#وداعًا_أيها_الماضي.. 7
بقلم :رويدة الدعمي
عنوان الحلقة : غادة والحقيقة!
قال لها أخيرًا بعد أن لاحظ نظرات الفضول والاستغراب من الطلبة :
- لا أظن أن المكان أصبح مناسبًا لإتمام الحديث يا ميساء.. وخاصة أنه ما زال لدي ما أقوله لكِ، فهل يمكنكِ مرافقتي إلى نادي الجامعة؟
قالت بثقة :
- اعذرني يا مؤمل.. فأنا لا أرتاد هذه الأماكن إلا للضرورة القصوى .
شعر بالخجل والفخر معًا، فشعوره بالخجل كان نابعًا من إحساسه بالمسؤولية تجاه أخته فكيف يأخذها إلى مكان قد يأتي بالسمعة السيئة لها خاصة إن كانت برفقة شاب غريب كما هو الظاهر!
أما شعوره بالفخر فكان لِما رأى في أخته الوحيدة من حياء وعفة تمنعانها من إرتياد أماكن غير لائقة بالفتيات الملتزمات.
قال لها بعد صمتٍ قليل :
- ولكني أريد محادثتك بخصوص..
- بخصوص ماذا؟
- بخصوص خالد.
- ولكن ما الذي تريد أن تقوله بخصوص أخي رحمه الله؟!
- أتمنى أن أعرف طبيعة علاقته مع الناس.. هل كان ظالمًا لهم؟ أم كان مسالمًا طيبا؟
- ولكن عجيب أمرك يا مؤمل! فما الذي يشدك هكذا لمعرفة ماضي أخي؟!
قال وهو يخفي دموعه :
- منذ أن تحدثنا عنه في المرة الأخيرة وخياله لا يريد مفارقتي.. في كل لحظة يتراءى أمامي وكأنه يقول لي : حقوق الله والناس قد أثقلت ظهري!
تفاجأت ميساء من هذا الكلام وشعرت بصدق مؤمل فقالت بلهفة : وماذا نفعل برأيك؟
شجعه تفاعلها هذا على المواصلة قائلا :
- أنتِ فقط أخبريني بحقيقة كل شيء والباقي اتركيه علي! أصدقيني القول يا ميساء .. هل كان خالد ظالمًا للناس؟ وهل فعلًا كانت للناس عليه حقوق لم يكن يؤديها إليهم؟!
أجابت ميساء وهي تنظر للماضي القريب :
- نعم.. وأول هؤلاء الناس أبي وأمي .
أردفت ولم تكن تعلم بأن كلماتها كانت تنزل كطعن السكين في قلب مؤمل :
- لقد كان خالد - سامحه الله - لا يحترم والدينا ولا يؤدي لهما حقًا.. حتى أن أبي كان يدعو عليه كثيرًا وفي بعض الأحيان كان يطرده من المنزل، فيضطر حينها للنوم عند بعض أصدقائه.
أما أمي المسكينة فكانت تدعو له بالهداية والعودة إلى طريق الله.. رغم أنه كان يقسو عليها ويهينها في أغلب الأحيان!
صُعِق مؤمل لسماع هذه الحقائق عن ماضيه الأسود، تساءل بكلماتٍ متقطعة ترتجف في لسانه :
- يقسو عليها! يهينها!
- نعم يا مؤمل.. فكلما كانت تتكلم معه حول الصلاة أو ترك أصدقاء السوء كان لا يجد وسيلة لإسكاتها إلا إهانتها بأبشع الكلمات! ولذلك كان أبي يطرده من المنزل، ويدعو عليه بالموت والهلاك.. وللأسف فقد استجاب الله دعاء أبي ولم يستجب دعاء أمي المسكينة التي كانت ما تفتأ تدعو له بالهداية والصلاح.
قال مؤمل في نفسه بعد أن خنقته غصة الألم والحسرة: بالعكس يا ميساء.. ليتك تعلمين بأن الله استجاب دعوة الأم المسكينة، ليتك تعلمين بأن الذي يقف أمامكِ الآن هو نفسه ذلك الأخ الظالم الذي تتحدثين عنه!
قطعت ميساء على مؤمل سلسلة أمنياته هذه بصوتها الشجي وهي تقول :
- لقد تأخر الوقت كثيرًا يا مؤمل.. وحتمًا أن أمي الآن قلقة عليَّ، أستميحك عذرًا ، وأرجو أن لا تقصر بالدعاء لأخي المرحوم فأنا على يقين بأنه الآن بحاجة إلى دعاء إنسان مؤمن مثلك وإلا لما تراءى لك طيفه بهذا الشكل!
قال لها مؤمل بعد أن تأكد بأن الوقت قد تأخر فعلًا :
- أرجو أن توصلي سلامي للوالدة.. قبّليها في جبينها - نيابة عن خالد - وأخبريها بأنه محتاج إلى دعاءها وغفرانها، وبأن الله لن يغفر له حتى تغفر هي له كل ما اقترفها بحقها، وكذلك أوصلي أحر السلام وأصدق القبلات للوالد وقولي له نفس الشيء، فصدقيني يا ميساء لن يرتاح خالد ما دام والداك غير راضيين عنه.
قالت ميساء وهي متعجبة من كل هذا الاهتمام بقضية أخيها :
- سأوصل سلامك يا مؤمل.. ودمت لوالديك عزًّا وفخرًا، هنيئًا لهما بهذا الابن البار.
وبينما بدأت ميساء بالابتعاد وهي تتجه نحو باب الجامعة للخروج قال مؤمل بصوت كئيب :
- بل قولي الابن العاق!
وبعد أن تأكد مؤمل من خروج اخته من الجامعة، جلس على إحدى مصطبات الحديقة ساندًا ذراعيه على ركبتيه وقد ضم وجهه بين راحتيه، وأطلق العنان لدموعه التي تساقطت صرعى تحت قوة الألم والحسرة والندامة.
وبعد ليلة عصيبة قضاها مؤمل بالدعاء والتضرع إلى الله بالمغفرة والعفو.. اتجه صباحًا إلى الجامعة وما أن دخل المكتبة حتى تذكر تلك الفتاة الفضولية التي التقى بها يوم أمس بالقرب من شعبة أخته ميساء، قال في نفسه : هل ستأتي هذه الفتاة اليوم كما أخبرتني؟
ولم تمضِ إلا ساعة حتى دخلت تلك الفتاة المكتبة واتجهت نحو مؤمل الذي كان مشغولًا بقراءة أحد الكتب، قالت :
- صباح الخير!
فأجابها بعد أن رفع رأسه :
- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
تحدثت بغنج ودلال قائلة :
- ألا تقل لي تفضلي بالجلوس؟!
ردَّ عليها بأدب:
- بلى بلى تفضلي!
قالت بعد صمت قليل :
- سألتني يوم أمس عن ميساء وما علاقتها بسامر.. صح؟!
- نعم صحيح..
- لن أخبرك إلا حينما تخبرني أنت عن طبيعة علاقتك بميساء!
- أنها أختي.
- لا تضحك علي بهذه التوافه.. هل أنت معجب بها؟!
- لا أعرف لماذا لا تريدين تصديقي يا أخت... عفوًا لم أتعرف على اسمك؟
أجابت بسرعة :
- اسمي غادة!
- نعم يا أخت غادة صدقيني أن الآنسة ميساء هي أختي لذلك أنا الآن ألحُّ عليكِ لمعرفة حقيقة ما قلته يوم أمس عن الشاب سامر؟
- حسنًا إنه يحبها وأرسل مجموعة من الفتيات للتحدث معها، لكنها رفضت!
- رفضت ماذا؟ العلاقة أم الخطبة؟
- الاثنين معا!
- ألا تعرفين السبب؟
- لا.. لا أعرف.
- عفوًا مؤمل.. هل لي بمعرفة رقم هاتفك؟
- وبماذا يهمك رقم هاتفي؟
- لا أعرف فقد أحتاجه يومًا ما!
قال وقد عرف طبيعة هذه الفتاة وميولاتها الشيطانية :
- حسنًا سأعطيك إياه لاحقا! والآن هل أخبرتني كيف يمكن لي أن أتعرف على سامر؟
لوت غادة شفتيها بانزعاج وهي تتكلم مع نفسها :
- أنه يستخدمني كوسيلة للتقرب إلى ميساء ليس أكثر، وإن يكن! سأكون شريكته في هذه اللعبة لأعرف نهايتها المجهولة!
قال مؤمل وقد عرف بفطنته ما يدور في نفسها:
- هل ستساعدينني في ذلك أم أتجه لشخص آخر؟
قالت بخبث :
- تعال معي الآن لأعرفك عليه.
وما كان منه إلا مرافقتها إلى حيث سامر، أخذته إلى نادي الجامعة وأشارت إلى مجموعة من الفتيات وقد التففن حول شاب أخرق تبدو على وجهه ملامح الأنوثة أكثر من الرجولة!!
قالت بسخرية :
- أنه هناك.. ذاك الذي يضحك بصوتٍ عال!
قال وقد تطافرت شرارات الغضب من عينيه :
- سبحان الله! يلهو مع فتيات الشيطان ثم عندما يقرر الزواج يتجه نحو العفيفات الملتزمات!!
دهشت غادة من منطق مؤمل في تحليل هذا الموقف!
قالت وقد أخذت حسرة طويلة :
- ليس سامر من يفعل هذا الأمر بل أكثر الشباب للأسف!
خرج مؤمل من النادي بعد أن أزعجه صوت الغناء والمشاهد المؤسفة لشباب وفتيات باعوا أنفسهم للشيطان بسهولة.
قالت وهي تحاول أن تبقى معه أكثر فترة ممكنة :
- هل يعني هذا إنك ترفض العلاقات العاطفية؟
أجابها بثقة : أرفضها جملةً وتفصيلا!
وقفت فجأة فالتفتَ نحوها وهو يقول : هل حدث شيء؟
قالت بحزن وقد لاح اليأس على وجهها :
- يجب أن أبتعد عنك فلا جدوى من "حب من طرف واحد"!
إحمرَّ لون وجهه لصراحتها، قال وهو يطأطأ رأسه أرضًا :
- أعتذر لأني خيبت ظنكِ، وداعًا أختاه.
أكمل طريقه نحو المكتبة وهو يتساءل مع نفسه : أنا أؤمن بأن كل ما يمر بنا هو لحكمة قد نجهلها وقد تظهر لنا لاحقًا، اتمنى لو أعرف ما هي الحكمة من تعلق هذه الفتاة بي بهذا الشكل الغريب؟!
الظاهر إنها تراقبني منذ أول يوم حطت به قدماي أرض الجامعة!!
وصل إلى المكتبة وكانت خالية من الطلاب وضع رأسه على المكتب الذي أمامه وصار يفكر في أمر غادة.. قال أخيرًا : قد يكون هذا اختبار من الله لي، ليرى هل أتبع طريق الهوى والشيطان أم أبقى متمسكًا بمبادئي وأخلاقي؟
لم يكن مؤمل يعلم أن هناك حكمة أخرى من دخول غادة في حياته فجأة، فمن أين له أن يعلم بأن هذه الفتاة ستكون عن قريب سببًا في كشف حقيقته الكاملة لأهله!