الفصل الثالث

382 16 2
                                    

الكلف: الولع وشغل القلب بالشخص، اللوعة بالحب من أكثر درجات الحب لوعة وحرقة تجعلك تتأرجح بين الرفض والإيجاب بين الارتباط والوحدة وكأنك على شفا حفرة من نار والجنة على بعد خطوة تتأرجح  لا تعلم إلى أين ستذهب.

الفصل الثالث
لكنها تعلم أنه لن يقسوَ عليها مهما فعلت.
طرق والدها باب غرفتها فوجدها نائمة فحاول أن يتمالك أعصابه ووضع يده على جبهتها وتحسس خصلات شعرها فاستيقظت، قبلت يده وقالت بحنان:
- أبي أنت غاضب مني أعلم ذلك جيدًا لم أسمح له بإهانتي تركت العمل وعدت للمنزل قبل أن أحطم المكتب فوق رأسه.
تحدث بغضب: هذا ليس من اختصاصاتك يعاقب من يشاء فهو نائب مدير الشركة.
خبطت يدها بالحائط: لكنه ليس صاحبها! مَن هو ليمنع رزق رجل مسكين ويتعالى عليه؟ لن أسمح له بذلك.
دخلت والدتها الغرفة وطلبت من والدها أن ينهي الحديث وأخبرته أنها شعرت ببعض التعب بعد أن عادت لم تخبره بما حدث تفصيليًّا كي لا يحزن على ابنته التي كفنت قلبها ودفنته مع رجل لا يستحق حبها من وجهة نظرهما.
خرجا للصالة وجلس كل منهما بركن من الأنتريه الرمادي اللون واحتسوا فناجين القهوة وهم يشاهدون معًا أحداث اليوم بميدان التحرير وارتكزت الكاميرا على نور تقف مع شابٍّ طويل القامة بشرته سمراء عيناه سوداوان شعره ناعم وغزير تجلس بعربة الإسعاف وممرضة تداوي قدمها، فنظر لها والدها نظرة عتاب وتعجب من نور ابنته التي تخشى من الذباب بميدان التحرير كيف ولماذا؟ فقال وهو يهز رأسه:
- لهذا السبب افتعلتِ شجارًا بالشركة كي تهربي للموت مثل ياسر أليس كذلك؟
حاولت أن ترد على حديثه لكنها صمتت لم تقوَ على الحديث بعد أن ذكر اسمه اكتفت بالنظر إليه فحاولت والدتها أن تغير مسار الحديث فسألتها:
- أهذا الشاب هو كريم؟
والدها باندهاش: مَن كريم يا نور؟
اقتربت منه واضعة يدها حول عنقه: كنا ندرس معًا بالمدرسة.
ضحك كثيرًا متذكرًا حكايات نور عن كريم ودميتها الصغيرة التي ابتاعها لها فأطلقت عليها اسم «مرمورة» وقالت إنها ابنة كريم، نظر والدها لدميتها التي تضعها دائمًا فوق الرف الزجاجي وقال بمزح:
- إذن عاد والدك يا مرمورة.
والدتها بسعادة: طويل هو والدك يا مرمورة، والدتك تقترب من الأرض.
ضحك الجميع وخلدوا إلى النوم.

