وداعاأيها الماضي

185 15 0
                                    

#وداعًا_أيها_الماضي.. 18
بقلم : رويدة الدعمي
              عنوان الحلقة : ما أشدّ تقصيرنا؟!
وبعد ذلك يا ضياء يدعو الإمام السجاد عليه السلام بأن يُمكنّه الله مِن أداء بعض الحقوق لوالديه بقوله :
( اللهم خفّض لهما صوتي، وأطب لهما كلامي وألن لهما عريكتي واعطف عليهما قلبي، وصيّرني بهما رفيقًا وعليهما شفيقا) ..
وفي هذا المقطع من الدعاء الشريف يعلمنا صلوات الله عليه آداب التعامل مع الآباء، فيجب أن يكون صوتنا معهما منخفضًا ولا يعلو على أصواتهما أبدا، وأن يكون كلامنا معهما لطيفًا وطيبًا، وكما تعلم يا أخي بأن الله تعالى قد نهانا عن قول كلمة ( أف) لهما حيث أن هذه أقل كلمة يمكن أن تقال للوالدين في حالة الغضب، يقول تعالى ( فلا تقل لهما أفٍّ ولا تنهرهُما وقُل لهما قولًا كريمًا) سورة الإسراء - آية 23
ولقد قال الإمام الصادق عليه السلام إشارة منه لهذه الآية الكريمة : أدنى العقوق ( أف) ولو علم الله شيئًا أهون منه لنهى عنه! ( المصدر : البحار ج 74)
هل تعلم يا ضياء ما معنى هذا الحديث الشريف؟
- لا يا أخي!
- معناه انه لو كانت هناك كلمة أقلّ شِدّةً من هذه الكلمة وهي " أف" لنهى الله عنها أيضا!
انظر إلى كلمة " أف " من كم حرف تتكون؟
قال ضياء باهتمام :
- تتكون من حرفين!
- فإذا رجعنا إلى قول الأمام الصادق عليه السلام فسيكون المعنى أنه لو كانت هناك كلمة تتكون من حرف واحد وفيها شيء من الشدة لنهانا الله عن قولها للأبوين، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الله تعالى لا يقبل أن تُسمِع أبويك أي كلام جارح مهما كان قليلًا حتى لو كان من حرفين بل حتى لو كان من حرف واحد!!
بل يجب أن لا تنظر إليهما بِحدّة أو غضب وإن كانا ظالمين لك، فعن الإمام الصادق أيضًا قال ما مضمونه : مِنَ العقوق أن ينظر المرء إلى والديه فيحدّ النظر إليهما!
وكذلك قوله عليه السلام :" من نظر إلى أبويه نظر ماقت لهما وهما ظالمان له، فلن يقبل الله له صلاة!" ( نفس المصدر)
انظر يا أخي رحمك الله!
موقفك اليوم صباحًا مع أمّنا هل كان جائزًا عندما أسمعتها كل تلك الكلمات الجارحة وأنت تصيح في وجهها حتى علا صوتك فوق صوتها والله يعلم كيف كانت نظراتك لها مع كل تلك العصبية والغضب؟
قال ضياء محاولًا الدفاع عن نفسه :
- لكن أهلي ظالمين لي، وأنا دائمًا أقولها لأمي : إنكِ ظالمة!
- وأبي.. لماذا لا تقول له هذه الكلمات؟!
طأطأ ضياء رأسه وهو يقول :
- لأنني أخشاه!
قال مؤمل بألم :
- هل لأن الأم تعاملنا بلطف ومحبة وتحاول أن تكون لطيفة معنا دائمًا نستغلها هكذا ونستغل طيبتها وحنانها فنبدأ بالتضجر منها وإسماعها أقسى الكلمات ما إن امتنعت عن تأدية أحد طلباتنا! في حين أن الأب ولأنه شديد بعض الشيء وله سلطة علينا قد تصل إلى الضرب فإننا نخشاه ونهابه ونحترمه أكثر من الأم؟
لم ينبس ضياء ببنت شفة! أكمل مؤمل كلامه وقد حاول استعادة هدوءه :
- هل علمتَ الآن أنه حتى لو كان والداك ظالمين لك فلا يجوز أن ترفع صوتك عليهما بل لا يجوز أن تنظر إليهما بِحدّة؟ بل حتى لو كانا مشركين بالله!
صاح ضياء بدهشة :
- ماذا؟ حتى لو كانا مشركين؟!
- نعم يا حبيبي.. حتى لو كانا مشركين، فهذا إمامنا الرضا عليه السلام يقول ( بر الوالدين واجب وإن كانا مشركين... )
قاطعه ضياء بالقول :
- عجيب! وماذا لو طلبا مني أن أشرك بالله؟
أجابه مؤمل مبتسمًا :
- لم تدعني أكمل الحديث يا نور عيني!
قال ضياء بخجل :
- أكمل .. أكمل يا أخي
- فعندما قال الإمام الرضا عليه السلام : بر الوالدين واجب وإن كانا مشركين.. أكمل حديثه بالقول : ولا طاعة لهما في معصية الخالق!
وهذا يعني أننا يجب أن نطيعهما حتى لو كانا مشركين بالله بشرط أن تكون طاعتهما ضمن حدود طاعة الله سبحانه وتعالى..
