وداعا أيها الماضي

264 18 1
                                    

#وداعًا_أيها_الماضي.. 8
بقلم : رويدة الدعمي
           عنوان الحلقة : الاقتراب من الحقيقة
مضت الأيام والأسابيع طويلة على مؤمل وهو ينتظر قدوم اللحظة التي يتمكن فيها من رؤية والديه وبقية أفراد عائلته .. كان الزمن يسير كأفعى رُبِطت بأثقال وسلاسل وهي تسير على الأحجار والصخور!
خلال هذه الفترة كانت غادة تتردد على المكتبة وتتحين الفرص للتحدث معه في حين أنه لم يكن يُظهِر لها أي علامة من علامات الارتياح!
أما ميساء فلقد كانت تتردد هي الأخرى للمكتبة كلما دفعها الشوق والحنين لرؤية وجه أخيها الراحل.
كانت غادة ومن خلال مراقبتها المستمرة لمؤمل تلاحظ تردد ميساء على ذلك المكان دون حاجة لديها، فهي قد تدخل لتُسلّم على مؤمل وتخرج!
وللغيرة والحسد الذين كانت تكنهما هذه الفتاة لميساء ، وكذلك لمشاعر الإعجاب التي كانت تُظهرها لمؤمل فإنها قررت أن توقع بينهما وبشتى الطرق!
ففي إحدى المرات وبينما كان ذلك الفتى سامر يحاول التقرب إلى ميساء، اتجهت غادة مسرعة نحو المكتبة لتخبر مؤمل بما رأت فلقد حسبت أن هذه فرصتها الذهبية!
دخلت المكتبة مسرعة ومن دون أي مقدمات اتجهت نحو مؤمل وهي تقول :
- تعال معي يا مؤمل فالأمر لا يحتمل التأجيل!
قام مؤمل من مكانه فزعًا بعد أن ظن بأن أخته قد أصابها مكروه، قال بتوتر :
- هل أصابها شيء ؟ أخبريني ما بها ميساء؟
أجابت بمكر :
- لا لن يصبها شيء ، هيا معي لتراها مع من تتحدث؟
قال مؤمل وقد استعاد شيئًا من هدوءه :
- مع سامر.. صحيح؟
- إمضِ معي يا مؤمل لترى بعينك!
خرج مؤمل معها بعد أن أخبر مساعده بأنه لن يتأخر إلا بضع دقائق، إنطلق الإثنان نحو المكان الذي يجمع ميساء بسامر ، وهناك رأى مؤمل ما لم يحتمل رؤيته..
ميساء تحاول المرور وسامر يعترض طريقها بوقاحة!
اتجه راكضًا نحوهما وبدون وعي دفع ميساء جانبًا ليسحب سامر من قميصه ويعطيه ضربة في صدره توقعه أرضًا!
وقبل أن يقوم سامر من الأرض جلس مؤمل على صدره ليشبعه لكمات وهو يصرخ : لماذا تقف في طريقها أيها الأحمق؟ ما الذي تريده منها؟ هيا أجب!
كانت ميساء تراقب هذا المنظر وقد هالها ما شاهدته!
هل نفض أخوها خالد تراب قبره وجاء ليخلصها من ذلك الوحش سامر؟!
إنه خالد! لا يمكن أن تصدق غير هذه الحقيقة!
تذكرت في تلك اللحظات كيف كان خالد يجلس على صدر أخيه الأصغر ضياء ليشبعه لكمات عندما يتشاجران كما يفعل الآن مع سامر بالضبط!
قطعت هذه الذكريات صرخة أطلقتها غادة وهي تنادي :
- أرجوك يا مؤمل كفى! سيموت الرجل بين يديك!
قام مؤمل من على صدر سامر وهو يقول بعصبية :
- هذا ليس رجلًا! إنه من أشباه الرجال الذين ليس لديهم غيرة ولا شرف!
ثم أدار بصره نحو ميساء التي كانت تقف بالمقربة منه وقد غسلت الدموع وجهها الملائكي.. قال بشيء من الهدوء :
- وأنتِ يا ميساء.. أليس من حقي أن أعتب عليكِ لأنكِ لم تخبريني بإساءة هذا القذر ..؟!
ثم نظر بحدّة لذلك الفتى الذي ما يزال مطروحًا على الأرض والدماء تجري من أنفه وفمه :
- أما أنت فإن رأيتك مرة أخرى تحاول المساس بأختي فانتظر مني ما هو أقوى! لن أجعلك تنام ليلتها في المشفى، لا أبدًا..! لأنني سأجعلك تتوسد تراب قبرك.
أعاد مؤمل ترتيب ملابسه، ثم اتجه نحو المكتبة تاركًا الثلاثة خلفه ..كلٌ في همه وحيرته.
تصنعت غادة " اللاأدرية" في كل ما جرى، في حين كان في داخلها الف سؤال وسؤال، وميساء المسكينة كانت حائرة أيضًا فهل تستمر في التصديق بأن مؤمل ليس نفسه خالد!
أما سامر فقد اتجه إليه بعض الطلاب محاولين إيقافه على قدميه، بينما قامت غادة بتقديم قطعة منديل إليه ليمسح بها جراحه في محاولة منها للتكفير عن خطأها ،أخذ المنديل وهو ينظر إلى مؤمل ويتمتم: سأنال منك أيها الوغد!
*****
في صباح اليوم التالي اتجهت غادة إلى المكتبة لتلتقي بمؤمل لعله يشرح لها أسباب فعلته ظهيرة يوم أمس!
في طريقها إلى المكتبة دارت في بالها الكثير من الأسئلة التي كانت تتمنى أن تطرحها شخصيًا على مؤمل : ما الذي يشده هكذا للدفاع عن ميساء وعن سمعتها؟ لماذا قال لسامر ( إن رأيتك مرة أخرى تحاول المساس بأختي...)؟
هل فعلًا أن مؤمل لا ينظر لميساء إلا كأنها أخته ؟ وهل أنه سيتصرف نفس الشيء مع أي فتاة في الجامعة إن تعرضت لنفس موقف ميساء ظهيرة أمس؟!!
وصلت المكتبة، وما أن دخلت حتى ألقت التحية ثم بادرت مؤمل بالسؤال :
- هل لي أن أعرف ما الذي دفعك أن تفعل بسامر ما فعلته؟!
تحدث مع نفسه : إلهي متى تخلصني من فضول هذه الفتاة؟
قال وهو ما يزال مُكبًّا على الكتابة في أحد سجلات المكتبة :
- كان ذلك قليلًا بحقه.
- هل تعرف بأنه اليوم لم يأتِ للدوام؟
- وما شأني به؟
- أظنك آذيته كثيرًا.. فضرباتك كانت موجعة!
قال بثقة بعد أن رفع رأسه نحوها :
- هذا مصير كل من يحاول مضايقة أختي.
قالت بعد أن شعرت بأنه لن يبوح لها بأي شيء حول علاقته بميساء :
- والآن يا مؤمل.. اتركنا مما حدث البارحة، هل لي أن أطلب منك ذلك الكتاب الذي كنت تقرأ فيه الأسبوع الماضي؟
- وما كان اسمه؟
- لا أتذكر بالضبط أعتقد ( كل ما يحتاجه الشباب) أو عنوان شبيه بهذا المضمون.
- آه نعم تذكرت.. إنه من الكتب الشخصية التي أحضرها معي من المنزل، إن كنتِ تريدينه جلبته لكِ يوم غد.
قالت بشيء من البرود :
- نعم.. أرجو ذلك.
وبعد أن ودّعته وخرجت من المكتبة تساءل مع نفسه :
- عجبًا! لأول مرة تطلب مني كتابًا دينيًا لتقرأه! أتمنى لها الهداية من كل قلبي.
*********
في اليوم التالي أحضر مؤمل الكتاب معه وما كان من غادة إلا أن تأتي على وجه السرعة لتأخذ الكتاب وترحل، وصلت إلى البيت وما أن استلقت على السرير لتستريح حتى مدَّت يدها إلى حقيبتها اليدوية، أخرجت الكتاب وبدأت تقلب صفحاته.. ولكن ماذا ترى؟!
إنها صورة لفتاة!! من تكون يا ترى؟ وهل يدري مؤمل بوجود هذه الصورة في هذا الكتاب؟
قضت غادة ليلتها تلك بالتفكير في أمر الصورة مما جعلها تغض النظر عن فكرة قراءة ولو صفحة واحدة من ذلك الكتاب!
إنها مشغولة الآن في معرفة من تكون صاحبة هذه الصورة، لقد حاولت أن تقترب أكثر من مؤمل بطلبها للكتاب فهي تريد استمالة قلبه بأي طريقة وظنت بأنها ستنجح إن أقنعته بحبها للقراءة واهتمامها بالهواية التي يحبها هو!
لكنها الآن تشعر بابتعاده أكثر عنها، فبعد قصة ميساء جاءت قصة هذه الفتاة صاحبة الصورة!
تساءلت مع نفسها : إن كانت لمؤمل حبيبة جميلة كهذه فما شأنه بميساء؟!
فكرت أن تسأل مؤمل شخصيًا عن صاحبة الصورة لكن فجأة.. خطرت في بالها فكرة!
تحدثت مع نفسها مرة أخرى : سأجعل هذه الصورة الورقة الرابحة التي من خلالها يمكنني إنهاء أي علاقة بين ميساء ومؤمل!
لم تنتظر غادة عدة أيام لتنفيذ خطتها بل مباشرة وفي اليوم التالي اتجهت نحو ميساء وهناك طلبت منها أن تخصص لها من وقتها بضع دقائق وما كان من الأخيرة إلا أن تلبي الدعوة برحابة صدر..
أخرجت غادة الصورة من حقيبتها ومدّت يدها لميساء لتعطيها إياها وهي تقول :
- انظري يا عزيزتي.. إن مؤمل أمين المكتبة مغرم بصاحبة هذه الصورة..
صُدمت ميساء وهي تنظر إلى صورة " دعاء " إبنة خالتها..!

وداعا أيها الماضي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن