بسم الله الرحمن الرحيم
رواية :عزبة الدموع
الفصل الأول
قرار
" لا تقلق عمي انا اعرف ما أفعله انا لن أقيم هناك انها فترة لأبتعد فيها عن تلك المشاعر التي تتملكني ربما هناك يمكننى أن اواجهه احزاني"
نظر سالم فهمي المحامي الى رنين ابنة صديقه الوحيد الذى مات مؤخرا وامتلأت عيونه بالحزن وهو يقول " ولكن انتي لديكي من المال الان ما يجعلكي تعيشين حياة مترفة وتبيعين تلك العزبة وتستقري هنا بدلا من حياة التجوال التى كنتي تعيشيها انتي مازلتي صغيرة وانا اخاف عليكي "
حاولت الابتسام وهي تتذكر منذ ثلاث شهور كانت تحتفل مع والدها بعيد ميلادها الحادي والعشرين في الريف الانجليزي ولم تنسى تلك الرحلة التى تبعت فيها والدها المصور المشهور الذي لم يستقر في بلد اكثر من اسبوعين ثم يتنقل الي غيرها وهي معه فاعتادت التجوال و المشقة لم تعيش حياة الراحة والترف ولكنها أيضا لم تعيش الفقراوالاحتياج لم يحرمها والدها من اي شيء ولم تكن تعلم أنه من الأثرياء الا بعد أن مات عندما أخبرها سالم بذلك...
اجابت رنين " ولماذا ابيعها ؟ داد عندما كان يرى الأراضي الزراعية يقول ان تلك الأرض هي الام التى تحتضن ابناءها كلما ضاقت بهم الحياة اتجهوا إليها فتفتح لهم ذراعيها بكل حنان كل ما يلزمنا فقط أن نعطيها بعض الاهتمام كى تحيا فالحب لا يحيا من طرف واحد..."
قال سالم “ ولكن الحياة هناك صعبة يا ابنتى البيت ليس فيلا كما تعتقدين وربما لا تجدي الا الشقاء انا اعتقد انكى لابد ان تفكرى جيدا .."
التفتت اليه بعيونها البنفسجية والتى يتعجب كل من يراها من لونها وقد اكتسبتها من عيون والدتها الزرقاء مع لون عيون والدها الخضراء وشعرها النحاسي الطويل الذى اعتادت على ربطه الي الخلف دون اهتمام بشرتها البيضاء الناعمة التى طالما اهتمت بها ومع ذلك كانت تظن انها ليست بذلك الجمال الذى يثير الشباب نحوها من نحافة جسدها عدا عيونها التى كانت فقط تثير حيرتهم
قالت بحماس واصرار معروف عنها " عمي لا داعي لكلام لن يثنيني عما قررت فأنا اعتدت على حياة الشقاء سأسافر لهناك لأيام او اسابيع لا اعلم ولكن ربما اعتاد على حياة الاستقرار التى تتحدث عنها أنها عزبة بالتأكيد بها ناس وحياة واكيد سأعتاد على الأمر "
هز الرجل رأسه باستسلام كان يعلم انه لن يتمكن منها فشخصيتها الجامحة لا يوقفها احد وعنادها وقوة شخصيتها معروفة عنده منذ ان كانت طفلة صغيرة لذا قال" كما تشائين متى سترحلين؟ "
عادت اليه وقالت" يومين سأصطحب جيمي كلبي معي وسأذهب بسيارة داد الجديدة "
اشار الي ملابسها وقال" الن تخلعي ذلك الزى الأسود مضى الأربعين تبدين نحيفة وهزيلة فيه"
دمعت عيونها وقالت " لا اعلم ربما.. هيا لابد أن أذهب مازلت ارتب حقائبي"
عادت الي شقتهم بتلك المنطقة الراقية كان تواجدها بها يثير كل ذكرياتها مع والدها فهى لم تعرف سواه ماتت والدتها وهي مازالت طفله صغيرة ولم تتذكر عنها اى شئ.. رباها والدها وربما أشخاص لا تعرفهم ساهموا في تربيتها من كثرة ما تنقل بها والدها بين البلاد سواء خارج مصر أو داخلها
احكمت ربط حقائبها لا تعلم لماذا تأخذ كل تلك الملابس وكأنها ستعيش هناك باقي عمرها ولكنها ملابسها وهى تحب ان تغير كثيرا ...
اطعمت جيمي الكبير الذى أصبح كل مالها ورن هاتفها كان أسر ابن سالم المحامي وتقريبا صديقها الوحيد او ربما يكون اكثر من ذلك لا تعلم
قالت "الو"
جائها صوت آسر " ران هل صحيح ما قاله بابا انتي راحلة "
قالت بحزن " نعم غدا أو بعد الغد اريد ان ابتعد قليلا كما تعلم"
قال "حسنا لن نتحدث بالهاتف هلا نلتقي الليلة على العشاء لنتحدث "
قالت " أسر انه قراري ولن اغيره"
رد بدون استسلام "دعينا فقط نلتقي ثم نتحدث"
هزت رأسها وقالت " حسنا سأنتظرك"
لم تغير من ملابسها السوداء رغم أنها كانت تنتقي ملابسها بعناية ومن افضل المحلات كما عودها والدها وكانت تأخذها معها بكل مكان ..
فتح لها أسر باب السيارة نزلت ثم سار خلفها تاركا مفتاح سيارته مع رجل السيارات ودخلا الي المطعم أجلسها وقال وهو ينظر إلى عيونها الجميلة
" مازال لون وجهك شاحبا ران متى ستعودين لطبيعتك الموت امر واقع لابد من التعايش معه وقد فات الان شهران على وفاته وما تفعليه لن يعيده"
نظرت إليه وقالت " انا لست حزينة كى يعود فلست بحاجة لتخبرني ان الميت لا يعود فكلنا نعلم ذلك ولكن حزني نابع من داخلي لا يد لي به أسر انه داد انت تعلم جيدا ماذا كان يعني لي "
هز رأسه بشعرة البني الثقيل وبشرته البيضاء وعيونه البنية وقوامه المتناسق كانت تعلم أنه شاب يحسدها الجميع عليه مهندس ناجح بإحدى شركات البترول المعروفة والده محامي معروف ربما لو لم يعمل لما شعر بالفارق فالثراء يَمنحهم هذه السمة من الاستغناء ولكنه شاب طموح وناجح وهو صديقها الوحيد يكبرها بخمس سنوات نشأت معه كانت ترحل مع والدها ثم تعود اليه لم تعرف في اي يوم حقيقة مشاعرها تجاهه
رد آسر " اعلم حسنا لن اتحدث عن ملابسك ماذا عن هذا السفر ران انتي لن تتحملي حياة الريف بابا اخبرني ان تلك العزبة بمنطقة بعيدة عن العمران وتغلب عليها سمة الحياة البدائية وانتي لستي معتادة ذلك ران انا.. بصراحة لا اتخيل بعدك هيا ران"
ضاقت عيونها والرجل يضع الطعام ثم ابتعد فقالت “ليست ببعيدة انها ساعة من اسكندرية تعلم اني لن أتراجع انه قراري "
نظر لعيونها وقال وقد بدا عليه التوتر" ولكن انا... حسنا رنين انتي تعلمين اننا ارتبطنا منذ الصغر صحيح اني اكبرك بعدة سنوات الا انني لا أعتقد أن ذاك يمنعني من ان... "
توقف عن الكلام وهو يبتعد عن الطعام فتوقفت عن الطعام وقالت" ماذا؟ لا افهم اكمل "
نظر بعيونها مباشرة ثم عاد واقترب من طرف المائدة وقال" هيا رنين انا اظن انه ربما ان الأوان ان اعترف لكي بمشاعري انا بحبك ران .."
تراجعت لم يصدمه كلامه وانما صدمها مشاعرها كانت تظن انه عندما سيفاتحها بذلك لن تتراجع عن القبول ولكنها الان تتردد ولا تعلم ماذا تريد !! لذا لم ترد
فعاد آسر يقول " والان ماذا يعنى صمتك هذا ؟ ظننت ان الامر منتهى بيننا "
قالت بتردد "ربما .. ولكن انا الان مشاعرى ليست مستقرة لاجيبك "
ضاقت عيونه وقال " ران انا اريد ان نتزوج ونكمل سويا رحلة العمر"
اغمضت عيونها بألم لم لا توافق الان وتنهي الأمر ما الذي يمنعها انها لم تعرف سواه ولم يكن لها أصدقاء ولا صديقات من كثرة الترحال حتى كلية الهندسة التى تخرجت فيها لم يكن لها اصدقاء او صديقات فهي لم تكن تذهب الا على الامتحانات كانت القرصات السابقة للامتحانات تكفيها للنجاح ولكن ذلك لم يمنع بعض الزملاء السطحيين ...فلماذا الان هذا التردد
فتحت عيونها وقالت" الا تظن ان التوقيت غير مناسب"
مد يده واحاط يدها بحنان وقال " بل اعتقد انه افضل وقت لتعلمي انني معكي ولن اتركك حتى ولو لم توافقي سأظل رفيقك وصديقك الي الابد... حسنا ران !"
سحبت يدها وقالت " ربما بعدما أعود يمكننى أن امنحك الرد فتفكيري الان ليس مستقر"
تراجع وقد اعتراه الحزن وقال" كما تشائين سأنتظرك دعينا نستمتع بآخر أمسية لنا سويا "
حاولت أن تبتسم رغم شعورها بالحزن من أجله تعلم انها جرحته ولكن غصبا عنها لم يمكنها ان تتخذ القرار
تحركت منذ الصباح الباكر في طريقها الي تلك العزبة التى علمت ان والدها كان شريك فيها وله منزل هناك فقررت ان تذهب لترى تلك الأماكن التى اختارها والدها وقد خلعت رداء الاسود ربما يكتمل التغيير ..
كان جيمي يستنشق الهواء من نافذة سيارتها التى كانت موديل السنة ورثتها عن والدها اشياء كثيرة عرفتها بعد موته لم تكن تعرف مدى غناه وها هى كل يوم تكتشف جديد...
كانت تسير علي علامات الجي بي اس على هاتفها كانت نسمات الصباح تنعشها والأراضي الزراعية على جانبي الطريق تثير الهدوء حولها والراحة النفسية اخبرها سالم انه ابلغ المسؤول عن العزبة الذى هو شريك والدها بوصولها لذا كانت تظن انهم سيعدون لها المنزل وما ان تصل بالتأكيد ستحصل علي حمام بارد يدفع عنها هذا الحر الشديد انتصف النهار فأغلقت النوافذ وشغلت المكيف
انباها الجهاز عن منحني فاستدارت بسيارتها وبدءت طريق جانبي بين الاشجار التي منحتها نسمات رائعة من الهواء وحجبت عنها اشعة الشمس التي انتصفت في السماء لم تتضح بعد معالم العزبة رات مجموعة من الرجال في الاتجاه المخالف فتوقفت لتسال عن الطريق لم تنزل من السيارة وهي تتأملهم من وراء نظارتها الشمسية معظمهم بملابس الفلاحين ما عدا رجلان كانا يرتديان ملابس المدينة ولكن ظهرهم لها
قالت " صباح الخير كيف اصل لعزبة ... "
ابتسم احدهم وقال بلهجة الفلاحين " وعم من تسالين يا قمر؟ "
قالت " لا احد انا ابنة محمد حلمي واعتقد ان لي منزل هناك ملك داد..."
التف احدهم والذى بدا اطولهم قامه ونظر اليها كانت عيونه السوداء اعمق من ان تفهم ما تقول ولكنها شعرت بالكراهية منه لها لا تعلم لماذا ابعد عيونه
اكمل الرجل الاخر" اه منزل المرحوم محمد انتي تسيرين علي الطريق الصح اتركي اول منحني وادخلي في الثاني علي يمينك وفي نهايته اسالي عن البيت فهو يقع بعيدا قليلا عن الجميع ولكنه وسط الاراضي الزراعية "
ابتسمت فبدت جميلة وقالت " شكرا عن اذنك "
ثم عادت الي الطريق وهي تنظر للرجال عبر المرآة واحتارت لنظرة الكره التي رمقها بها ذلك الرجل ولكنها نست وهي تركز علي الطريق
ما ان تبعت تعليمات الرجل حتي وصلت الي المنزل وبالفعل كان متطرف قليلا لم تشعر بالخوف لأنها بعيدة عن الجميع بالعكس كانت الوحدة تسعدها وربما حياة الريف التي تجمع بين جمال الطبيعة والهدوء والسكينة ..
اوقفت سيارتها امام المنزل الذى بدا من دورين بالطبع حديث البناء ..كان الجو شديد الحرارة وحمدت الله انها لم ترتدى الاسود ما ان انزلت حقيبتها الكبيرة والحقيبة الاخرى الصغيرة حتي فتح الباب ونزلت امرأة في جلابية سوداء تهرول اليها وحول راسها التفت طرحة سوداء طويلة لا تظهر غير وجهها الصغير ربما اكبر منها بسنوات قليلة
انطلقت المرأة اليها " اهلا يا هانم الستى الانسة رنين "
ابتسمت لها وقالت " نعم وانتي "
قالت المرأة بنفس اللهجة " اني مني البيه ابلغني ان اتي وارتب المنزل لانتظارك وتحضير الطعام "
قالت بدهشة " بيه ! اى بيه ؟ "
قالت مني وهي ترفع الحقيبة الكبيرة علي كتفها وتتجه الي الداخل وهي تقول " آدم بيه "
ضاقت عيونها وهي لا تفهم اى شئ تبعت مني بالحقيبة الاخرى الى الداخل تأملت البيت من الداخل كان نظيفا ومرتبا ورطبا شعرت بان التي شيرت الابيض القطني يكاد يلتصق بجسدها من شدة الحرارة والعرق تمتعت بمنظر البيت المعد كما كانت تراه بالمسلسلات المصرية بالريف والمروحة المعلقة بسقف البهو الكبير تمنحها هواء لم تنكر ان رائحته انقي من اى هواء تنشقته من قبل كان البهو الكبير مفروش بكنب هو الاخر مفروش بفرش غالي والارض بتلك السجاجيد الملونة اليدوية والنوافذ في كل مكان بذلك السلك الذى يمنع تسرب الذباب او الحشرات
قالت مني وهي تصعد علي السلم الداخلي " غرف النوم بالأعلى والحمام ايضا "
تبعتها الى اعلى لرغبتها في خلع ملابسها واخذ حمام بارد ..
كان المكان به غرفتان ادخلت مني الحقيبة في واحدة كانت واسعة وكبيرة ومفروشة بغرفة نوم حديثة نظرت مني اليها في بنطلونها الجينز الثمين الذى يظهر قوامها النحيف ونظرت لعيونها وقالت
"ما هذا ان لون عيونك غريب يا هانم "
ابتسمت وهي تتأمل الغرفة ثم قالت وهي راضية عن كل ما بها " خليط من الوان عيون مامي وعيون داد من الذى وضب هذا البيت ؟"
قالت مني " والدك تركه لسي آدم وهو الذى احضر ناس لتوضيبه حتي لم يشأ ان يجعلنا نفعل "
نظرت اليها ثانية وقالت " من آدم هذا وما الذى يربطه بداد"
ضاقت عيون مني السوداء وقالت " آدم بيه ابن الحاج مرعي الله يرحمه وهو شريك والدك الله يرحمه.. وآدم بيه هو صاحب كل شئ هنا الآمر والناهي متفرغ للأرض منذ ان انهي تعليمه يعشق الارض والفلاحة وكل من بالعزبة لا يفعلون شئ الا بعد الرجوع اليه "
لم ترغب في الحديث فغيرته وقالت " ترى اين الحمام "
اشارت الي باب جانبي وقالت " هذا هو وانا سأجهز لحضرتك الغداء "
شعرت بالسعادة وهى تبدء تلك الحياة التى لم تعرف انها ستغير كل حياتها
يتبع...
أنت تقرأ
رواية عزبة الدموع. بقلمى داليا السيد
Romanceانت سبب المى ودموعى..حبي وشجونى..ومع ذلك لن ارحل الا.....لعزبة الدموع