فلقد قال تعالى في كتابه الكريم ( وإن جاهداك على أن تُشرك بي ما ليس لك به عِلم فلا تُطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفًا) سورة لقمان - آية 15
فانظر يا أخي رعاك الله كيف يُقدر الله الوالدين وإن كانا مشركين به!! بحيث يوصينا أن نصاحبهما بالمعروف في هذه الدنيا، فكيف إذا كانا مؤمنين به سبحانه؟ واي مكانة ستكون لهما حينها؟ حينها سيربط الله رضاه عنك برضاهما وهو قول رسوله الكريم ( من أرضى والديه فقد أرضى الله ومن أسخط والديه فقط أسخط الله).
نعود الآن إلى الدعاء ففي المقطع التالي يُعلمنا الإمام السجاد عليه السلام أن نشكر أبوينا دائمًا بل وأن ندعو الله أن يشكرهما نيابةً عنا!!
قال ضياء متعجبًا : وكيف يكون ذلك؟
أجابها مؤمل :
- قد لا نستطيع مهما قلنا لهما من كلام طيب ومهما عملنا لأجلهما من خير أن نشكرهما حق شكرهما فنلجأ حينها إلى الله تعالى بالدعاء لهما وذلك بقوله عليه السلام :
" اللهم اشكر لهما تربيتي، وأثبهما على تكرمتي، واحفظ لهما ما حفظاه مني في صغري "
ثم يقول عليه السلام :
" اللهم وما مسّهما مني من أذى أو خلص إليهما عني من مكروه، أو ضاع قبلي لهما من حق، فاجعله حِطّةً لذنوبهما، وعلّوًا في درجاتهما، وزيادةً في حسناتهما، يا مُبدّل السيئات بأضعافها من الحسنات".
وهنا يا ضياء يدعو الإمام عليه السلام بشيء عظيم للأبوين يعلمنا من خلاله أن نحاول دائما تجنب آذاهما فهو يقول " ما مسّهما مني من أذى.." فهل تعتقد بإن الإمام السجاد عليه السلام وهو الإمام المعصوم من أي خطأ أو زلل قد بدر منه في يوم من الأيام أي عمل آذى فيه والديه؟
قال ضياء بثقة : طبعًا لا!
فسأله مؤمل :
- إذن لماذا برأيك يدعو عليه السلام بهذا المقطع؟
- أظنه فعلًا يا مؤمل يريد أن يعلمنا من خلال هذه الكلمات درسًا عظيمًا في عدم مس الأبوين بأذى!
هزّ مؤمل رأسه بالإيجاب قائلًا :
- أحسنت .. وإن حدث ومسّهما ذلك الأذى منا بسبب الشيطان والنفس الإمارة بالسوء وقد يكون عن قصد أو غير قصد فيجب حينها ما أن نعرف حقيقة خطأنا أن نبادر إلى الاعتذار إلى الله أولًا ،ثم الاعتذار إليهما ثانيًا.. ثم الدعاء لهما بما دعا الإمام السجاد لأبويه في المقطع السابق بأن يجعل الله تلك الإساءة وذلك الأذى والعمل المكروه والسيء الذي بدر منا تجاههما أن يجعله الله ثوابًا لهما ويبدله من سيئة في صحيفتي إلى حسنةً في صحيفتهما!
ثم ينتقل عليه السلام إلى الحالة العكسية، أي إذا كان أبواه قد ضيّعا حقًا من حقوقه أو قصّرا في واجب من واجباتهما تجاهه، فيطلب منه سبحانه أن يغفر لهما ذلك التقصير وأن لا يحاسبهما عليه، وذلك بقوله في المقطع التالي من الدعاء ( اللهم وما تعديا عليَّ فيه من قول، أو أسرفا عليَّ فيه من فعل أو ضيعاه لي من حق أو قصرا بي عنه من واجب ، فقد وهبته وجدتُ به عليهما ورغبتُ إليك في وضع تبعته عنهما، فإني لا أتهمهما على نفسي ولا استبطئهما في بري ولا أكره ما تولياه من أمري..)
وهنا يتضح لنا بأن الإمام عليه السلام يعلمنا أن لا نتهم الآباء والأمهات بالتقصير مهما بدر منهم بل وأن نغفر لهم كل ذلك وأن ندعو الله أن لا يؤاخذهما على ما ضيعاه لنا من حقوق.. هل تعلم لماذا يدعو الإمام بكل ذلك؟
قال ضياء مستغربًا :
- لا.. لا أعلم!
- استمع إلى المقطع التالي وستعرف!
" يا رب فهما أوجب حقًا عليَّ، وأقدم إحسانًا إلي، وأعظم مِنّةً لديَّ ...
أين إذًا يا إلهي طول شغلهما بتربيتي، وأين شدّة تعبهما في حراستي، وأين إقتارهما على أنفسهما للتوسعةِ عليَّ..؟؟ "
وهنا لمح مؤمل الدموع في عيني أخيه الأصغر وهو يستمع إلى تلك الكلمات النورانية..
قال مؤمل موجهًا كلامه لضياء :
- ها.. يا نور عيني؟ أراك غير محتاج لتفسير هذا المقطع من الدعاء؟
قال ضياء وهو يمسح دموعه : ما أشدّ تقصيرنا مع أبوينا يا أخي؟!!

وداعا أيها الماضي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن