حزينٌ لسبب

284 38 17
                                    



العصر

قفزَ تين من على الكنبة عائداً للواقع، حين أدرك أن الوقت قد مضى وأن غروب الشمس اقترب
كان يستلقي ممداً ويرفع كتاباً لمرمى عينيه، فوق وجهه، وجزء من بطنه كان مكشوفاً
وما كانت الشمس تحط عليه بل ظِلال الأشياء حوله، كان مرتاحاً ولكن حقيقة أن النهار مضى سريعاً أفزعته بعض الشيء
عدّل هندامه الآن، ووضع الكتاب ليشغل زاوية الكنبة

سارَ ببطءٍ حين قرر أنه لَمْ يلتقِ تايونغ اليوم، هو سيذهب له الآن
خرج من المنزل ووجد عمته تكنس أرضية البيت في الوراء
قال بخفوت وهو يأشر بأصبعه لفوق: أنا ذاهب . هزّت رأسها موافقة واستدارت بالمكنسة على باقي الأرضية

سارَ على ظلالِ النبات والحشائش الطويلةِ موسِّعاً خطواته، شمسُ العصرِ باردة ولطيفة دوماً
كانت الغيوم فوقه تشبه القطن، منفوشة ومتكتِّلة، هو اليوم مَن يلبِسُ الأسود
مع إسوارة فضية يتدلى طرفها تحيط عظم معصمه العريض، ناعمة المنظر خفيفة على اليد
كانت بشرته مع اللون الأسود وردية وكان قد أحسن اختيار تصميم البلوزة، إذ كانت وسيعة عند كتفيه فبرزت عظام ترقوته للعيان، وقد ضاقت قليلاً عند خصره، فبدا كأن لخصره انحناءات ولكنه ليس كذلك، كأنه جسمُ رياضي، ولكنه ليس كذلك أبداً

قطعَ حقل القمح بسرعة وخرج منه ينفظ ملابسه
كان تايونغ موجوداً، يسيرُ على بعد عشر خطواتٍ ويسقي الأرض بذاك الآني الفخّاري، لم يلمح تين آتٍ
لذا، تبعه تين صامتاً
ثُم نقرَ كتفه ففزع الأطول، واستدار مستغرباً
بدا مُرهَقاً
ابتسم تين وانحنى، اتسعت ابتسامة تايونغ وقال بهدوء فَرِحاً: أتيت! .
كأنهما بدآ يعتادا على بعض، تآلفا رُبما

سارَ تايونغ معاكساً لطريق التل، في البداية لم يفهم تين، إلى أن تذكر وجود المستنقع الذي زاره أولاً، كأنه حلم
سارَ على خطى تايونغ ينقر الطريق بأطراف أصابعه، لم يحاولا التحدُّث، كأنهما في تعبٍ من ليلة البارحة
إنما هَمْهَمَ تايونغ لَحناً حزيناً مأولفاً، وحاول إضافةَ بهجةٍ إلى النغمات من حلقه
حَكَّ تين ما بين حاجبيه بظفر سبابته، وقد وصلا.. المستنقع

تنهَّدَ تين مرتاحاً وتقدَّمَ تايونغ بخطوة، ابتسم ومسحَ المكان بعينيه بِرَويَّة، هَبَّت رياحٌ تحمل من الرطوبة القليل، وألقت بشعره كله للوراء، حررت جبينه العريض
أطال تايونغ ناظريه على تين صامتاً، ولم يكن تين يحاول أدنى التفاتة إلى رفيقه
تقدّم تين واثقاً، كمالِكِ المكان، وقعدَ على وسط الكرسي، ثم دعى تايونغ بيديه ليقعُد، تسحَّبَ تايونغ حتى وصل لجانب تين، ولكن لَمْ يقعُد، بل استمر يجر قدميه ببطء حتى وقف أسفل الشجرة المائلة كثيرة الورق
حرَّرَ تايونغ كلمات حوارٍ من صدره: أنهيتُ قراءة القصة التي أعرتني، يا للأسف! كم بكيتُ البارحة لشدة انفعالي! أتعلم، نمتُ النهار كله بسبب السهر، قد غضب والدي جداً، أرادَ مني الاهتمام بالقمح ككل يوم وتنظيف البيت والعناية بكل شيء! ولكني كنتُ نائماً، ليس بيدي حيلة، لم أستطع حقاً التوقف عن القراءة، تلك الليلة . استقام تين واقترب من البركة
أكمل تايونغ: كنتُ.. أفكر بك طوال القصة، أسئلة عكرت الجو علي، كيف يمكنك قراءة التعاسة بِنَهم؟ ولكني لا ألومك، يا للإتقان! نادرة هي القصص العظيمة في حياتي . لمعَت مقلتا تين
أخذَ تايونغ الكتاب من أسفل الشجرة، وأعطاه لتين

LUDUS حيث تعيش القصص. اكتشف الآن