3

1.9K 145 102
                                    



نبيل

حسن أعزّ الناس عليّ من بعد عائلتي.. وإلا لما كنتُ قد تحملتُ السيدة رحيق من أجل حريته.. فلم أعتد على الصبر مع أشخاص مثلها.. من الواضح أنها لا تطيق الرجال عامةً.. فتصرفها جاف مع معظم الرجال الذين التقت بهم اليوم.. وتصرفها معي يجعلني أرغب بحبسها في البيت لألا أضطر لملاحقتها وكأنها تحاول الهروب كلما سمحت الفرصة.. وكلما شعرَت بأني قريبٌ منها صكت على اسنانها لتذكرني بحزمٍ عن مسافة المترين.. أظن أنها تعاني من مرضٍ نفسي.. ربما حمايتها من نفسها أهم من حمايتها من أعداء عمها.. عندما يسألها بعض زملاء عملها عني تخبرهم بأني هنا لأكتسب الخبرة منها.. لا أعرف كيف تنوي اقناعهم بكذبتها وهي تتصرف معي وكأني هواء.. أو عدو.. لكن رغم كل تصرفاتها التي جعلتني أفقد بعضاً من أعصابي إلا أنها ليست بذاك السوء.. فلقد طلبت لي وجبة غداء حين طلبت لنفسها.. وسمحت لي بأن أتناوله في مكتبها عند الأريكة التي لا تتناسق بلونها الفيروزي مع ألوان سائر الأثاث باللونين الأبيض والرمادي.. كما أنني أحترم الأشخاص المجتهدين في عملهم وتطوير مشاريعهم الخاصة.. وهي واحدة من هؤلاء بلا شك.. وتستحق نجمة صغيرة في أعلى تقييمي لها لكونها صاحبة ذوق عالي.. فإطلالتها تجمع بين الجمال، المهنية، الثقة و القوة.. إن كانت من صنعها فهي مصممة بارعة للغاية.. وتعرف كيف تجعل كامل هيئتها متناسقة.. من شعر و زينة الوجه الهادئة وحذائها ذا الكعب العالي.. كل شيء يزيد من جمالها الكلاسيكي الذي أثار استغرابي حين رأيتُ صورتها للمرة الأولى.. لكن تبقى سلبياتها تفوق إيجابياتها اضعافاً و أضعاف..

كانت تتناول طعامها وتتحدث عبر الهاتف في شؤون العمل.. وكأن لا استراحة لها حتى في فرصة الغداء.. ثم قالت حين أنهت اتصالها:

ـ عندك عشر دقايق، وراها لازم نروح لاجتماع مستعجل.

تابعتُ تناول الأرز والدجاج بينما نهضت هي دون أن تكمل نصف طعامها.. وقفت أمام مرآتها الطويلة التي تظهر كامل هيئتها وبدأت بتجديد زينة وجهها استعداداً للاجتماع.. كنتُ أحاول منع نفسي من مراقبتها.. لكن فضولي جعلني أختلس النظرات.. حتى في وضعها للزينة حركاتها هادئة وتتناسب مع مظهرها الكلاسيكي.. ليست مثل غزل التي دوماً ما تكون على عجلة وتضع الزينة بطريقة تجعلني أشفق على وجهها الذي يتعرض للتعنيف..

حملتُ علبة الطعام وخرجتُ من المكتب.. رميتُ العلبة في سلة النفايات ودخلتُ الحمام المجاور لأغتسل قبل أن ننطلق.. حين خرجت كانت رحيق قد ارتدت معطفها القطني وحملت حقيبتها.. فغادرنا البناية سوياً وظننتنا سنستقلّ سيارتها.. لكنها قالت ببرودها الذي بدأتُ أعتاد عليه:

ـ المكان قريب.

كان وقت الغداء والطرق مزدحمة.. لذا كان لا بد من الاقتراب منها أكثر.. هذه المرة تجاهلتُ كل تهديداتها بعدم الاقتراب.. كان جوابي مختصَراً بأن المكان مزدحم.. وكانت عيناي تراقبان كل من يمر بجانبها لأمنع أي خطرٍ مفاجئ.. في مهمة كمهتمي عليّ أن أكون على أهب الاستعداد في كل ثانية.. عادةً ألتصق بالشخص الذي أحميه.. لكن الأمر يختلف هذه المرة.. مما يجعلني أستخدم حواسي بشكلٍ مضاعف لأكون مستعداً لصدّ الأذى عنها..

تحت حمايتيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن