وداعا أيها الماضي

257 16 4
                                        

#وداعًا_أيها_الماضي.. 17
بقلم : رويدة الدعمي
            عنوان الحلقة : هما جنتك ونارك!
بعد العشاء جلس مؤمل مع ضياء كما وعده وقد بدأ ضياء الحديث بالقول :
- قبل أن نقرأ دعاء الإمام السجاد عليه السلام هناك سؤال بقى عالقًا في ذهني عند حديثنا قبل ساعة!
- وما هو؟ هاته!
- قلت إن الشيطان يحب أن تشيع العداوة والبغضاء بين الناس؟ فكيف عرفت ذلك!؟
قال مؤمل وقد فهم قصد أخيه :
- لقد ذكر الله ذلك في كتابه الكريم، ففي سورة المائدة - آية 91 نقرأ ( إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء..).
سأل ضياء باهتمام :
- حسنًا وكيف يمكن أن نتخلص من الشيطان في هذا الأمر؟
- الإجابة نجدها في قوله تعالى ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين، وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم، إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون) الأعراف آية 199 - 201
قال ضياء :
- وما الذي تقصده هذه الآيات؟
- أنه تعالى يوضح لنا أهم الخطوات التي يجب أن نتبعها في حال نزغ الشيطان بيننا وبين الآخرين لزرع العداوة والبغضاء والخطوات هي كالتالي: العفو عنهم، والأعراض عن جهلهم، والاستعاذة بالله من الشيطان ما أن نتذكر دوره في كل هذا!!
ولا تكون الاستعانة فقط بقول"  أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" بل يجب أن تكون الاستعاذة قولًا وفعلًا بعدم الاستماع الى وساوسه التي يريد بها إشعال نار الفتنة بين المؤمنين .
بعد هذا النقاش حول دور الشيطان في حصول أي نزاع بين المؤمنين دعا مؤمل أخاه ليشاركه في قراءة ( دعاء الإمام السجاد عليه السلام لوالديه) كما اتفاقا قبل العشاء ..
ولقد رحب ضياء بهذه الدعوة وجلس بالقرب من أخيه  الذي صار يقرأ الدعاء بدموع حرى وبعبرة تعتصر القلب على كل التقصير في حق الوالدين.
بعد أن اكملا ذلك الدعاء الشريف قال مؤمل وهو يرى تأثر ضياء بكلمات الإمام السجاد عليه السلام :
والآن لنفسر ما جاء في هذا الدعاء المبارك لعلَّ الله ينفعنا به في الدنيا والآخرة، قال ضياء باهتمام :
- حسنًا لنبدأ.. وكلي آذانٌ صاغية.
لنبدأ من المقطع الأول : " اللهم صل على محمد عبدك ورسولك وأهل بيته الطاهرين وأخصصهم بأفضل صلواتك ورحمتك وبركاتك وسلامك واخصص اللهم والديَّ بالكرامة لديك والصلاة منك يا أرحم الراحمين..
يبدأ إمامنا السجاد عليه السلام بعد الصلاة والسلام على رسول الله وأهل بيته الطاهرين بالدعاء لوالديه بأن يكونا مكرمين عند الله، فلم يطلب لهما الصحة وطول العمر أو الرزق وما شابه ذلك بل طلب لهما ( الكرامة عند الله) وهو بذلك يطلب لهما المنزلة الرفيعة عند الخالق جل وعلا، وفي هذه موعظة عظيمة لنا فهو عليه السلام يعلمنا أن ندعو للآخرة قبل دعائنا للدنيا، وأن أهم وأعظم حاجة يمكن أن نطلبها من الله تعالى هي ( مرضاته عنا وعلو منزلتنا لديه سبحانه) وهو ما عبر عنه الإمام عليه السلام بالكرامة لدى الله.
بعد ذلك يقول ( وألهمني علم ما يجب علي إلهاما ...)
وهنا يدعو لنفسه أن يلهمه الله معرفة حقوق الوالدين ليكون بارًا بهما وليس عاقًا لهما!
سأل ضياء مستغربًا :
- وما معنى "عاقا" يا أخي؟
- إن معنى العقوق يا ضياء هو عدم إعطاء الحق لصاحبه، فأنت أن كنت غير معطي حق والديك فحينها ستكون عاقًا لهما يا أخي الحبيب.
هزَّ ضياء رأسه معبرًا عن فهمه لهذا التوضيح ثم قال :
- حسنًا وما هو حق الوالدين؟
أجابه مؤمل مبتسمًا :
- يذكرني سؤالك هذا بذلك الموقف الذي يرجع إلى زمن رسول الله " صلى الله عليه وآله " حين جاءه رجل يسأله عن حق الوالدين على ولدهما فقال له باختصار : هما جنتك ونارك. ( المصدر : الترغيب والترهيب ج 3)
قال ضياء متساءًلا :
- وما معنى هذا؟ لم أفهم!
- معناه يا عزيزي أنهما قد يدخلاك الجنة التي ستنعم فيها في الآخرة، أو يدخلاك النار التي ستخلد فيها إلى الأبد!
فتح ضياء عينيه بطريقة جعلت مؤمل يضحك بقوة قائلًا :
- ما بك يا ضياء؟ هل تفاجأت!
قال ضياء بدهشة : هل.. هل فعلًا هما اللذان يدخلانني الجنة أو النار؟
- نعم يا أخي.. وإلا ماذا يمكن أن نفهم من قول الرسول غير هذا؟
- ولكن.. كيف ذلك؟!
- إن أعطيتهما حقهما قاداك إلى الجنة، وإن كنت من أهل العقوق لهما قاداك إلى النار!
سكت مؤمل قليلًا.. فبادره ضياء بالقول :
- أكمل أكمل يا أخي يرحمك الله!
أكمل مؤمل حديثه وهو غير متوقع بأن أخاه الأصغر سيتفاعل مع هذا الحديث بهذه الشكل!
- والدليل يا ضياء بأن حق الوالدين أكبر مما قد نتصور هو قول الرسول صلى الله عليه وآله : نظر الولد إلى لوالديه حبًا لهما عبادة. ( المصدر : البحار- ج 71)
فإن مجرد نظرك بمحبة لهما يعتبره الله عبادة تؤجر عليها، فما بالك لو أطعتهما في كل ما يحبان؟!
وسنتعرف على الكثير من حقوقهما بالتدريج من خلال شرح هذا الدعاء الشريف.
حيث يدعو عليه السلام بعد ذلك بقوله :
" اللهم إجعلني أهابهما هيبة السلطان العسوف، وأبرهما بر الأم الرؤوف.. "
سأل ضياء : ما معنى السلطان العسوف؟
- معناه الحاكم الظالم!
فهنا يعلمنا الإمام عدة حقوق للوالدين ومن أهمها : أن نخشاهما ونهابهما كما يهاب أحدنا الحاكم الظالم والسلطان الجائر!
أما قوله ( وأبرهما بر الأم الرؤوف) فيقصد عليه السلام أن نبرهما كما تبر الأم بأولادها..
- ولكن ما معنى البر؟ وكيف يكون؟
-البر يا ضياء هو كل عمل خير تفعله في حياتك، وهذا يعني أننا يجب أن نقدم لوالدينا كل الخير ونسعى في إسعادهما دائمًا كمل تفعل الأم مع أبنائها بالضبط! فنراها تسعى من الصباح حتى المساء جاهدة لتقديم كل الخير لأولادها فلا يهدأ لها بال حتى تنتهي من كل عمل يخص أولادها! فعلينا أن نبر آبائنا وأمهاتنا كما تفعل تلك الأم الحنون بالضبط .
ثم يقول عليه السلام :
"واجعل طاعتي لوالديَّ وبري بهما أقرَّ لعيني من رقدة الوسنان وأثلج لصدري من شربة الضمآن.. "
سأل ضياء بعد أن أكمل مؤمل قراءة هذا المقطع:
- صحيح يامؤمل! عندما قرأنا الدعاء معًا قبل قليل تساءلت مع نفسي : ما معنى رقدة الوسنان؟!
أجاب مومل أخاه قائلاً :
الرقدة هو النوم، والوسنان من الوسن أي النعاس..
إن الإمام عليه السلام يطلب من الله أن يجعل تأثير طاعته لوالديه في قلبه كتأثير النوم على الإنسان الذي أصابه النعاس، فرقدة الوسنان تعني ( نوم الإنسان الذي أرهقه النعاس) فكيف أن هذا الإنسان تقر عينه بالنوم في وقت هو أشد ما يكون للرقود والراحة هكذا يتمنى الإمام أن تكون عينه بطاعته لوالديه أقر من عين ذلك الإنسان الراقد بعد نعاس شديد!!
أما قوله ( وأثلج لصدري من شربة الضمآن) فالضمأ هو العطش الشديد، فهو يدعو من الله أن تكون تأثير طاعته لوالديه في صدره أثلج من شربة الماء البارد عندما تنزل في صدر انسان شديد العطش!!
قال ضياء بدهشة : سبحان الله! يا له من تعبير ووصف دقيق ورائع للغاية! ولكن..
- لكن ماذا يا ضياء؟
- لماذا يطلب الإمام السجاد " عليه السلام" من الله تعالى بأن يجعله مستشعرًا لتأثير الطاعة على نفسه؟ ألا يكفي أن يطيع والديه فقط فيحصل على ( رضا الله) أليست هذه أهم غاية في الحياة.. وهي الحصول على رضوان الله تعالى؟ لماذا إذن يريد الإمام أن يستشعر في نفسه تأثير تلك الطاعة؟
قال مؤمل مبتسمًا :
- نعم يا حبيبي، فعلًا إنه سؤال ممتاز! وسيجيبك عنه الإمام السجاد عليه السلام بنفسه ، فبعد ذلك المقطع من الدعاء  يقول :
" حتى أؤثر على هواي هواهما، وأُقدِّم على رِضايَّ رِضاهما، وأستكثرَ برَّهما بي وإن قَل، وأستقلَّ برّي بهما وإن كثُر "!
فهنا يبين لنا " عليه السلام" سبب طلبه من الله تعالى أن يجعل تأثير طاعته لوالديه تأثيرًا كبيرًا في نفسه .. حتى يكون ذلك التأثير دافعًا له وحافزًا إليه ليزيد من تلك الطاعة إلى الدرجة التي تجعله يقدم مصلحة أبويه على مصلحته وهو ما يعرف بالإيثار.. وذلك في قوله" حتى أؤثر على هواي هواهما " فهو عندما يستشعر الفرحة في كل أمر يعمله وفيه طاعة لوالديه حينها ستجعله تلك الفرحة ينسى مصالحه بل وقد يلغيها أمام مصلحة والديه، ويترك هواه وما ترغب به نفسه في سبيل تحقيق رغبة والديه وتقديم هواهما وراحتهما على هواه وراحته!
كما أن ذلك الشعور الذي يدعو من الله أن يجعله في صدره - وهو الشعور بالفرحة عند اطاعته لوالديه - سيحفزه أيضًا ويدفعه لأمر آخر غير الإيثار!
قال ضياء بفضول :
- وما هو ذلك الأمر؟
- نجده في قوله " عليه السلام" ( وأستكثرَ بِرّهما بي وإن قَلّ، وأستقلَّ بري بهما وإن كثُر) فسيرى حينها بأن كل عمل يقدمانه له والداه هو كثيرٌ في حقه ، وأن كل عمل يقدمه لهما هو قليل في حقهما مهما كان كثيرًا!!

وداعا أيها الماضي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن