الفصل الحادي عشر

35.2K 1K 29
                                    

الفصل الحادي عشر

وقفت زينه تقبض بيدها على سور القارب تنظر الى ميناء باليرمو .....
وقد أنتشرت مراكب الصيد واليخوت حول المرفأ فبدت لها من بعيد حيث يرسو مركبهم كلعب الأطفال , كانوا قد توقفوا خلال الأيام السابقة عند عدة جزر صغيرة حول ايطاليا وجزيرة سردينيا ولكن دون الأقتراب من الجزر والمدن الكبرى ..
كانوا يقومون بالغطس والصيد  وزيارة الجزر لشراء المؤن وتناول الطعام على السواحل أحيانا ويبدو أن هذا النشاط لم يكن من ضمن خططهم فقد لاحظت تذمر النساء الثلاثة وتأففهم من تغيير مسار الرحلة وعبرت جليلة عن رأي الأخريات قائلة وهم يرسون بالقرب من جزيرة ليبارى قبالة ساحل صقلية
- بصراحة .. الى الأن لا أفهم السبب الذي يجعلنا ندور حول أنفسنا بهذا الشكل . 
كان من المفترض أن نكون بميلانو منذ يومين على الأقل .
قال حميد متأففا
- ألا تشبعان من التسوق أبدا .. ما نفعله الأن هو المعنى الحقيقي للأبحار وليس التنقل بين الفنادق ومتاجر الملابس ومراكز التجميل .
كانت زينة راضية ومستمتعة على العكس منهن وبرغم القلق الذى كان يعتمل فى داخلها على مستقبلها الا أنها أستمتعت بزيارة هذه الجزر والتمتع بالمناظر الجديدة وتأخيرها عن مواجهة مصيرها المجهول ولكن ..
ها هى آخر ساعات لها معهم ولا تعلم ما ينتظرها بعد ذلك .. لم يعد الأمان أمرا مسلما به كما فى السابق حيث كانت تستيقظ فى فراشها وهى أكيدة من عودتها للنوم فيه ليلا .. أنها الأن لا تعرف ماذا سيفعلون بها .. هل سيسلمونها الى الشرطة ليقوموا بترحيلها .. وهل ستضعها الشرطة فى السجن ليتحروا عنها أولا وبذلك سيعرفون بالجريمة التى أرتكبتها ؟ .. وهل سيصدقونها عندما تقسم لهم أنها كانت تدافع عن نفسها ؟ .. 
سمعت أصواتا آتيه من المياة بالأسفل , مالت زينة على الحاجز ورأت ادم وحميد وفراس وبيدرو يسبحون بأتجاه القارب وأقنعة الغطس تتدلى من أعناقهم
صعدوا الى القارب وهم يضحكون ويتمازحون , رآها حميد أولا وأبتسم لها بمرح وهو يتجه نحوها بحماس
- زينة .. لماذا لم تنضمى الينا ؟
- أنا لا أعرف الغطس .
قال مشجعا يعرض عليها العرض الذي لا ييأس منه
- سأعلمك .. ستحبينه أنه متعة حقيقية .. هيا بدلى ملابسك وتعالى لأعطيك أول درس .
لم يتسنى لها الرد فكالعادة جاء صوت ادم حادا من خلفه
- لقد أخبرتك من قبل أنها لا تجيد السباحة ولا تريد تعلم الغطس فلماذا تصر عليها ؟
غمز لها حميد بعينه وهمس بمرح قبل أن ينصرف
- هذا الرجل يعرفنى جيدا .. أنه يحاول حمايتك منى .. وفى الحقيقة لا ألومه .
أنصرف وهو يصفر بمرح وأبتسمت زينة رغما عنها فحميد رغم عيوبه التى لا ترضى عنها كان خفيف الظل ومشاغبا ولا يكف عن المزاح طوال الوقت وقد حاول سابقا أقناعها بالنزول الى البحر وأضطرت أن تخبره كذبا أنها لا تعرف السباحة وتخشى الماء وكانت فى الحقيقة تخجل من أرتداء ثوب السباحة الذى أعارتها نيكول أياه , ألتقت نظراتها بنظرات ادم وهى مازالت تبتسم فأشاح بوجهه عنها بضيق فتجمدت الأبتسامة على شفتيها .. أنه يكرهها ولا تروق له ولقد تأكد لديها هذا الأحساس وأصبح يقينا الأن فطوال الأيام الماضية كان يتجاهلها وفى نفس الوقت يراقبها كالصقر ويجعلها بأستمرار تعرف حجمها الحقيقى فلا تزيد معاملته لها عن معاملته لبيدرو وأحيانا تكون أقل من ذلك ومن ناحيتها لم تكن تشارك كثيرا فى الأحاديث والنشاطات التى يقومون بها مما جعلها تبقى على مسافة من الجميع خاصة هو .. فحميد يتفنن فى ايجاد الفرص للكلام معها فى غفلة من آدم ومداعبتها واطلاق النكات لأضحاكها وفراس يحاول بأستمرار دمجها بينهم والأهتمام براحتها  .
أقترب فراس منها وهو يضع منشفة حول كتفيه وسألها مازحا
- ما هو أحساسك وأنت سوف تفارقيننا قريبا ؟ .. أنا عن نفسى حزين وأتمنى لو تظلى معنا لبقية الرحلة .
