الفصل السابع والعشرون

171 4 0
                                    

صحوة الحب: فجأة تنهض من غفلتك نادمًا على كل ما فعلته، لتحظى بالحب بعد أن تيقنت أنك قدمت كل ما بوسعك، تحملت حتى طفح الكيل، حينها تصحو وكأنك من أهل الكهف، نائم دون أن تشعر.

الفصل السابع والعشرون
كريم يطمئن عليها ويحكي لها تفاصيل يومه، يسألها عن حالها، يصغي إليها وهو مسرور، اتفق معها أن تتناول معه الغداء في اليوم التالي، فكرت قليلًا ثم وافقت، فهي بدأت تشعر بلذة الاهتمام، هذا الذي تمنته طيلة عمرها لكن من شخص آخر. وفي اليوم التالي، مر اليوم كأي يوم، وفي نهاية اليوم عادت إلى المنزل لترتدي أجمل ثياب لديها، ولم تضع نقطة مكياچ واحدة، خرجت وهي مطمئنة وتشعر بالانتصار، فهي من وجهة نظرها تخون ياسر الذي فضل آسيا عليها. ركبت تاكسي ليأخذها إلى هناك، السائق يرتدي غطاء رأس يحجب وجهه، غير مسار الطريق التي تحفظه هي تمامًا، سألته لمَ يسلك هذا الطريق، فأغلق السيارة بالكامل، تعالت أنفاسها خوفًا، فأشار إليها أن تصمت وكشف وجهه، ياااسر هو من يقود السيارة! لم تعرف طبيعة مشاعرها حينها نزل من السيارة في مكان يسوده الظلام، نزلت هي وراءه تسأل بفضول عن سبب أخذه لها بهذه الطريقة، فاقترب هامسًا بأذنها:
- أحبك يا نور!
تذكرت حديث الجميع، كيف يحبها وهو فعل كل ذلك ليتخلص من خطبتهما، فتحدثت بطلاقة:
- لا، لم تحبني يومًا ما، لم تعطني نصف ما أستحق، أنت إنسان أناني، ترغب بتملك كل شيء.
اقترب منها وحاول أن يقبلها وتحسس ظهرها، شعرت بغرابة تصرفاته فصرخت، لم يسمعها أحد، جرت بعيدًا وهو وراءها يحاول أن يمسك بها وهي لا تفهم شيئًا، أخرجت هاتفها من ملابسها واتصلت بكريم وهي تصرخ بخوف:
- أرجوك، الحق بي.. ياسر خطفني ويحاول الاعتداء علي، الحقني أرجوك، أخبر أبي أن يلحق بي أرجوك!
جن جنون كريم بعد أن أغلقت نور الخط فجأة، اتصل بخالد بسرعة وأخبره بما حدث، فألقى كوب الشاي الذي يحتسيه بالحائط ونزل بسرعة جنونية، أخذ كريم إلى القسم ليقدم بلاغًا بما حدث، فالمكالمات التي تأتي على هاتف كريم تسجل تلقائيا.
***
نور ما زالت تقاوم ياسر الذي جن جنونه حين طلبت من كريم خصيصَى أن ينجدها منه، أحكمها بخانة صغيرة فدفعته بقوة، سقط على حجر فسال الدم من وجهه وفقد الوعي تمامًا، صرخت بخوف:
- يااااسر! أرجوك انهض يااااسر!
أخذت هاتفها منه، فتحته وتحدثت مع والدها على الفور، خالد يجلس أمام الضابط، فجأة اتصال من هاتف نور، أمره الضابط أن ينتظر حتى يتم مراقبة هاتفها لتحديد مكانه بالخريطة، اتصلت بكريم لم يُجِب أيضًا بأمر الضابط، جلست تبكي وتبكي، حتى جاء من بعيد كلب أسود كبير، تمكن الخوف منها، اتصل والدها فأجابته بذعر:
- أبي، الحقني أبي، قتلت ياسرًا، أرجوك الحقني أبي!