تشاجر كريم مع والده بعد أن صرخ بوجهه وهو يحادث نور حقًّا لم تسمعه نور لكن كان محتملا أن تسمع وتعلم أن والده يعامله كطفل أو كعبد لديه يكره وجوده وينبذه دائمًا ما يرسل له إشارات أنه لا يريد وجوده بالحياة.
كريم يتكئ على طرف المقعد يضيء النور ويطفئه مرات متوالية يتذكر تلك المصادفة التي جمعته بنور. لقد كان بأمَسّ الحاجة لمنفذ يعود به ليستنشق جمال الحياة مرة أخرى رغم علاقته بهاجر ما زال يحلم بكلمة صادقة تروي عطش قلبه المشتاق للحياة لقد افتقد الحنان طيلة عمره لم يشعر بوجود أهله بجواره لم يعرف للأمان طعمًا لم يدرك المعنى الحقيقي للعائلة مع أب يأبى الحنان على ولده الوحيد وأم ترجف حين تسمع كلمة من زوجها، ظهرت بحياته هاجر الفتاة السمراء ممشوقة القوام يتزين وجهها بالحجاب فيزين ملامحها المميزة بصغرها وعينيها الواسعتين بلونهما العسلي، تحركت مشاعره تجاهها، نظرًا لخجله كان كلما نظر إليها بمدرجات الجامعة تحمرّ وجنتاه، تجري القشعريرة بأنحاء جسده، تذكر حين تجرأ للمرة الأولى وتحدث معها.
- هل من الممكن أن آخذَ منك دفتر محاضراتك، فقد لاحظت التزامك في الحضور؟
هزت رأسها بالإيجاب.
فسألها هل ممكن أن يأخذ رقمها كي يعيده لها؟
اقترب موعد المحاضرات على الانتهاء لنستعد للامتحانات تبادلا نظرات الإعجاب ونشأت بينهما صداقة عميقة فباتا لا يفترقان وبآخر يوم من امتحانات الجامعة اجتمع الأصدقاء.
- هاجر: أشعر أنني لن أراكم ثانية.
لم ينطق كريم بل نطقت عيناه وبدا شوق سنوات ولهفة كبيرة: لا تقولي إنك ستموتين فأنتِ سر وجودي.
فأجابت عيناها: إني كاذبة فقط كنت أتلهف لهذه النظرة بعينيك.
ومن هذه اللحظة بدأت حكايتهما.
كريم محدثًا ضميره: لماذا انجذبت لنور؟، خطفت روحي ولأول مرة أداري شيئًا عن هاجر حبيبتي!
اتصل بهاجر فأجابت على الفور
كريم بجدية: هاجر ضميري يؤنبني؟
- اعترف ماذا فعلت؟
- وأنا في ميدان التحرير
قاطعته هاجر وبغضب: الميدان ثانيةً؟! ألم أقل لك إني أخشى عليك حين أسمع صوت الرصاص يصرخ قلبي باسمك حين يقولون سقط شهداء أهرول كالمجذومة لأسمع صوتك وحين أسمع صوتك ترد روحي من جديد سامحتك لكن لا تذهب الميدان مرة أخرى أرجوك.
ازداد ارتباكه.
- لكن يا هاجر ليس هذا ما أود أن أعترف به
هاجر بشغف وفضول: ماذا فعلت لستُ مطمئنة؟
كريم بتردد: تقابلت هناك مع صديقتي منذ الطفولة تدعي نور وشعرت بانجذاب وإعجاب دفينين بها شعرت حينها أنني أخونك بمشاعري فقررت أن أعترف لك.
تلعثم لسان هاجر ودب الرعب نواقيس قلبها لا تعلم لماذا تعالت دقاتها بمجرد سماع اسم نور
لم تظهر هاجر غضبها للحظة وهذا ما ينقص كريم فقط بعض الاهتمام والشعور برجولته ستبقى تلك النقطة الفاصلة بينه وبين هاجر غيرت هاجر مسار الحديث وبجدية: متى ستأتي لتقابل والدي؟
زفر كريم بغضب:
- أخشى أن أقول ذلك أمام أبي أخشى من صوت نفسه كيف سأخبره بكل جرأة أنني أريد أن أتزوج فهو دائمًا غاضب من وجودي؟!
غضبت وقالت:
- إلى متى سنظل على هذه الحال؟ كريم أنت لست جديرًا بالمسؤولية، أنت لست على قدر من الثقة التي أعطيتك إياها.
بدأت تتهمه اتهامات عديدة حتى صرخ بوجهها
- إلى متى ستظلين تتهمينني كذبًا؟ أنتِ عاشقة للتقليل من شأني وستظلين كذلك لذا أنا متأكد أن مشاعرك تجاهي مليئة بالزيف.
أغلقت الخط وأجهشت بالبكاء إلى متى ستظل على هذه الحال؟ تخشى خروج كريم من دائرة حياتها لكنها لا تجد حلًّا لهذه الأزمة فلن يخلصها من تحكمات عمها سوى قبولها الزواج. تحب كريم ولكن هل يصل قدر  هذا الحب إلى أن تنتظره؟
***
ذهبت ميرا ونور لميدان التحرير مرة أخرى فوجدت شابًّا يصرخ بعد أن تلقى طلقة بذراعه اليمنى بمحاولة لإنقاذ صديقه الذي لقي مصرعه بطلقة بقدمه لكنها وصلت لشريان قلبه وتوفي في الحال.

استكانة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن