روحُ البرتقال

272 36 9
                                    



السابعة صباحاً
كانت السماءُ غائمةً قليلاً، لَم تُمطِر مُذ عَصْر أمس
وظَنَّ تين خَيْراً

يستقيمُ في المطبخ يرتدي جوربٌ أبيض أسفل بِنْطال البيجامة، يطبخ شوفان بالحليب في طاوةِ قلي، لا يحترم طريقة الطبخ الصحيحة فقد رحلت عمته لمشتل الطماطم، وهو أكسل من أن يهتم الآن
بدا واضحاً أن تايونغ صِدْقاً قَلِقاً، بالأمس، لم يكن يريد رؤية تين خائر القوى مجدداً
عبَسَ وجهُ تين

أمسكَ ذراع الطاوَة ووضعها على الطاولة الخشبية، وجلسَ يأكل بهدوء
اليوم، كان ضيفُه عصفوراً صغيراً يقف خلف شَبْكِ النافذة، يأكل حبوباً تطرحها العمة ليلياً بانتظام لأجْلِه.

-

ارتدى المعطف الصوفي الذي ارتداه أمساً
ثُمَّ طوىٰ أطراف البنطال ليُظهِر جوربه الرياضي العصري، ثم ارتدى حذاء أسود من القماش، وربطه بترتيب
تركَ شعره كما يبدو دوماً، متلعبك، لم يكن قد جَفَّ تماماً من الماء بعد أنِ استحم، ولكن تركه، يأمل ألّا يلتقط برد دون اهتمام حقاً، وخرجَ يقصد التل.

وهيَ العاشرةُ صباحاً

ما يحبه تين، أن تايونغ مستيقظٌ في أي وقت، متوفرٌ دوماً، فيستطيع الوصول له متى ما شاء، يتذكر ما قال تايونغ مرة أنه ينام وقت الفجر، ربما هو معتادٌ على ساعاتِ نومٍ قليلة
سارَ تين بين القمح يُدَنْدِن
لَم يحب فكرة أنه من يتجه لتايونغ كل يوم، ولكنه أيضاً، لا يريد لتايونغ أن ينزل لبيت العمة ويضطران إلى التحدث برسمية، ويكون الخجل سائداً في حضور العمة

كحتَ بنطاله وجلسَ أمام الحقل متربعاً
بدأت السماء ترش رشات خفيفة من المطر في جهة بعيدة، ولكنها ليست عليه وهو شاكِر

"أتعلَم؟" التفت تين مفزوعاً لصاحب الصوت خلفه
يقفُ فارغاً
قال: شعرتُ بوجودك، ولكن لِمَ أتيتَ الآن؟
غَضِبَ تين: لِمَ لا تُرحِّب بي دوماً؟ دوماً ما تستنكر وجودي . لم يلتفت لتايونغ
ردَّ تايونغ وقد سحب يد تين: أنا فقط لَم أفهمك، ولكنك ترائَيْتَ لي وقدمتُ لأتفقدك، أنت فعلاً هنا! . أقامه
فتح تين فمه لينطِق، ولكن صَمَتْ

-

جلسَ تايونغ أسفل شجرة البرتقال وأمسك بجريدة
جلسَ تين أمامه فضولياً، لم يُفصِح تايونغ بعد، استمر يقرأ الجريدة ويتجاهل تين
بردَ ماء وجه تين قليلاً، قال: لِمَ لَمْ نصعد التل؟ . همهمَ تايونغ
ارتفعت مقلتي تين لرأس تايونغ، التمح بثرة على جبينه، تنهَّد
عطفَ تايونغ الجريدة على صفحة واحدة، قال أخيراً: لدي لعبة أسئلة، انظر استخرجتها من الجريدة . أشار بسبابته على السطور، ولكن تين لم يلتفت لحيث يريد تايونغ، بل لإصبع تايونغ، حول أظافره كان متقشّراً، تماماً مثله
هزّ تين رأسه إيجاباً

قال تايونغ، رافعاً صوته: حسناً، أنت في استراحة غداء وجلسَ بجانبك طفل يتضور جوعاً، لا يشتكي ولكن لُجَّةُ بطنه تفضحه، ماذا تفعل؟ . وَضَعَ الجريدة على الأرض وشبَّكَ أصابعه بخفة، سارَت مقلتي تين على أصابع تايونغ
قال متردداً: لا أعتقد أنني أملك الغداء أيضاً، أنا لا أحب الأكل
قال تايونغ متعجّباً لأمر تين: في حال كنتَ تملك؟ . سارَ تين برأس سبابته على الحصى، لا يمكنه تملّك أعصابه وهو يرى تايونغ يقشّر محيط أظافره، هو يكره هذه العادة لأنها تلازمه
أمسك يد تايونغ وأرخاها بين يديه، طبّعَ حول أظافر تايونغ الجافة بأصابعه اللينة
قال: ربما.. سَأُؤَنّبه، إن كنّا في ورشةِ عمل، لماذا يأتي بدون إحضار غداءه؟ . فصل تايونغ يده عن يد تين
قال مقوساً حاجبيه: ربما حالته المادية ضعيفة! لذلك هو يعمل! . هزّ تين كتفيه استهجاناً
قال ببرود: بعد أن أُؤَنبه، سأقسم له من غدائي . تنهّد تايونغ

قال: حسناً، أنت تسيرُ على طريق مبنى صناعة ألوان، ووجدتَ طفل في شهره الأول، يبكي ويتجمد من البرد، ماذا تفعل؟ .
أمال تين برأسه، وقد هملت ملامح وجهه، أنصتَ لخشخشة الورق الداكن فوقهما، مع هبوب الرياح الخفيفة
كل ما زار باله، هو صورةٌ رمادية، ورصيفٌ مُشوَّه بفوشي غامق وأخضرَ يؤلم العين، فوضى على الرماد
همس بعد فترة: لا أهتم..
انفعل تايونغ: أَقُلتَ لا تهتم..؟ . رفع تين عينيه له ببطء، وهزّ رأسه إيجاباً، متروٍ
مال عليه تايونغ وصرخ: كيف لا تهتم؟! أأنتَ بلا روح؟! ألا يمكنك التصرف؟ اتصل بالطوارئ فوراً ودفـ..
قاطعه تين وقد استقام: هذا مزعج، أهذه معضلة أخلاقية؟ إذاً أنا بِلا أخلاق، وكلّا أنا أملك روحي وهي خاصة، رجاءً لا تتحدث وكأنني مَرَض على البشر! . عادَ خطوتين للوراء، أراد الرحيل
ولكن تايونغ قال: أنا فقط عجبتُ من مدى لامبالاتِك، أستطيع فهمك ربما تكون خائفاً ولا تريد التورط، صحيح؟ أنا آسف لم أتفهم أنك مختلف عني . وقفَ تين مكانه متردداً

أيترك تايونغ وينهي اللعبة بصمت؟ أم يجلس بجانبه، قريباً منه كي لا يضيع؟
لوهلة، شعر تين أنه في وهم، لا حديث ولا كلمات، كل ما في المكان هو تغريد الطيور وبَرْدٌ خفيف، وخشخشة الشجر كلما هَمَّت الرياح بالزيارة، وشعورٌ كريه
ينظران لبعضٍ في صمت، يتمايل شعره بفِعْل الرياح

نكَّسَ تين رأسه وعاد بخطواته يجلس، بجانب تايونغ
ولكنه قال: أنا.. لا أريد إكمال اللعب، دعنا ننام! . مَدَّ يده لتايونغ
استلقى تايونغ وأتكأ رأسه على جذع الشجرة، أمسكَ يد تين، استلقى بجانبه تين
تَدْخُل الشمس عليهما وتطلُع مع حركة ورق الشجر، خشي تايونغ أن يضيف المزيد من الحديث؛ فيغضب تين
استمر الصمت حتى في عُمْقِ رُوحَيْهِما

كان تايونغ يتفنن بإرسال القشعريرة الحلوة لعمود تين الفقري
كان يحرّك سبابته بنعومة على ظهر يد تين، على عظم أصابعه، وخصوصاً عظم إبهامه
كانت يديهما خفيفةً معاً
قال تايونغ: أنت تتعرض للشمس دوماً، انظُر إلى التجاعيد على يدك ازدادت! . تنهد تين
قال مُنزعجاً، بتعابير وجهٍ جادّة: لا تُركّز على عيوبي، ركّز معي أنا! . رفع تايونغ مُقلتيه اللامعة عن يد تين
قال: بلا! أنا أحب عيوبك، تشعرني أنك إنسانٌ أكثر . أمال تين رأسه
قال مع ابتسامةٍ صغيرة: أنت تعشقني! . صدرت آهةٌ خافِتة مِن فَيْهِ تايونغ، ثُم أخذ يُقَهْقِه .

LUDUS حيث تعيش القصص. اكتشف الآن