9

1.7K 117 78
                                    



نبيل

كان الصمت يخيم علينا.. كلانا يجلس في غرفة الضيوف.. أو من المفترض أن تكون كذلك.. لكنها لا تحتوي على أثاث يناسب للضيوف.. فقط أريكة ذات الثلاث مقاعد مواجهة لتلفاز كبير.. و في زاوية الغرفة طاولة كبيرة تتراكم عليها أدوات التصميم من ورق وأقلام وألوان.. وكان على الجدار الذي ركنت عنده الطاولة تصاميم عديدة و بأشكال مميزة.. بما أن الأريكة ليست واسعة بما يكفي فإن رحيق فضلت الجلوس عند الطاولة على كرسي بعجلات صغيرة.. لم تنطق بشيء منذ دخولنا إلى شقتها.. وتعابير وجهها التي كانت عارية تُظهر كل مشاعرها قبل قليل بدأت تتصلب شيئاً فشيئاً وكأنها تستعيد قناعها تدريجياً.. سألتني بعد أن أصبح الصمت مزعجاً بعض الشيء:

ـ تشرب شي؟

ـ لا شكرا، ستوني متريك..

عادت إلى صمتها.. تعض على جانب شفتها السفلى.. تنظر إلى ذراع الكرسي وتحاول إزالة شيء منه بأظفرها.. لكني لم أرَ شيء ليتم ازالته.. عليّ أن أساعدها لإنهاء صراعها النفسي.. تنحنحتُ وأنا أعتدل في جلوسي.. ثم قلت:

ـ عرضي لسه قائم..

رفعت رأسها عن ذراع الكرسي لتنظر إليّ.. تنتظر مني تفسيراً لكلامي.. فتابعتُ قائلاً:

ـ بما أنه احتمال يكون آخر لقاء بيناتنه.. و ادري اكو هواي حجي بنفسج تحجيه.. استغليني لتفريغ طاقاتج السلبية.. وراح تشوفين شكد راح يخف الحمل الشايلته.. وراها راح أختفي.. وما يبقى داعي تنحرجين أو تنزعجين من معرفتي باللي مريتي بيه.. بس عالاقل تحسين أكو أحد استمعلج.. و يعرف بمعاناتج..

عادت بتركيزها إلى ذراع الكرسي.. تحكه بأظفرها بتوترٍ أكبر.. وكأن العاصفة في رأسها تشتد.. فاستندتُ بظهري على الأريكة وبدأت حديثي بهدوء:

ـ ما اعتقد أكو إنسان ما مر بتجارب صعبة.. بس المهم أن يتعامل وي التجربة بشكل صحيح.. واذا شاف نفسه ما يكدر يتخطه التجربة بنفسه فأبد مو عيب يستعين بالناس المقربين.. اني..

صمتُّ لثانية ببعض التردد.. ثم وجدتُ نفسي أحكي لها تجربتي الصعبة لتتشجع بالحديث.. فأخبرتها عن آخر عمل لي كحارس شخصي.. عن الرجل الطيب الذي كان يعتبرني أخاً صغيراً له وليس فقط حارس.. و يغرقني بكرمه و معاملته الحسنة.. كان يسكن في فيلا واسعة.. وأثث غرفة خاصة لي لأبقى معه نهاراً و مساء.. وفي أحد الأيام استيقظتُ في ساعةٍ متأخرة على رائحة الدخان.. أسرعتُ نحو غرفته وكان الدخان يزداد كثافةً كلما اقتربت.. وحين وصلت كانت غرفته تشتعل بالنيران ويصعب رؤية أي شيء سوى النار.. أسرعتُ إلى المطبخ حيث يحتفظ بمطفأة حريق وجلبتها معي لأحاول إخماد جزء من الحريق وأخرجه من الغرفة.. رغم أن الصمت كان كافياً ليؤكد لي أنه فات الأوان.. لكنني لم أستسلم حتى أخرجته.. وكدتُ أحترق معه.. فنالت النيران من ذراعَيّ وأجزاء من ثيابي.. لكنني استطعتُ إخمادها بالمناشف و الملاءات.. أما هو.. فكان شبه متفحم.. وكان عدوه قد تمكن منه رغم وجودي لحمايته.. الفترة التي تلت تلك الحادثة كانت من أصعب فترات حياتي.. أو أصعبها كلها.. ولم أكن لأتجاوزها لو لا وجود أهلي و صديقي حسن بجانبي ومساندتهم لي.. نظرتُ إلى آثار الحرق على ذراعَيّ.. والتي ستبقى ترافقني مدى العمر وكأنها وصمة عار..

تحت حمايتيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن