⭐المقصد الرابع⭐

4 2 2
                                    

الفصل الثاني:
في بيان الفرق بين الرجاء والغرور:

اعلم ان الانسان بسبب حب النفس والاعجاب بها يغفل عن نفسه وربما يرى التناقص والعيوب الموجودة فيها كمالا والاشتباه بين الصفات النفس كثير جدا وقل من يقدر على المييز بينها تمييزا صحيحا وهذا احد معاني من نسيان النفس او احد مراتبها الذي يحصل نت نسيان الحق تعالى وقد اشار الى ذلك في سورة الحشر الايه١٩ (ولا تكونوا كالذين نسوا الله فانساهم انفسهم اولئك هم الفاسقون) ولسنا الان في صدد البيان التفصيلي لهذا فمن الامور التي هي مصدر اشتباه والمرء يغتر بها بسبب انحجابه هو التمييز بين الغرور والاماني وبين الرجاء و الوثوق بالحق تعالى ومن المعلوم ان الغرور من اكبر جنود ابليس على خلاف الرجاء الذي هو من جنود العقل الرحماني مع ان هذين ايضا يختلفان ويتميزان بحسب المبادئ وبحسب الاثار ايضا
فمبدا الرجاء العلم بسعة الرحمة والايمان يبسط الفيض والكمال والاسماء والصفات ومبدا الغرور التهاون بالامر الالهي والجهل بعوالم الغيب وصور الافعالة الغيبية ولوازم صفات النفس الملكوتية ومن هذه الجهة تختلف اثار هذين ايضا لان من له معرفه بسعة الرحمة وبسط نعمة الحق وايمان بها تحصل له حالة الرجاء وهذه المعرفة تدعو الى تزكية الاعمال وتصفية الاخلاق والجد في اطاعة اوامر المولى وولي النعم اما صاحب الغرور الواقع في مصيدة الشيطان والنفس الامارة فيتخلف عن كسب المعارف وتحصيل الاخلاق الكريمة والاعمال الصالحة والنفوس الراجية في حين تقوم بالامر على اكمل وجه لا تتكل على اعمالها واحوالها لانها وجدت عظمة الحق وعلمت ان كل شيء صغير مقابل عظمته وكل كما لا قيمة له مقابل جلالة قدرة فاتكالهم على رحمة الذات المقدسة وبسط فيضها ولكن النفوس المغرورة تتخلف عن جميع الكمالات وتقحم نفسها في وصف اراذل الحيوانات وتغفل عن الحق تعالى ورحمته وتتحول عنها وقولها( ان الله ارحم الراحمين) و (الله اكبر) مجرد لقلقة لسان والشيطان يشجع الانسان على المعاصي الكبيرة وترك الواجبات العظيمة وياقنه ان يقول في مقام الاعتذار آلله اكبر في حين انه لو وجد ذرة من عظمة الله تبارك وتعالى لما امكنه ان يخالفه في محضره وحضوره ورغم انعامه علية هؤلاء يذكرون الله بالتعظيم والاجلال ويعترفون برحمة الحق تعالى لانفسهم ولغيرهم ولكن افعالهم واعمالهم لا تشبة من تجلت في قلبه عظمة الحق ووقع في نفسه شعاع من نور سعة رحمة الله تعالى  وهؤلاء يتهاونون بامور الاخرة ويتكاسلون عنها ويسمون عملهم الرجاء الواثق ويصورونه بصورة الاتكال على عظمة ألحق ولكن في الامور الدنيوية يشتغلون بكمال الحرص والعجلة الى جمعها وتحصيلها وكان الله تعالى كبير في الاخرة وما يرجع اليها من امور وليس له عظمة في الامور الدنيوية وهؤلاء في الامور الدنيوية يعتمدون على النفس والخلق اعتمادا كاملا ويغفلون تماما عن الحق حتى انهم لا يذكرون اسمه ولكن في الامور الاخروية يقولون نحن نتوكل على الله وهذا اليس الا الغرور وبالجملة اصحاب الرجاء لا يتاخرون عن العمل بل يجدون فيه اكثر من غيرهم وليس اعتمادهم على عملهم بل اعتمادهم في عين العمل على الحق تعالى لانهم يرون قصورهم وسعة رحمته تعالى فالمغرورون يشبهون اولئك المشتغلين باللهو في ايام البذار حيث يصرفونها بالكسل ويقولون ان الله اكبر ويقدر ان يعطي من دون بذر واما الراجون فهم يشبهون بزارع قام بعمله فنثر البذر في وقته وسقاه الماء وطلب نموه من الحق تعالى وراى ظهور الثمرة وبدءها نتيجة قدرة الله تعالى
وا(لدنيا مزرعة الاخرة) كما هو مبرهن ومروي ايضا عن الرسول صلى الله عليه وسلم فالذين لا يعلمون ويطلبون الرضا والنتيجة الحسنة هم المغرورون والذين يعملون ويعتمدون على عملهم هم المعجبون اللذين نسوا انفسهم وغفلوا عن الحق والذين يعملون ويحتقرون انفسهم واعمالهم ويعتمدون على الحق تعالى وسعة رحمته اولئك اصحاب الرجاء وعلامتهم انهم في الدنيا ايضا لا يعتمدون ولا يتوكلون الا على ألحق تعالى واعينهم مغلقة عن سائر الموجودات ومفتوحة على جمال الجميل ولا يتاخرون عن العمل بالوظيفة والقيام بالخدمة بل ان معرفتهم تحركهم الى العمل وتمنعهم عن المخالفة وقد اشير الى ذلك في الاحاديث الشريفه كما في الكافي الشريف عن الصادق عليه السلام:قال قلت له : قوم يعملون المعاصي ويقولون نرجو ولا يزالون حتى ياتيهم الموت.. فقال هؤلاء قوم يترجحون في الاماني كذبوا ليسوا براجين ان من رجا شيئا  طلبه ومن خاف من شيء هرب منه ورواية اخرى بهذا المضمون  الا ان فيها كذبوا ليسوا لنا بموال
وايضا عن الكافي الشريف عن الصادق عليه السلام انه قال: لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يكون خائفا راجيا ولا يكون خائفا راجيا حتى يكون عاملا لما يخاف ويرجو وايضا في الكافي الشريف عن الباقر عليه السلام قال: قال رسول الله ص قال الله تبارك وتعالى: لا يتكل العاملون لي على اعمالهم التي يعملونها لثوابي فانهم لو اجتهدا واتعبوا انفسهم اعمارهم في عبادتي كانوا مقصرين غير بالغين في عبادتهم منه عبادتي فيما يطلبون عندي من كرامتي والنعيم في جناتي ورفيع الدرجات العلى في جواري ولكن برحمتي فليثقوا وفضلي فليرجوا والى حسن الظن بي فليطمئنوا فان رحمتي عند ذلك تدركهم ومني يبلغهم رضواني ومغفرتي تلبسهم عفوي فاني ان الله الرحمن الرحيم وبذلك تسميت
الاحاديث في هذا الباب كثيره فطالع ايها العزيز احوال نفسك وميزها من مبادئ احوالها ومن ثمراتها وانظر من اي طائفة نحن هل كبرياء الله وعظمة رحمته وسعة مغفرته وبسط بساط عفوه وغفرانه يجعلنا راجين للذات المقدسة اواننا ابتلينا بالغرور الشيطاني وغفلنا عن الحق وصفات جماله وجلالة بالتساهل بامور الاخرة فاحترام العظيم والمنعم واحترام محضر اي شخص امر فطري لدى الانسان وارباب الدنيا الذين يحترمون اصحاب نعيم الدنيا او اصحاب القدرة والعظمه الدنيوية من جهة اقتناعهم انهم عظماء ومنعمون فلذلك دعتهم فطرتهم المحجوبه الى احترامهم وانت لو تجلت في قلبك عظمة الحق وسعة رحمته وبسط نعمته ومغفرته وشمول عفوه وغفرانه فالفطرة المخمرة فيك تدعوك الى الاحترام والتعظيم في محضرن الذي يشمل العالم باسره فلن تصدر منك مخالفة لان المخالفات من الاحتجاب والاختجاب هو سبب الغرور
🍀فتنبه ايها العزيز واستيقظ من النوم الثقيل واحذر الغرور الشيطاني فان هذا الغرور يهلك الانسان هلاكا ابديا ويؤخره عن قافلة سالكي الطريق ويحرمه من كسب المعارف الالهية التي هي قرة عين اهل الله
واعلم انه لا تؤثر مع الغرور المواعظ الالهية ودعوات الانبياء ومواعظ الاولياء لان الغرور يقلع جذورها كلها وهذا من مصائد ابليس الكبيرة وحيال النفس الدقيقة حيث يغفلون الانسان عن التفكير في نفسه وأمراضه ويجوبون النسيان والغفلة ويعجز الأطباء النفسانيون عن علاجه فيتنبه في وقت اليأس من الاصلاح وانسداد طريق العلاج بالكامل قال الله تعالى: (وانذرهم يوم الحسرة اذ قضي الامر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون)

🍃🍃🍃🍃🍃💚💚💚💚
اللهم عجل لوليك الفرج ياالله      

جنود العقل والجهلحيث تعيش القصص. اكتشف الآن