10

1.8K 116 86
                                    


رحيق

لم أكن أتوقع أن يكون الخروج مع غزل ممتعاً لهذا الحد.. لا أذكر آخر مرة شعرتُ بمتعة كهذه.. ربما مع عائلتي قبل موتهم.. ما يميز غزل أنها ليست معقدة.. إنها عفوية للغاية.. وبسيطة.. تخلق المتعة من أبسط الأمور.. وأحياناً تكون أموراً تافهة.. لكن بأسلوبها الخاص تجبرك على الاستمتاع بها معها.. على سبيل المثال.. أجد ألعاب الآركيد تافهة للغاية.. لكنها أصرت على لعبها معي بعد وجبة العشاء و تحدتني في كل الألعاب حتى وجدتُ نفسي ألعب بحماس كبير لأربح.. خسرتُ في جميع التحديات لكني ربحتُ المتعة و الضحكة التي شنجت عضلات وجهي.. ثم أخذتني معها لشراء الدوندرما.. في الحقيقة لم أقرب تلك المثلجات من قبل و دائماً كنت أنزعج من البائعين إذ أنهم يماطلون كثيراً.. لكنها تحدتني بأن من ينجح بإمساكها أولاً يفوز.. و على الخاسر أن يغني مع الفرقة التي كانت تجلس في الشارع و تعزف لتجمع المال.. فتحمستُ لرؤية غزل تغني معهم و قبلتُ التحدي.. هذه المرة ربحتُ التحدي.. وكدتُ أفقد أنفاسي من كثرة الضحك.. قالت غزل و هي تدعي عدم الاهتمام بالخسارة:

ـ انتظري راح أطربج بصوتي العذب.

تبعتها حيث توجهت إلى الفرقة.. ألقت بتحية عليهم ثم وقفت بجانبهم و بدأت الغناء بأغنية لا تتناسب مع الموسيقى إطلاقاً.. لاحظتُ الانزعاج على وجوه العازفين حتى أنهت اغنيتها وعادت إليّ بوجنتين متوردتين:

ـ التوبة بعد إذا أقترح هيج اقتراح.

مسحتُ دموعي التي نزلت من كثرة الضحك وقلت:

ـ بالعكس، أحلى اقتراح جان.

رمقتني بنظرة جعلتني أدخل في نوبة ضحك أخرى.. هل كل هذا الضحك طبيعي؟.. ألن أصاب بسكتة قلبية؟.. فقلبي ليس معتاد.. وجهي ليس معتاد.. كل جزء من جسدي مستغرب للشعور الغريب.. هل كان نبيل يعلم بأن نتيجة الخروج مع أخته ستكون هكذا؟..


****

دخلتُ من الباب الزجاجي بتردد.. نظرتُ من حولي أتفحص المكان ومن فيه.. قاعات متعددة.. يتدرب فيها عدد من الفتية و الفتيات.. و بعض المدربين يقودوهم.. تقدمتُ إلى من يجلس عند الاستعلامات.. وسألته بتردد:

ـ هل.. السيد نبيل هنا؟

ـ أجل، لكنه منشغل بالتدريب الآن. ينتهي بعد عشرون دقيقة.

ـ لا بأس، سأجلس و أنتظره.

تجاوزتُ الاستعلامات وتقدمت نحو القاعات حتى اتخذتُ مقعداً ريثما ينتهي نبيل.. بحثتُ بعينَيّ في الأرجاء.. أحاول تمييزه من بين القامات الطويلة.. إلى أن لمحته.. يرتدي ثياب رياضية باللون الأسود مع تفاصيل بيضاء.. يوجه التعليمات لطالبه الذي كان يضرب كيس ملاكمة.. حككتُ بأظفري بيجامتي الرياضية ببعض التوتر.. هل حقاً ما أفعله هو الصواب؟.. لقد أقنعتني غزل ليلة أمس و أعطتني العنوان للقاعة.. لكنني أشعر بالتردد يسيطر عليّ الآن.. و قدماي ترغبان بالهروب بشدة.. تشعران بانجذاب نحو بوابة الخروج.. أشغلتُ نفسي بمراقبة نبيل.. يبدو جدياً أكثر حين يتخذ دور المدرب.. وكأنه شخص آخر.. يتحدث بوضوح و عمق أكبر.. ليس كما يتحدث معي.. يبدو أنه لين الأسلوب مع النساء.. و خشن مع الرجال.. أرغب برؤيته يدرب فتاة.. لأتأكد من أنه لين مع جميع النساء وليس فقط معي.. كنتُ قد نسيتُ ترددي و توتري كلياً أثناء مراقبته.. إلى أن أنتهى من تدريبه و أنتبه إليّ.. علت علامات الدهشة وجهه.. و اضطربت أنفاسي و تقلصت أوصالي.. هل تأخر الوقت على التراجع؟.. تقدم نحوي وهو يزيل أثر الدهشة عن وجهه ليستبدله بابتسامة مرحبة:

تحت حمايتيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن