غزل
أوقف السيارة أمام منزلنا فلمحتُ أخي يقف مع شخص آخر.. ولم يتطلب الأمر إلا ثانية لأتعرف عليه.. حسن.. صرختُ وأنا أكاد أقفز في مكاني على المقعد الأمامي:
ـ عزززه! حسن طلع!!
قال الطبيب إبراهيم ببعض القلق:
ـ خير شكو؟
نظرتُ إليه وأنا أشير إلى أخي وحسن:
ـ شايف ذاك الواكف وي أخويه؟ هذا حسن صديقه، صارله فترة بالسجن و عبالنه ما يطلع منا لكم سنة، بس طلع!!
فتحتُ الباب و نزلتُ من السيارة وأنا أكاد أتعثر من شدة سعادتي.. انتبه لنا أخي في لحظتها و بدأ يسير نحونا.. فتبعه حسن الذي انشق وجهه في ابتسامة عريضة حين رآني.. حاولتُ أن أسير بسرعة معتدلة لكن قدماي كانتا تسرعان رغماً عني.. فتح حسن ذراعيه وهو يتقدم إليّ لكن جوابي كان لكمة في صدره.. أمسك بصرده وهو يتأوه:
ـ آخ، شنو هالعائلة العنيفة..
ـ شطلعك من السجن أبو المشاكل؟
أومأ برأسه نحو أخي الذي تقدم إلى سيارة الطبيب وقال:
ـ أخوج طلعني، أحسن منج ناسيتني حتى زيارة للسجن ماكو.
ـ مو مال واحد يزورك على عملتك، توبوك بالسجن؟
لمعت عينيه بدعابة وهو يجيب:
ـ ما ادري، نجرب؟ اكو احد مضايقج منا منا ويستاهل كتلة؟
ـ لو جاي قبل كم يوم جان أي... بس هسه لا..
سمعتُ باب السيارة يُفتح فالتفتُ إلى الوراء ورأيتُ الطبيب يترجل منها ليلقي التحية على أخي.. سألني حسن بفضول:
ـ منو هذا الوصلج؟
ـ الطبيب الأطبق عنده.
ـ وشنو المناسبة يوصلج؟
ـ جنه ببيت مرية مريضة و وصلني بطريقه..
ـ و أخوج ليش يتعامل وياه كأنما صديقه؟
نظرتُ إليه بطرف عيني:
ـ وانته ليش هيج منزعج؟
قال ببراءة:
ـ وليش أنزعج؟
تخطاني و تقدم نحوهما ليلقي التحية على الطبيب فانضممتُ إليهم لأستمع لحديثهم.. كان أخي يحاول إقناع الطبيب ليتناول الغداء معنا في البيت.. لكنه كان يتعذر بأن شقيقته تنتظره على الغداء.. ثم قاطعهم حسن الذي عرّف بنفسه وألقى التحية على الطبيب.. ردّ الآخر التحية ببعض البرود.. و تعابيره التي كانت لينة مع أخي أصبحت صلبة مع حسن.. أثار الأمر استغرابي.. هل يعرفه؟.. أم أنه تضايق لمعرفته أن حسن كان في السجن؟.. ربما كان عليّ شرح جريمته لكي لا يسيء الظن به.. لم يستطع أخي إقناع الطبيب بالبقاء معنا.. وشكرتُ الله في نفسي على ذلك.. فلم أكن لأستطيع تناول الغداء بوجوده.. وأنا أتضور جوعاً.. بعد مغادرة الطبيب دخلنا البيت حيث كانت والدتي قد جهزت مائدة طعام فخمة أكثر من العادة بمناسبة خروج حسن من السجن.. حسن ليس صديق أخي فقط.. بل هو فرد من العائلة.. فلقد تواجد بيننا لثمانية عشر عاماً.. حتى أنني أصبحتُ أعتبره شقيقي الثاني لمتانة علاقتي به.. و إن كان متهوراً على عكس أخي.. فلطالما ورط نفسه في المشاكل وأضطر نبيل لمساعدته.. لكني أحب شخصيته الجريئة وتلقائيته في الأقوال و الأفعال.. ومثال على تلقائيته فكان سبب دخوله السجن أنه ضرب شابين قاما بالتحرش بفتاة.. لكنه بالغ في ضربهما حتى فقدا وعيهما و أصيبا إصابات بليغة..