المقصد الثاني

21 6 0
                                    

الفصل الثاني:
في توضيح هذا المطلب وإكمال:

اعلم ان الايمان بالمعارف الالهية واصول العقائد الحقة لا يتحقق إلا بان يتوجة اولا الى تلك الحقائق بقدم التفكر والرياضة العقلية والايات والبينات و البراهين العقلية وهذا المرحلة هي بمنزلة مقدمة للايمان فلا يكتفي العقل بمجرد ان ياخذ حظه من هذه المعارف ولا يقتنع بالقدر البسيط منها لانه كما هو معلوم ذو اثر قليل ولان نورانية التي تنتج عنه هي ايضا قليلة للسالك الى الله بعد هذا ان يشتغل بالرياضات القلبية ويوصل هذه الحقائق بكل جهد ممكن الى القلب ليؤمنها وفي هذا المقام تختلف مراتب الايمان ولعل هذا معنى الحديث الشريف حيث يقول:(العلم نور يقذفه الله في قلب من يشاء) لان العلم بالله ما دام في حد العقل فهو نور وبعد الرياضات القلبية يقذفه الله تعالى في القلوب المناسبة فتؤمن به. مثلا حقيقة التوحيد الذي هو اصل اصول المعارف وتتشعب منه اكثر فروع الايمان والمعارف الالهية والاوصاف الروحية الكاملة والصفات القلبية النورانية ما دامت في الادراك العقلي فلا يترتب عليها من هذه الفروع شيء ولا توصل الانسان الى اي من هذه الحقائق مثلا التوكل على الله تعالى احد فروع التوحيد والايمان ونحن غالبا اما بالبرهان او بامور تشبه البرهان قد تمت اركان توكلنا ولكن حقيقة التوكل ليست حاصلوا فينا كلنا نعلم انه لايمكن التصرف في مملكة الله الحق تعالى من دون اجازته القيومية واشارة الى الذات المقدسة الاشراقية وانه لايقهر ارادة احد ارادة الذات المقدسة القويم ومع ذلك فنحن نطلب الحاجات من اهل الدنيا وارباب الثروة والتمكن ونغفل عن الحق تعالى وتوكلنا على عالم الطبيعة باوضاعه واموره يفوق مئات المرات توكلنا على الله تعالى.
وليس هذا الا لان حقيقة التوحيد الفعلية لم تحصل في قلوبنا والحكيم الفيلسوف يقول لا مؤثر في الوجود الا الله وهو يطلب الحاجة من غير الله والمتعبد المتنسك يجعل ورده (لاحول ولا قوة إلا بالله)و(لا اله الا الله) ولكن عينة ناظرة الى ايدي الناس وهذا ليس الا لان برهانه لم يخرج عن حد العقل وادراكه لم يصل الى القلب ولم يتجاوز ذكره لقلقة لسان بينما لم يذق القلب منه شيئا كلنا ننادي بالتوحيد وندعوا آلله ب(مقل القلوب الأبصار) والخير كله بيده والشر ليس اليه ونتوجه مع ذلك الى استمالة قلوب عباد الله تبارك وتعالى ونتمنى دائما الخيرات من ايدي سائر الناس وهذه كلها ليست الا بسبب ان القلب لا علم له بالحقائق العقلية او انها عنده مجرد لقلقة لسان لم يصل الى مرتبة الذكر الحقيقي نحن نعلم ان القرآن الكريم نزل من معدن الوحي الالهي لتكميل البشر وتخليص الانسان  من سجن الطبيعة الظلماني ووعده ووعيده كله حق صريح وحقيقة ثابتة وليس في كل مندرجاته شائبة خلاف الواقع ومع ذلك فهذا الكتاب الالهية العظيم لا يؤثر في قلوبنا القاسية بمقدار ما يؤثره اي كتاب في القصة فان قلوبنا لم تتعلق بوعوده لننزعها من هذه الدنيا الدنية والنشأة الفانية ونعلقها بالنشأة الباقية ولم يوثر وعيده فينا لنحترز من المعاصي الالهية ومخالفة ولي النعمة وهذا ليس الا لان حقيقة القران وحقيته لم يصل الى قلوبنا ولم تؤمن به ولان الادراك العقلي قليل الاثر جدا وعلى هذا القياس فان جميع النقائص التي فينا وجميع تمرداتنا ومخالفاتنا وحرماننا من كل المعارف والاسرار هي من جهة النكتة فاقرا انت الحديث المفصل من هذا المجمل.

💙💚💙💚💙💚💙💚💚💛💚💛
☁️❤☁️❤☁️❤☁️❤☁️❤☁️❤

اللهم عجل لوليك الفرج ياالله ☘☘

جنود العقل والجهلحيث تعيش القصص. اكتشف الآن