الحقيقي يبغض زَيْف المثالية

480 49 3
                                    



طوال الليل يسمر مع نفسه، يستعيد ذكريات يومه ويضحك خجلاً
أراد النوم ولكن لم يستطع، حتى الثالثة فجراً
نامَ إلى السابعة صباحاً
وبعدها استيقظ على طَرْق عمته على الباب
تخبره أن يجهز نفسه للحقل

تمطط على فرشه وتثاءب، أحمر الجفنين ودامع المقلتين
حدّق بأصابعه تتلوّن بأشعة الشمس تارةً ثم تظلم تارة
حتى الرياح تدفع بالستار ليرتفع ولكن ثقله يهبط به مجدداً على حواف النافذة
بَرْدُ الصباح يكسله أكثر

مط جسده ليقوم وحكّ جفنه الأيسر، سار حانياً كتفيه ومنكّساً رأسه
يفرك جفنه بلا انقطاع
حين وصل لنافذة العلِّية المزركشة رفع رأسه، صَحْصَحَ مع زيارة أصوات طيور النورس لأُذنه، تُنْشِد النشاط الذي لا يشبهه

مَرَّرَ أصبعه على العفريتة الناثرة للرماد، لا تكلُّ عن وضعها في زاوية العالم هذه، تزين النافذة بفتنتها وتَتّكل على الشمس لتطرح ظلالها على الخشب المفروش قواعِدَ للبيت
تساءل عن ناحِتها، ماذا كان يشعر حين فَصَّلَ الصدق بين اعوجاجاتها؟.

رفعَ كتفاه وترك ملامسة العفريتة، صب على روحه نعيماً يسيل عبر فتحة بؤبؤتيه، حين تأمل من زاوية بصره، خلف النافذة، أشجار عملاقة داكنة الخضار، سماء فاتحة وسحبٌ ريشية بدت كأنها أواخر أجنحة ملائكة تسابقوا وسط السماء، قبل زمنٍ سَبَقَ الرؤية البشرية
ملأ قلبه بإطالة الرؤى، كأنه تمثالٌ منحوت مع هذا البيت، من شدة سكونه، قد نُسِيَ وقد نَسَىٰ نفسه.

أحَسَّ وضعه وترك النافذة متلهّفاً، اليوم باردٌ عليه ولا يحتاج الاستحمام، فقط ترك الماء يصب من الصنبور وفركَ وجهه على كسل، ثُمَّ غسل أسنانه وتمضمض بسائل ليمون منعش مُصَنَّع
تثاءب مجدداً وذهب ليبدل منامته على عجل، فقد أدرك أخيراً أنه تأخر على عمته...

-

نزل الدرجات قافزاً، وشعره يطير ويهبط فوقه، لمعته السوداء تدهش ملوك العتمة حد الغيرة
وضع يده على طرف الباب برقة، وبيده الأخرى يمسك كتاباً صغيراً
ألقى نظرة على عمته
تثبت عينيها اللامعتين على بتلات زهرٍ برتقالي اللون نادر، تتخلص من الأطراف المتقشّفة عن الأوراق الخضراء الدهنية، ثم تسقطها باحترافٍ على زاوية إناء الزهرة
قد علم أنها مفتونة بهاديا الله الصغيرة كهذه، مثله تماماً.

قفز حاجبها الأيسر وباغتته بعينها تثبت عينه، طرق قلب المسكين
قالت: تعال ارتدِ المريلة!. رفعتها بيدها، يدوية الصَنْعَة صوفية
بها شَقٌ بالوسط بداخله مقص ومِرَش
اقترب إليها بهدوء، أخذها بكلتا يديه وأدخلها من رأسه، ثُم حَشَرَ كتابه في المنتصف بين المقص والمرش
ربط المريلة حول خصره العريض وهو يتأمل الزهر

التقطت فضوله وأعفته عن السؤال، قالت: أُسميها زهرة الوَرَع، ألا تبدو ثقيلة وغنية؟ الأحبُّ إلي
هَمَسَ: جميلة! . عاد بريق عينيه مع ثبات نبرة صوتها
ولم يذب جمود وجهه، إنما تتبع خطوات عمته بكلِّ رِضىٰ...

LUDUS حيث تعيش القصص. اكتشف الآن