نبيل
كانت الساعة الثامنة مساءً وقد خرجتُ من القاعة للتو لأقفل بابها حين رأيته.. يسير نحوي بطوله المتوسط وابتسامته المشاكسة.. الاختلاف الوحيد هو أن شعره الكثيف لم يعد له وجود.. تطلب الأمر بضع ثوان لأستوعب أنه حسن وليس شخص آخر.. لكن كيف أخطئ بصديق العمر؟.. قطعتُ الخطوات الأخيرة بيننا لأعانقه بقوة تكاد تهشم عظامه حتى أنه صرخ بين ضحكاته:
ـ على كيفك يول!
لكني لم أخفف.. بل كدتُ أحمله من فرط سعادتي برؤيته.. ثم أبعدته و اشتهيتُ لكمه في بطنه.. لكني اكتفيت بدفعه من كتفه لأوبخه:
ـ خل أشوفك بعد تتهور و تضربلك واحد، حتى أكسرك و أحبسك بالمستشفى.
أمسك بكتفه مدعياً التألم وقال:
ـ شنو هالترحيب القاسي؟
ـ تستاهل أكثر.
لكنني عدتُ لمعانقته وكأنني لا أصدق أنه يقف أمامي.. فقال وهو يربت على ظهري:
ـ شكراً.. لأنك نقذتني للمرة الألف..
ـ مبتلي بيك طول عمري.
ضحك وهو يدفعني عنه.. فوضعتُ يدي على كتفيه و أمرته بأن يرافقني إلى بيتنا.. لكنه رفض قائلاً:
ـ لا خليها على باجر، لسه ما شفت أهلي وما يدرون بيه طلعت، بس ما كدرت أشوف أحد قبل لا أجيك وأشكرك.
ـ كول بعد مره أشكرك وشوف اذا يظلن سنون بحلكك.
ـ ههههههه اني ما ادري شنو هالحب العنيف.
ـ العنف يلوك لأهل العنف، لو أذكرك بسوالفك.
رفع كفيه إلى الأعلى:
ـ لا ما يحتاج.
ـ يعني ما بيها مجال تجي؟
ـ أجيك للقاعة الصبح وعود عالغدة اعزمني ببيتكم.
ـ كام يعزم بنفسه، ماشي، لعد تعال أوصلك.
وضعتُ ذراعي على كتفيه من جديد.. غير قادر على إبعاد نفسي عنه.. فلم أفترق عنه لكل هذه المدة من قبل.. صديقي وأخي الذي يعرفني أكثر مما أعرف نفسي..
****
لم يأت حسن صباحاً كما قال.. ولم أستغرب الأمر فأهله لن يخلوا سبيله بهذه السرعة.. لكن شخص آخر جاء على الموعد المتفق عليه.. رحيق.. ولم تكن مرتبكة كالمرة السابقة.. لكنها ما زالت تعض على شفتها حين نقوم بحركة جديدة.. أو تثبت خصلة من شعرها خلف أذنها وتشيح بوجهها حين أطيل النظر إلى عينيها أثناء حديثي.. و تضاعف ارتباكها حين طلبتُ بها أن تقوم بتجربة الضربات عليّ وليس على مصدة.. لاحظتُ ترددها ونزاعها الداخلي.. فقلتُ لها:
ـ ماكو مشكلة، نأجلها لغير مرة.
فعدتُ لأحمل المصدة، لكنها قالت:
