وداعا أيها الماضي 5

261 21 2
                                    

#وداعًا_أيها_الماضي.. 5
بقلم : رويدة الدعمي
                 عنوان الحلقة : الأخت المشتاقة
وفي الصباح من اليوم التالي اتجه مؤمل مع الأستاذ أحمد بسيارته إلى الجامعة وقد قضى أصعب ليلة في حياته بعد ذلك الحادث!
لقد قضى ليلته بالتفكير بما سينصعه هذا اليوم مع ميساء.. وكيف سيلتقي بها ليسألها عن أخيها؟ هل ستصدق بأنه ليس خالد! هل سيجيد الكذب رغم أنه لم يجربه منذ أن وعى على هذه الحياة الجديدة؟ هل سيساعده الله في خطته التي قرر تنفيذها اليوم.. هل.. هل.. هل؟؟؟
صاح أحمد في وجهه : ما بك يا فتى؟ لماذا لا تنزل من السيارة؟ هل تريد البقاء فيها إلى نهاية الدوام!!
- ماذا؟ وهل وصلنا!
- وماذا تنظر أمامك؟
- آه فعلًا.. اعذرني فكري مشغول بعض الشيء.
قال أحمد وهو يقفل أبواب السيارة :
- كان الله في عونك يا ولدي.
اتجه الإثنان كل إلى عمله وهما يفكران بما سيجري في هذا اليوم من أحداث!
دخل مؤمل المكتبة واتجه مباشرة إلى عمله اليومي في تفقد أغراض المكتبة وترتيب اثاثها قبل أن تمتلأ بعد ساعة بالطلاب!
ثم اتجه إلى مكتبه الخاص وقبل الجلوس خلف ذلك المكتب لمح خيال لفتاة تقف بالقرب من الباب ، ارتبك قليلًا فقد تكون هذه أخته جاءت تتأكد من وجوده! لكن الوقت ما زال مبكرًا على دخول الطلبة؟ هل تريد إستغلال عدم وجود الطلاب لتتحدث مع شبيه أخيها الراحل؟!
قطع على نفسه سلسلة الأسئلة التي لا تنتهي، قرر الإتجاه نحو الباب بعد أن رأى أن وقوفها قد طال هناك.. وما أن وصل حتى تيقن من أنها أخته ميساء!
قال بصوتٍ مرتجف : تفضلي.. أختي.. هل من خدمة؟
نظرت إليه بعيون اتعبها السهر والبكاء، قالت متوسلة :
- أرجوك أخبرني! هل أنت أخي خالد؟
حاول مؤمل أن يمسك مشاعره قبل أن تفضحه دموعه، قال بأدب :
- أنا لا أعرف شخصًا بهذا الاسم من قبل! أرجوكِ تفضلي لنتكلم قليلًا فوقوفنا هنا غير لائق!
اتجهت ميساء نحو الداخل وقد بدى الخوف والاضطراب واضحين على ملامحها..
قالت وهي تهم بالجلوس على أحد الكراسي :
- هل تصدق بأنني أول من دخل الجامعة لهذا اليوم!
لم أجد أحدًا قد دخل قبلي غير عُمال الخدمة! لقد انتظرت مجيئك منذ الصباح الباكر فقط لاتأكد هل أنا في حلم أم حقيقة!
لم أنم ليلة أمس صدقني يا خالد!
قال مؤمل وهو يهم بالجلوس : أرجوكِ .. اسمي مؤمل!
قالت ودموعها قد عادت للهطول مجددًا :
- مستحيل أن يكون الشبه بينكما هكذا! حتى في الصوت؟
- لكن من يكون خالد يا ترى؟ وأين هو الآن؟
قالت وقد أُسقط في يدها :
- أنه أخي.. لقد مات منذ أشهر..
- وكيف مات؟
- حادث سيارة، اتصل بنا موظف الطب العدلي وأخبرنا بأنهم وجدوا جثته محروقة داخل السيارة التي انفجرت أثناء وقوعها من أعلى الجبل في جوٍ ماطر!
قام مؤمل من مكانه.. وهو يحاول أن يمنع ميساء من رؤية دموعه التي صارت تتطافر من عينيه رغمًا عنه!
قال وقد أعرض بوجهه عنها :
- أنا آسف جدًا.. فلقد جددتُ عليكِ مصابكِ بأخيك!
- لا أبدًا.. لا تعتذر .. لكن هل تعرف شيء؟
- كنت أشعر دائمًا في قرارة نفسي بأن خالد لم يمت، وبأنني سأراه يومًا ما وأتكلم معه كما أتكلم معك الآن!
قال وهو ما يزال يعرض بوجهه عنها وقد اصطنع أنه يبحث عن أحد الكتب بين الرفوف :
- وهل كانت علاقتكِ به جيدة؟ يعني هل كان أخوكِ محبوبًا إلى هذه الدرجة بحيث إنكِ لا تُصدقين خبر موته؟!
صمتت ميساء قليلًا، أدار وجهه نحوها ليقرأ الجواب في تعابير وجهها الملائكي..
واخيرًا قالت بعد حسرةٍ طويلة :
- سامحهُ الله كان قاسيًا جدًا، معنا جميعا!
كانت هذه الإجابة بمثابة ضربة قاصمة لظهر مؤمل جعلته يوقع الكتاب من يديه، انحنى أرضًا لرفع الكتاب وهو يردد : لا حول ولا قوة إلا بالله!
قامت ميساء من مكانها وهي تقول :
- أظن أنني بدأت أصدق الآن بأنك لست أخي!
وبحركة سريعة التفت مؤمل نحوها وهو يقول :
- وكيف ذلك؟
قالت بشيء من الثقة الممتزجة بالحزن والأسى :
- لم يكن خالد ذاكرًا لله في كلامه أو تصرفاته أبدًا!
لم تلاحظ ميساء التغير الكبير الذي طرأ على ملامح مؤمل، أكملت وقد استعدت للرحيل :
مسبحتك التي في يدك، وجملتك التي رددتها عند رفعك للكتاب عن الأرض، كما أنك شخص تظهر عليه سيماء الصالحين، كل هذه الأمور تجعلني أصدق بأنك لست خالد أبدًا!!
- ولكن هل يمكن أن توضحي أكثر!
- قلت لك يا أخي.. ان خالد كان لا يأتي ذكر " الله" على لسانه فكيف يحمل الآن مسبحة ويردد عبارة لا حول ولا قوة الا بالله؟
- ولكن لماذا لم.. لم يكن ذاكرًا لله؟!
- لأنه كان مُلحدًا..!
قالت جملتها هذه وابتعدت عنه حتى لا يرى دموعها مرة أخرى!
صاح مؤمل خلفها :
- لكن انتظري أرجوكِ ، ما الذي يؤكد كلامك هذا؟ كيف عرفتِ أن أخاكِ كان ملحدًا؟
قالت وقد تعجبت من اهتمامه الشديد :
- كان كثير التشكيك بوجود الخالق، وعندما أحاول أن أدخل معه في نقاش حول وجود الله سبحانه وتعالى كان..
- كان ماذا؟ اكملي!- كان يضربني ويقسو علي كثيرًا، وأذكر أنه في آخر مرة هدّدني إن فتحتُ معه هذا الموضوع فسيقتلني!
خرجت ميساء من المكتبة وقد تركت مؤمل غارقًا بدموعه، جلس خلف مكتبه، اخفى وجهه بين كفيه وهو يردد : رحماك يا الله.. العفو.. العفو.. العفو!
***********
في الظهيرة عادت ميساء مع صديقاتها لاستعارة بعض الكتب، قال لها مؤمل وهو يعطيها الكتاب :
- اسمعي يا ميساء تستطيعي منذ الآن أن تعتبريني أخًا لكِ بدل أخيكِ الراحل " رحمه الله" وسأكون لك نِعم العون والسند بعد الله سبحانه وتعالى.
قالت ميساء وقد خفضت رأسها خجلًا :
-اسمح لي أن أسألك أخي مؤمل : هل لديك أخت؟
قال مؤمل مبتسمًا : نعم.. ولماذا تسألين؟
قالت بكل صدق وقد دمعت عيناها :
- هنيئا لأختك على امتلاكها مثل هذا الأخ، أشكرك على كل شيء واعذرني لأني صباحًا قد أثقلتُ عليك بسماع قصتي المؤلمة.. وداعًا.
وقف مؤمل مودعًا لها، في الوقت الذي تمنى لو يمد لها يده ويخبرها بحقيقة أمره ويعتذر منها عن كل ما كان يصدر منه تجاهها في سنوات حياته الماضية.

وداعا أيها الماضي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن