وداعا أيها الماضي 11

300 15 0
                                    

#وداعًا_أيها_الماضي.. 11
بقلم : رويدة الدعمي
                عنوان الحلقة : أختي الحبيبة!
مضت الأيام والليالي ومؤمل مستمر بالتعرف أكثر عن ماضيه من خلال الاتصالات التي صارت تتكرر يوميًا بينه وبين خطيبته وإبنة خالته دعاء..
سألها في إحدى المرات :
- أتساءل كيف وافقتي على الارتباط بي في وقت كانت أفكاري تختلف إختلافًا جذريًا عن أفكارك؟!
أجابت دعاء بعد صمتٍ قليل وقد فاجأها سؤاله :
- أخشى أن أخبرك الحقيقة فتنزعج!
تغيرت نبرة صوته قائلًا : ما الذي تخفيه عني يا دعاء ؟
أجابت بحذر :
- كنت غير مقتنعة بك لولا إنك كنت تجبر خالتي على الإلحاح في مسألة الخطبة، حتى أنني في تلك الليلة التي عرفت فيها إنك ما زلت حيًّا كنتُ قد قررت أن أتكلم معك في موضوع الانفصال..
إختنق مؤمل بعبرته وهو يقول :
- ما الذي تنتظرينه إذن.. لماذا لا تطرحي الموضوع؟
قاطعته بالقول وقد سقطت دموعها من غير إرادتها :
- لا تفهمني خطأ أرجوك يا مؤمل!
خلال نطقها بهذه العبارة دخلت والدتها فجأة إلى الغرفة ورأت دموعها وهي تهمس بإسم "مؤمل" وتتوسل إليه أن يفهمها!
أخذت الأم المصدومة الهاتف من يد ابنتها ورمته بقوة على الأرض حتى تحول إلى حطام!
صرخت في وجهها :
- هل هذا جزاء تعب والديكِ ومحبتهم لكِ؟ هل هذا جزاء ثقتهم العمياء بكِ؟ ألم تفكري بسمعة أهلكِ وشرف عائلتكِ؟ ألم تفكري بأن الله يُمهل ولا يُهمل؟! ألم تفكري بأن هناك موت وآخرة وحساب وعقاب؟ هل نسيتي كل هذا؟
ما الذي حصل؟ ومن هذا الذي استطاع أن يضحك على عقلك هكذا؟
ثم كيف تكوّني علاقة مع شاب ولم يمضِ حتى عام واحد على وفاة خطيبك وإبن خالتك؟! إن لم يكن لديك احترام لدينك وأهلك احترمي روح ذلك الشاب على الأقل!! لقد كان مستعد أن يقتل نفسه لأجلك!
بكت الأم وهي تردد : ليت روحي صعدت إلى السماء قبل أن أراكِ تعصين ربك بهذا الشكل، وأنا التي كنت أظنكِ قوية الإيمان والعقيدة!
في تلك اللحظة كانت دعاء تتمنى أيضًا لو أنها ماتت ولا تتزعزع ثقة والدتها بها هكذا!
ثم ماذا تقول لها؟ هل ستصدقها لو أخبرتها بأنها كانت تتحدث مع خالد نفسه!
وهل سيرضى خطيبها أصلًا بأن تبوح بسره؟!
خرجت والدتها من الغرفة وتركتها وسط دموعها وغصتها، قالت وهي تضرب على وجهها بقوة :
- لستُ أنا من تكسر ثقتكم يا أمي! لستُ أنا من يضحك عليها أيَّا كان بسهولة، لستُ أنا من تعصي أمر ربها بهذه الوقاحة، لست من فتيات الشيطان يا أمي ، لقد تعبتم على تربيتي ولم أضيع تعبكم هباءًا منثورا..
ليتكِ تعلمين أنني كنتُ أتحدث مع خطيبي وزوجي شرعًا، ليتكِ تعلمين أن خالد لم يمت!
ليتكِ تعلمين أن مؤمل هو نفسه خالد!!
حاول مؤمل أن يتصل بها مِرارًا بعد انقطاع الاتصال في تلك الليلة لكن دون جدوى، استمر الحال ذلك لمدة خمسة أيام!! كانت تتمنى دعاء أن تلتقيه أو تسمع صوته، حتى شعرت بأن قواها قد ضعفت وقطعت عن نفسها الطعام والنوم، لقد كانت تريد أن تخبره بأنها ما عادت تريد الانفصال!
في ذلك الوقت كان مؤمل هو الآخر في دوامة من التفكير.. ماذا أصاب دعاء؟ لماذا انغلق خط هاتفها فجأة؟ هل هذه هي طريقة لتنهي علاقته بها بعد أن أخبرته بمشاعرها تجاهه منذ أول خطوبتهما!؟
ها هي الأيام تمضي وما من خبر عنها، لم تكن لديه القوة الكافية ليذهب إلى ميساء ويسأل عن دعاء، فهو ما زال يتوقع بأن أخته لا تعرف حقيقته!!
صار يدعو الله ليلًا ونهارًا أن يهيئ له من أمرهِ رَشَدا ..
قرر أخيرًا التحدث مع ميساء لكن كيف سيخبرها بالأمر؟ هل ستسامحه أن عرفت بأنه أخفي حقيقته عنها كل هذه الفترة في حين أنه اعترف لدعاء منذ أول لقاء؟
بقى مؤمل في حيرة وقلق ولم يكن لسانه يتوقف عن الدعاء والاستغفار لحظة واحدة حتى أثناء انشغاله بالعمل!
إلى أن جاءت ( غادة ) في ظهيرة أحد الأيام إلى المكتبة لترجع إليه الكتاب الذي استعارته منه قبل أسابيع..!
قالت بعد إلقاء التحية :
- لقد كان كتابًا رائعًا فعلًا، أعتذر لأنني تأخرت في إرجاعه فلقد أعدت قراءته أكثر من مرة، كما أريد أن  أعتذر عن أمرٍ ما..
قال مؤمل باستغراب : خير إن شاء الله!
قالت بخجل :
- هناك صورة لفتاة محجبة وجدتها في الكتاب، ولقد وسوس إليَّ الشيطان أن أعطيها لميساء.. لأوقع بينكما ليس أكثر!
فغر مؤمل فاهه واتسعت حدقتا عينيه وهو يستمع إلى صراحة غادة.. فتح الكتاب فوجد صورة دعاء!!
تذكر حينها أنه قد وضعها في هذا الكتاب عندما كان يقرأ فيه آخر مرة!!
قال بعد أن إتضح له كل شيء : لم تكن وسوسة شيطان يا أختاه، بل كان هذا تدبير إلهي لتعرف أختي كل شيء عن حقيقتي ..تلك الحقيقة التي لم أكن قادرًا على البوح بها!
قالت غادة وقد بدت جادة بكلامها :
- لم أفهم ما قلته ولا أريد أن أفهم لأني بعد أن قرأت هذا الكتاب قررت أن أترك الفضول وأن أترك الكثير من الصفات السلبية التي كنت اتصف بها.أردفت بعد أن خفضت رأسها خجلًا : كنت أظن بأنني أحببتك يومًا ما، لكني فهمت الآن وبمساعدة هذا  الكتاب بأن مشاعري تلك ما هي إلا نزوة جاءت بسبب الفراغ الذي كنت أعيشه وساعدني عدم غضي للبصر على مراقبتك وتتبع خطواتك أينما ذهبت .
خفضت رأسها أكثر وقد جرت دموع الندم على خديها وهي تقول :
- لم أكن صاحبة هدف في هذه الحياة لذلك حاولت إشغال وقتي معك بأي طريقة، أما الآن فلقد عاهدت الله أن أتغير نحو الأفضل.. وأن أعتني بدراستي ومستقبلي أكثر.. وأن التفت إلى ديني وآخرتي قبل فوات الأوان ، وأدعوه سبحانه أن يوفقني في كل ذلك.. استودعك الله يا أخي.
قام مؤمل من مكانه وقد وضع يده على صدره وأحنى رأسه لها بكل احترام ليوَّدعها فلقد بدت غادة فعلًا انسانة أخرى!!
نظر إلى الكتاب الذي أرجعته إليه قائلًا :
- سبحان الله! هذا الكتاب كان سببًا لهداية إنسانة غافلة، وقد صار سببًا رئيسيًا لمعرفة أهلي بحقيقتي!!
إذن لم يكن مجيء دعاء إلى الجامعة مجرد صدفة!
لقد جاءت بها ميساء بعد يوم واحد من اعطائي الكتاب لغادة ..كيف لم التفت إلى هذه النقطة؟!
وعند هذه اللحظة شعر بشوق كبير إلى أخته، إنها الآن تعرف حقيقته لكنها لم تخبره!!
اتجه نحو قاعتها الدراسية علَّه يجدها قبل أن تتهيأ للخروج من الجامعة، نظر إلى ساعته، ما يزال هناك وقت..
عندما وصل وجد أن الأستاذ ما يزال يلقي محاضرته مما اضطره للانتظار ربع ساعة تقريبًا..
وأخيرًا خرج الأستاذ وخرجت ميساء بعد الأستاذ مباشرة للالتحاق بخط السيارات الذي ينطلق في تمام الثانية ظهرًا.
كانت تنظر إلى ساعتها وتحرض صديقاتها على الإسراع .
لم تلاحظ وقوف مؤمل على مقربة منها، قالت إحدى صديقاتها وهي تنظر إليه :
- انظرن يا بنات.. أوليس هذا أمين المكتبة؟ ولكن لماذا ينظر إلى مجموعتنا هكذا؟
اتجهت ميساء نحوه وهي تحدث صديقاتها قائلة : انتظرن قليلًا، ثواني فقط!
وما أن اقتربت منه حتى ألقت التحية :
- السلام عليكم.
ردَّ مؤمل بابتسامةٍ عريضة :
- وعليكم السلام أيتها الأخت المخادعة!
تفاجأت ميساء من كلمات أخيها ولم تعرف بماذا تجيبه، فهل أفشت دعاء سرها!
أكمل والابتسامة ما تزال مرسومة على وجهه :
- يستطعن صديقاتك الذهاب وسأوصلك بنفسي إلى المنزل.
قالت ميساء بدهشة :
- ولكن! ماذا لديك يا أخ مؤمل؟
لمحت الدموع في عينيه وقد تحولت ابتسامته تلك إلى ملامح الحزن والأسى قال وقد تغيرت نبرة صوته :
- أختي الحبيبة ميساء!
صاحت ميساء ولم تصيطر على مشاعرها : خالد!
أخرج منديلًا من جيبه ليمسح دموعه قبل أن يراه أحد وهو يقول :
- بل مؤمل يا ميساء.. فـ " خالد" كان من الماضي!
جاءت إحدى الطالبات لتنادي على ميساء قائلة :
- ماذا حصل يا ميساء؟ هل ستتأخرين أكثر؟
قالت لها بفرح غامر : سيوصلني أخي خالد إلى المنزل.
نظرت إلى أخيها فوجدته خافضًا رأسه كمن ساءه الكلام ، فاستبدلت كلامها بالقول :
- عفوًا.. أقصد أخي مؤمل!
ابتعدت عنها صديقتها وهي تتمتم مع نفسها : لا أعرف ماذا دهاكِ هذه الفترة يا ميساء؟!
جلس مؤمل مع أخته في حديقة الجامعة قُرابة الساعة، وكان أكثر حديثه عن مشاعر الندم جرّاء ما عرفه عن ماضيه المؤلم، ولم ينسَ أن يتكلم لها عن مشاعره تجاه خطيبته وقلقه الشديد بسبب غيابها المفاجئ.
وعدته ميساء أن تتحرى أمر دعاء بنفسها، قال مؤمل وهو ينظر إلى ساعة يده :
-قد تكون أمّنا الآن قلقة عليكِ يا عزيزتي..
قالت ميساء بدهشة : الله! ما أجمل هذه الكلمة التي نطقتها يا أخي.. ( أمّنا) ..؟!
أردفت بشيء من الحيرة : لا أعرف كيف ستكون أثر الصدمة عليها حينما تعرف بأنك ما زلت حيا؟!
قال مؤمل وقد قام من مكانه :
- لا تستبقي الأحداث يا ميساء، فكل شيء يأتي في وقته.. هيا لأوصلك يا عزيزتي.
في عصر ذلك اليوم كانت ميساء عند دعاء لتستطلع أمرها خاصة بعد أن لاحظت انغلاق هاتفها فعلًا كما أخبرها مؤمل!
وهناك أخبرتها دعاء بكل ما حصل معها وكيف سمعتها والدتها وهي تهاتف خالد ليلًا!
قالت ميساء بجدية : يجب أن أتحدث معه غدًا ليضع حدَّا لكل ما يحدث، إلى متى يريد أن يستمر في إخفاء حقيقته؟!
قالت دعاء بحزن : لا تلوميه يا ميساء فإن خالد يخشى مواجهة العائلة وخاصة بعد أن علم بقسوته وسوء تصرفاته الماضيه مع جميع أفراد الأسرة!
قالت ميساء وهي تضغط على يد ابنة خالتها :
- يجب أن نساعده ونشجعه على كشف الحقيقة، لندعو الله أن يكون معه في مرحلة حياته القادمة.

وداعا أيها الماضي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن