وداعا أيها الماضي

241 17 0
                                    

#وداعًا_أيها_الماضي.. 9
بقلم : رويدة الدعمي
               عنوان الحلقة : صاحبة الصورة
صدمت ميساء وهي تنظر إلى صورة " دعاء " إبنة خالتها وخطيبة أخيها الراحل..!
قالت بعد صمت قليل :
- ما الذي أتى بهذه الصورة عندكِ يا غادة؟ وما علاقة مؤمل بها؟
قالت غادة بكل ثقة :
- لقد وجدتها في كتابهِ! وقررتُ أن أطلعكِ على أمرها لتعرفي حقيقة مشاعر ذلك الشاب.
شعرت ميساء بالدوار، أعادت السؤال مرة أخرى وهي تمسك بيد غادة وترتجف :
- أقسم عليكِ يا غادة أن تخبريني الحقيقة.. أين وجدتِ هذه الصورة؟
قالت غادة بعد أن شعرت بأن هناك سر خطير في الموضوع :
- أقسم بالله على صحة كلامي يا ميساء، لقد طلبتُ الكتاب من مؤمل لأقرأ فيه فقال إنه كتابه الشخصي وقد أحضره لي من منزله، وما أن فتحتُ الكتاب حتى وجدتُ هذه الصورة بين طيّاته!
قامت ميساء من مكانها وهي تحمل الصورة وتقول :
- هل أستطيع أخذ الصورة معي؟ وسأعيدها لكِ بعد يوم أو يومين.
قالت غادة بارتباك :
- لكن بشرط.
- وما هو؟
- أن لا يعلم مؤمل بأمرها.. بتاتًا!
- أعدكِ بذلك.
عادت ميساء إلى المنزل وفي فكرها تدور عشرات الأسئلة : من أين أتى مؤمل بصورة دعاء ؟
وهل تعلم دعاء شيئًا عن هذه الصورة؟ ومنذ متى فقدتها؟ وما حقيقة علاقة مؤمل بدعاء؟!
وفي طريق العودة أخرجت هاتفها المحمول واتصلت بدعاء وطلبت منها الحضور إلى منزلهم بأسرع وقت.
في عصر ذلك اليوم كانت دعاء مع والدتها عندهم، اصطحبت ميساء ابنة خالتها إلى غرفتها بعد أن تركت كل من والدتها وخالتها تتحدثان في أمور الحياة.
وما أن دخلت دعاء غرفة ميساء حتى وقع بصرها على صورتها التي وضعتها ميساء على السرير، قالت بدهشة وهي تأخذ الصورة بيدين مرتجفتين:
- هل وجدتيها أخيرًا؟!
قالت ميساء بدهشة أكبر :
- وأين كانت هذه الصورة يا ترى؟!
أجابت دعاء بعد حسرة طويلة :
- حتمًا إنكِ عثرتي عليها بين أغراضه وحاجياته.
- ولكن هل أنتِ من أعطيتي خالد صورتكِ هذه؟
- نعم أنا.
- متى كان ذلك؟
- قبل الحادث بيومين.
ثم أكملت والدموع تملأ مقلتيها :
في زيارته الأخيرة لي طلب مني هذه الصورة لأنني أظهر فيها بكامل حجابي، قال بأنه سيحملها معه أينما ذهب لأنه لم يعد يحتمل فراقي!
لذلك يا ميساء كل ظني بأن صورتي هذه قد احترقت في ذلك الحادث ولم يبق لها أي أثر، لكن الظاهر إنه لم يكن يحملها معه في تلك الساعة! لم تخبريني الآن .. أين وجدتي صورتي؟!
قالت ميساء بصوت مرتجف :
- عند ذلك الشاب الذي حدّثتكِ عنه قبل فترة ..مؤمل!
قالت دعاء وقد صارت ترتجف هي الأخرى  :
- ولكن الصورة كانت عند خالد ،أقسم بذلك يا ميساء!
جلست ميساء على ركبتيها بعد أن شعرت إن قواها ضعفت ولم تعد تتحمل ما تسمع.. قالت أخيرًا :
- خالد حي يا دعاء!
قالت دعاء ولم تفهم قصد ميساء :
- طبعًا سيبقى حي في قلوبنا إلى الأبد!
قامت إليها ميساء وعانقتها قائلة :
- بل هو حيٌّ يُرزق إلى الآن.. إنَّ أخي لم يمت في ذلك الحادث!
نظرت دعاء إلى وجه ميساء قائلة :
- ولكن ما الذي تقوليه!
قالت ميساء بثقة :
- لقد عرفتُ ذلك الآن.. إن أخي حي!
لذلك أرسلتُ في طلبكِ لأتأكد.. وها أنا أؤكد لكِ وأقسم بخالق السموات بأن خالد حي!
أخذت نوبة الصدمة تصيطر على دعاء هي الأخرى، قالت بارتباك كبير :
- أرجوكِ يا  ميساء كلامكِ هذا يخيفني، هل أصبتِ بالهذيان؟
- لا.. لا يا عزيزتي ثقي بأني أعي كل كلمة أقولها، كما أؤكد لكِ بأن صورتكِ هذه كانت معه كما وعدكِ ولم يتخلى عنها في ذلك اليوم!
- ولكن كيف لم تحترق رغم بشاعة الحادث؟
- لأنه لم يحترق أصلًا ولم يمت!
- والجثة التي أوريناها التراب؟
- حتمًا أنها جثة شخص آخر.. أنا متأكدة.
قالت دعاء وقد بدت غير مصدقة لما يحدث :
- وأين هو الآن؟
أجابتها ميساء :
- إنه..
صمتت قليلًا ثم أكملت :
- لا أعرف حقيقةً أين هو الآن بالضبط، لكنكِ إن أتيتِ معي غدًا فسترينه!
قالت دعاء بتوتر :
- إلى أين؟
- إلى الجامعة.
سألتها بتعجب :
- ولكن ماذا يفعل في الجامعة؟
- يعمل أمينًا لمكتبتها!
- هل تقصدين إنه نفس ذلك الشاب المتدين.. مؤمل!!
- نعم.. إنه هو بعينه! لكنه يخفي حقيقته، وقد كشف الله لنا تلك الحقيقة عن طريق هذه الصورة!
ثم بدأت تسرد لها ما حدث في الجامعة يوم هجم على سامر وأشبعه ضربًا وهو ينادي : لن أسمح لك المساس بأختي!!
كما أخبرتها عن غادة وكيف جلبت لها الصورة التي وجدتها في كتابه!
قالت دعاء وهي تعانق ابنة خالتها :
- هنيئا لكم بسلامته يا حبيبتي ،ستفرح خالتي وكذلك عمي بعودته بعد كل هذه الأشهر.
قالت ميساء بقلق :
- وأنتِ يا دعاء ألن تفرحي بعودته ؟؟
قالت دعاء بتردد :
- تعلمين أنني كنت غير مقتنعة بخطوبتنا منذ البداية، لأن أفكاري تختلف تمامًا عن أفكار خالد، فما الذي يضمن لي بأنه قد تغير فعلًا؟!!
أكملت والعبرة تخنقها : لقد فرض خالد نفسه فرضًا في تلك الخطبة بعد أن كان يجبر خالتي على تكرار موضوع الخطبة رغم رفضنا له أكثر من ثلاث مرات!!
أتذكر في المرة الأخيرة صارت تبكي وتتوسل بوالدتي، ثم أخبرتها إن نحن لم نوافق على خالد فستنتهي علاقتها بها إلى الأبد!
حينها وافقتُ على مَضض لأني خشيتُ أن أهدم العلاقة بين الأختين إن لم أوافق فيصبح هناك قطع رحم لا سمح الله، وتعرفين كم أن والدتي تحب خالتي أم خالد  فهي ليس لديها أخت غيرها في هذه الحياة .
أمسكت ميساء بيدها وهي تقول :
- أنا أعرف كل هذا يا حبيبتي.. لكن خالد أصبح إنسانًا محترمًا.. صدقيني! انا متأكدة من إنك ستحبيه كثيرًا بل وتتمنين أن يتم الزواج في أقرب فرصة ممكنة!
نظرت إليها دعاء نظرة باهتة وحزينة وكأنها تقول لها : لم أحبه في السابق رغم أنني أعرفه منذ صغري فكيف سأحبه الآن فجأة!
لم تعد دعاء مع أمها في تلك الليلة، إذ قررت البقاء عند بيت خالتها لترافق ميساء صباحًا إلى الجامعة ولتلتقي هناك بإبن خالتها وخطيبها خالد.
كانت تلك الليلة والساعات من أطول اللحظات بالنسبة للإثنتين  - الأخت والخطيبة - لم تكن ميساء تعرف ما يجري في خلد دعاء التي سهرت الليل كله تفكر كيف ستفتح مع خالد موضوع الانفصال!!
في السابق كانت تخشى على علاقة والدتها وخالتها، أما الآن وبعد أن عرفت من ميساء بأن خطيبها نادم على كل تصرفاته السابقة حتى أنه من شدة ندمه أنكر حقيقته، قالت في نفسها وهي تشعر بالراحة بعض الشيء :
إن كان قد تغير فعلًا فهذا يعني أنه سيتفهم طبيعة مشاعري الحقيقية تجاهه وسيقنع والدته بقبول مسألة الانفصال عن بعضنا دون مشاكل، حتمًا سوف يقتنع فهو لن يرضَ لنفسه أن يرتبط بإنسانة لا تريده!
ثم رددت مع نفسها بشيء من القلق :
ماذا إن لم يقتنع بكل هذا ورفض الانفصال؟!

وداعا أيها الماضي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن