول في الماضي بأنه لا وجود للخالق، وبأننا إما أن نكون خُلقنا صدفة أو إن الطبيعة هي التي كانت السبب في وجودنا ووجود جميع الكائنات في هذا الكون!
قام مؤمل من مكانه دون إرادته ، أشار إلى صدره وهو يقول بعصبية :
- أنا؟ أنا كنت أقول ذلك!
خفض ضياء رأسه وكذلك فعلت كل من ميساء ودعاء، أعاد سؤاله وقد تغيرت نبرة صوته :
- لماذا الصمت؟ هل فعلًا هذا كان معتقدي؟
قالت ميساء وهي تحاول تهدأته :
- لكنني أخبرتك بهذا منذ أن التقينا بعد الحادث.. أتذكر؟
عاد إلى الجلوس وقد أسند ذراعه على الأريكة وأخفى وجهه بكفه اليمنى كمن أصابه اليأس!
قالت دعاء وقد نزلت دموعها مواسية لخطيبها :
- كان ذلك في الماضي.. أنت الآن مؤمل المثقف الذي يستطيع أن يدافع عن وجود الخالق بكل عقيدة وإيمان.. ألم تخبرني بذلك في لقاءنا الأول؟
نظر إليها مؤمل وشعر بارتياح كبير لكلامها، ثم نظر إلى أخيه الأصغر وهو يقول :
- أولًا أشكرك أيها الحبيب لأنك كنت صريحًا معي في سؤالك، رغم أن كلامك ذلك بالنسبة لي كلام غير منطقي حتى وإن كنتُ أنا من نطق به سابقا!
إعلم يا أخي أن من يقرأ ويبحث في الكثير من الحقائق العلمية سيتأكد من وجود الله تعالى، أما الذي يبقى يستمع لآراء بعض من إدعى الثقافة دون أن يقرأ ويبحث بنفسه فسيقع فريسة سهلة لتلك الآراء الفارغة والتي لا تستند إلى أي دليل علمي كما يحصل للكثير من شبابنا اليوم للأسف الشديد.
أن كلامي في السابق يا ضياء كان نتيجة الجهل الذي كنت فيه، أما الآن فأتمنى أن تفتح لي قلبك وفكرك معًا لتفهم كل كلمة سأقولها ليس فقط لتثبت في داخلك عقيدة التوحيد ووجود الله الواحد الأحد بل لتصبح لديك معرفة بكيفية الرد على مدّعي الإلحاد.
إن إثبات وجود الخالق يستند إلى حقائق لا تعد ولا تحصى، ففي كل يوم بل في كل ساعة يكتشف العالم حقيقة جديدة تثبت وجود الله سبحانه وتعالى.
وأنا الآن سأخبرك بحقيقة واحدة، ولك أنت أن تبحث بنفسك عن حقائق أخرى تحيط بك في كل زمان ومكان!
قال ضياء بفضول :
- وما هي هذه الحقيقة؟
- إنها.. أنت.
سأل ضياء باستغراب :
- ماذا؟ أنا؟
- نعم إنها أنت وأنا وميساء ودعاء والناس جميعًا..
قال ضياء مبتسمًا :
- هل تصدق.. لم أفهم شيئًا!
قال مؤمل بثقة :
- إن تلك الحقيقة هي ( حقيقة خلق الإنسان) يا ضياء..
ألم تسمع بهذا البيت الشعري الرائع والذي ينسب للإمام علي عليه السلام :
أتحسب أنك جرمٌ صغير ... وفيك انطوى العالم الأكبر؟!
هزَّ ضياء رأسه وهو يقول :
- نعم سمعت هذا البيت سابقًا.. لكني لم أفهم معناه.
قال مؤمل وهو يربت على كتف أخيه :
- ستفهم اليوم معناه بإذن الله تعالى..
كاد ضياء أن يدخل في نقاش أطول مع أخيه الأكبر لولا أن صوت والدته أتى من المطبخ معلنًا عن اكتمال إعداد وجبة الغداء..
قال مؤمل موجهًا كلامه لميساء ودعاء :
- حسنًا بإمكانكما الآن مساعدة والدتي في وضع المائدة..
قاطعته ميساء :
- نتمنى أن نكون معكم في نقاشاكما المهم هذا.
خاطبها أخاها قائلًا :
- لا عليكِ غاليتي، لن نتناقش الآن.. بل سيكون ذلك في المساء بإذن الله تعالى.
وفعلًا كما وعد مؤمل أخته، ففي المساء بدأ كلامه بالقول :
- لقد وعدتكم أن أتحدث عن حقيقة خلق الإنسان التي هي أهم وأقرب حقيقة إلينا نحن بني البشر، فهل تعلمون أيها الأحبة ما هي مراحل خلق هذا الكائن؟
ولما لم يجد جوابًا أكمل :
- سنقوم أنا وأنتم الآن برحلة زمنية قصيرة، ولندقق معًا في هذه الحكاية الرائعة المليئة بالمعجزات منذ البداية..
قال ضياء بتهكم :
- حكاية! ولكن هل ستحكي لنا حكاية فعلًا؟!
إبتسم مؤمل وهو يقول :
- إنها حكاية " خلق الإنسان" يا ولد!
قالت دعاء:
- إن استمر ضياء بالتعليق على كل كلمة فلا أتوقع بأننا سنفهم شيء من البحث!!
قام ضياء محاولًا ترك الغرفة ،أمسكه مؤمل من يده وهو يقول :
- ما بك يا ضياء ..إنها لا تقصد الإساءة!
قال ضياء بعصبية :
- أنت تدافع عنها لأنها خطيبتك وتخشى على مشاعرها، ولا يهمك إن قامت هي بجرح مشاعري!!
صار مؤمل يلاطف ضياء وهو يقول :
- أؤكد لك بأنها لن تفعلها ثانية .. أليس كذلك يا دعاء ؟!
شعرت دعاء بالاحراج الذي أوقعت به مؤمل فسارعت بالاعتذار وقد أعجبها موقف خطيبها الذي كان يحاول بأي طريقة أن يجعل الأجواء هادئة وغير متوترة..
قالت بابتسامة جميلة :
- أعدك يا ضياء بأنني لن أكررها ، فقط ابدأوا يرحمكم الله! لأن الوقت يمضي وقد يأتي أبي ليأخذنا أنا وأمي في أي لحظة!
نظر إليها مؤمل نظرة تنم عن الشكر والامتنان لأنها عرفت كيف تتدارك الموقف وتعتذر بكل أدب وإحترام.
تحدث مؤمل قائلا وهو يمسك بعض الوريقات في يده:
- لنشاهد كيف كان حال الإنسان في حين من الدهر!
لقد كانت البداية خلية واحدة في بطن الأم، وجود عاجز ومحتاج إلى حماية، أصغر من حبيبة ملح واحدة!
انتم أيضًا كنتم عبارة عن هذه الخلية الصغيرة مثلما كل الناس الآخرين على وجه الأرض.
بعد فترة انقسمت هذه الخلية وأصبحت اثنتين ثم انقسمت مرة أخرى وأصبحت أربع خلايا، ثم ثماني ثم ست عشرة.
استمرت الخلايا بالتكاثر ثم ظهرت أولًا قطعة لحم ثم أخذت قطعة اللحم هذه شكلًا وأصبحت لها يدان ورجلان وعينان، فالخلية الأولى كبرت مئة مليار ضعف، وأخذت وزنًا بستة مليار ضعف!!
خلية متناهية في الصغر أجرى الله فيها معجزات عدة، فخلق منها الإنسان الذي يقرأ هذه الكلمات الآن!
رفع مؤمل عينيه من الورقة التي كان يقرأ فيها هذا البحث المهم وهو يقول : إلى هنا.. هل هناك شيء غامض في هذا الكلام؟
قال الجميع بشوق : كلا.. أكمل!
ردد مؤمل في قرارة نفسه عبارة "الحمد لله" ثم اكمل :
هذه مضمون المعجزة بصورة عامة، أحببت أن اطلعكم عليها في بداية هذه الرحلة، فالناس منغمسون في نزعة الحياة اليومية، يسيرون لا مبالين بالمعجزة المهمة المتحققة أمام أعينهم، وها أنا أفي بوعدي لكم فاسمعوا مراحل خلق الإنسان بالتفصيل وكما أثبتها العلم الحديث :
تبدأ أول مرحلة في معجزة الخلق من ( العلق ) الذي هو مصطلح يطلق على البيضة الملقحة المعلقة بالرحم!
فالبيضة الملقحة ليست إلا كتلة دائرية مكونة من الخلايا الشبيهة ببعضها وليس لها نتوء أو ممسك خاص بها يؤمن لها التعلق بمكان ما، فإذن كيف تستطيع التمسك بجدار الرحم؟
هنا سيتدخل نظام خاص وهو ( وجود خلايا موجودة على السطح الخارجي للخلية تقوم بافراز انزيمات خاصة تذيب جدار الرحم وبذلك تتمسك البيضة الملقحة بالرحم بشدة وتنجو من سقوطها خارج الرحم).
قال ضياء بدهشة : يا له من نظام رائع!
حينها أكمل مؤمل وهو يلاحظ اهتمام الجميع بحديثه :
- فهل تعلمون أن هذه الحقيقة التي اكتشفها علم الأحياء الحديث قد ذكرت في القرآن الكريم؟
قالت دعاء :
- وأين ذكرت هذه الحقيقة.. أقصد في أي سورة بالضبط؟
وقبل أن يجيب مؤمل قالت ميساء :
- أنا أعرف الإجابة.
قال ضياء :
- هيا أخبرينا.. أيتها الأخت المحققة!
ابتسم الجميع وهم ينتظرون من ميساء الإجابة.. قالت بكل ثقة :
- إنها في قوله تعالى ( اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق).
قال مؤمل بفرح :
- أحسنت أختاه.. فعلًا إن الحقيقة هذه موجودة في سورة ( العلق) التي أسميت على إسم هذه الحقيقة!
قال مؤمل ليضيف على كلام ميساء وليؤكد صحة إجابتها :
- وبهذا فإن البيان الإلهي استخدم كلمة ( العلق) للتعريف بالخلية المعلقة في رحم الأم في الوقت الذي لم تكن البشرية تعرف أي معلومة عن هذه التفاصيل الدقيقة!
قال الجميع : سبحان الله!
قالت دعاء بلهفة :
- هل أخبركم بمعنى هذه الكلمة لغويا؟ فأنا أعشق لغتنا العربية ولدي الكثير من المعلومات عن ألفاظها وكلماتها!
قال مؤمل بإعجاب شديد :
- هيا ..أسمعينا ما تقوله لغتنا عن العلق ؟
قالت دعاء باهتمام :
- أن كلمة ( العلق) في اللغة العربية تقال للشيء المتمسك بمكان ما والمتعلق به، وهذا ينطبق تمامًا مع الوصف القرآني الدقيق!
أما في علم الأحياء فإن هذه الكلمة تستخدم للتعريف عن بعض الطفيليات التي تلتصق بالجلد وتمتص الدم من ذلك المكان.
كان مؤمل يستمع لدعاء بكل إعجاب وفخر!
في هذه الأثناء دخلت أم دعاء غرفة الضيوف حيث اجتمع الشباب الأربعة، قالت بشيء من المزاح :
- ألم تنتهوا من صناعة القنبلة الذرية؟!
ضحكوا من سؤالها وأجابها ضياء قائلًا :
- إننا نتناقش في صناعة شيء أعظم من القنبلة الذرية يا خالة!