لأول مرة يفاتحها أحد بموضوع الرحيل والدموع التى كبحتها منذ أيام هددت بالأنهمار فأطرقت برأسها
سألها برقة
- هل أشتقت الى أسرتك ؟ سيقوم ادم بالأتصال بصديق مهم له فى وزارة الخارجية ليساعدك على السفر دون الحاجة الى أتباع الأجراءات الروتينية الطويلة التى تتخذ فى مثل حالتك.
ردت بصوت مبحوح تخالجه العبرات
- أنا لن أعود الى مصر ... سأبحث لى عن عمل هنا فى أوروبا .
- ولماذا ؟ .. أنا واثق من أن والديك سيتفهمان موقفك .. أنت تقولين ان والدك رجل حكيم وله قلب طيب و ..
قاطعته بأسى والألم يطعن قلبها عند ذكره لوالدها الذي لا تعرف كيف هو شعوره الأن من أختفاءها وهى لا تستطيع أن تخبره بالسبب الحقيقى
- من الصعب أن أعود لأعيش فى بيت واحد مع نبيلة بعد ما فعلته بي .. والموت عندى أهون من مواجهة أبي وفضحها أمامه .. يكفي خيبة أمله في فقلبه مريض ولقد قبلت بالعمل على ذلك اليخت كى أوفر مصاريف عمليته الجراحية والتى لا أعرف ان كان قد أجراها أم لا .. بالرغم من أننى أتمنى أن لا يكون قد أجراها بذلك المال النجس .
أنصرفت من أمامه بسرعة بعد أن عجزت عن كبح دموعها , وكانت تقف فى المطبخ تعد أبريقا من الشاى عندما نزل ادم وراح يتفحص وجهها الباكى عابسا , أنكمشت ملتصقه بالخزانة عندما دخل الى المطبخ وقد مد يده الى الرف فوق رأسها ليأخذ كوبا فارغا فأنسحبت الى الخلف تفسح له المجال ليصب كأس من العصير لنفسه , لم يكن يرتدى سوى سروال السباحة القصير وهو أكثر أحتشاما من الذى كان يرتديه فراس وحميد ولكن تأثير وجود آدم قربها كان أكثر وطأة على أعصابها من كلاهما وقد جعلها تشعر بالحرج وعدم الراحة
- أريد أن أتحدث اليك .
أنتفضت زينة مجفلة بلا سبب وتراجعت خطوة حادة الى الوراء مما دفعه ليقول بغيظ
- لماذا أنا الوحيد الذى يلاقى ردة الفعل هذه منك ؟ .. هل تعتقدين أننى مغتصب أطفال أم أننى أشبه ذلك الرجل الذى حاول الأعتداء عليك ؟
شهقت زينة .. لا يمكن ابدا مقارنة ذلك الرجل المثير للقرف به , وضايقتها أيضا فكرة أنه يراها طفلة .. هذا ان كان يعتبر سن الخامسة والعشرين سن طفولة ؟
ردت عليه متلعثمه
-  أنا آسفة .. لم اقصد ...
هذا كل ما أستطاعت قوله وتوقفت .. أنها فى الواقع تشعر بالخوف الشديد منه .. ربما بسبب فظاظته معها وأحساسها انه لا يحبها أو لأنها أصبحت حذرة من كل الرجال ولم تعد تثق فى نواياهم ولكنها فى نفس الوقت لا تشعر بهكذا شعور تجاه حميد وفراس أو بيدرو .. لذلك أضطرت للأعتراف أنه كان محقا فهو يشبه شخصا آخر تكرهه بشدة وتحاول قدر الأمكان عدم التفكير به رغم صعوبة ذلك .. أنه يشبه خالد .. ليس فى الشكل وانما فى الطباع .. طباعهم تتشابه الى حد كبير فكلاهما صارم وسريع الغضب .. مسيطر ولا يتقبل الخطأ .. كلاهما له وجود طاغي ويستطيع أن يكبل روحك بنظرة أو أقل حركة منه .
سألها ساخرا 
- ما هو هذا الذى لم تقصديه بالضبط ؟
توترت أعصابها وهو يطل عليها من أعلى ونظراته الحادة تحاصرها فلوحت بيدها بعصبية وأندفعت تقول بأول شئ خطر على بالها دون تفكير 
- بصراحه أنا لم أعتاد على الوقوف والحديث مع رجلا عاريا  .
تراجع رأسه بحده وكأنها صفعته
- عاريا ؟
وتمتم بكلمات غير مفهومة وتصاعدت الحرارة  الى رأسها .. ها قد أغضبته بحماقتها مره اخرى  
- أبتعدى .
سألت ببلاهة
- ماذا ؟
قال بحدة
- قلت أبتعدى عن طريقى .
كانت تسد عليه طريق الخروج بجسدها فأفسحت له الطريق حريصة على أن لا يلمسها أثناء مروره بجوارها فزادت حركتها من أستفزازه فلعن وضرب الحائط بقبضة يده وهو يخرج .
نظرت زينة الى كأس العصير الذى تركه خلفه وقررت قائلة بأحباط
- سوف آخذه اليه ولكن بعد أن يهدأ .. هذا ان لم يلقى بي خارج قاربه أولا .

ملاك يغوي الشيطان ... للكاتبة المتميزة مايسة ريانحيث تعيش القصص. اكتشف الآن