ظل معها على الهاتف حتى وصل إليها هو وعربة الإسعاف والشرطة، أخذت الإسعاف ياسرًا، ونور تختبئ بوالدها رعبًا، نظرت إلى سيارة الإسعاف، تفكر هل تذهب مع ياسر أم ستتركه بعد أن حطم بيده آخر جزء كان له بقلبها. أشار والدها بيده لا، وأعطاها هاتفه لتشاهد الفيديو الذي أرسله إليه ياسر، أغمضت عينيها من قسوة الموقف، تأكدت من خروجه من قلبها إلى الأبد، فهي تقبل منه أي إهانة سوى الاعتداء عليها جنسيا، أما أن يكشف هذا الأمر أمام والدها وضحكات أصدقائه لا يمكن أن تتحمله، فرغم كل شيء لديها كرامة، لو ستدهس قلبها لن يدخل مجددًا من هذه اللحظة، كل ما جال بخاطرها، ماذا لو مات ياسر، ستُلقى في السجن؟!
أخذها الضابط إلى سيارة الشرطة والدمع يغرق وجهها ونظرات الخذلان بعين والدها، تتمنى الموت أفضل من أن يراها والدها بهذا المنظر.
***
في المشفى حركة سريعة وتوتر، أخذ الأطباء ياسرًا بسرعة إلى غرفة العناية المركزة، نور مصابة برعب، اتصل والدها بطبيبها ليراقبها في هذا الموقف، تحدث معه بصوت يشبه البكاء:
- سأعطيك كل ما أملك من أموال مقابل إنقاذك ابنتي.
نور كلما نظرت إلى يديها والحديد الذي يلتف حولها تغمض عينيها وتبكي بحرقة، ساعات رتبية مرت على الجميع، نور تدلي باعترافاتها أمام النيابة، كريم يقف بجوارها، يساندها كظلها، خالد في قمة حزنه وخوفه على ابنته وخجله مما يحدث.
آسيا تقف أمام غرفة ياسر تتمنى أن يبقى حيا كي تعاقبه على ما فعل مع ابنة مندور، متناسيًا وجودها بحياته، خرج الطبيب من غرفة ياسر وسأل عن أهله، فهرول والده.
الطبيب:
- هو مصاب بنزيف داخلي، لكنه سيكون بخير.
طلبت آسيا الدخول له كي تراه، فرفض الطبيب تمامًا، سمح لهم بالزيارة في اليوم التالي، فدلفت بعد أن طرقت الباب، لكنه لم يسمع فهو نائم تمامًا، جلست إلى جواره والأسلاك حول جسده، تحدثت معه وكأنه يسمعها:
- سأتركك يا ياسر، أنا كنت مجرد فرصة لك لتربح مزيدًا من المال، وبعد أن أخذت وضعك بالعمل في شركة أبي ذهبت لتعبث بمشاعر نور كي تعود إليها بعد أن كوَّنت عددًا لا بأس به من العملاء وحسابًا كافيًا في البنك. (ابتسمت بحزن)، نحن المخطئون، خطة والدي للإيقاع بشركة مندور لم تكن محكمة، كان يكفي زرع فارس بالشركة وخِداعه ميرا كي يسرق أوراق المناقصات، لكن لم يكن هناك داعٍ أبدًا إلى تقربي من ياسر لتتأثر نور فتشغل خالدًا ويقصر في عمله، كنا مغفلين جميعًا.
ابتسمت والأسى على وجهها، قالت بحزن:
- أبارك لك شركتك التي صنعتها من فتات مشاعري أنا ونور، أما الآن سأتركك وحيدًا، كنتُ أعلم أنه لا بد من تركك، كنتُ أكابر وأعاند مع نور، لكنني لست ذليلة لك مثلها، لم ولن أحبك يا ياسر، لم يدق قلبي تجاهك ولو دقة واحدة.
خلعت خاتم خطبتها، وضعته بجواره، خرجت من الغرفة ورأسها شامخ.
والد ياسر ينتظر لحظة نهوض ابنه كي يفهم لمَ فعلتْ به نور ذلك، فهو يعلم أنها عبرت معه مراحل الحب كافة، نظر إلى آسيا يسألها عن سر رحيلها، فربتت على كتفه:
- سيكون بخير، اطمئن.
رحلت إلى الأبد من حياة ياسر تاركة وراءها ذنب نور التي جرحتها.
***
نور تمكث في الحجز لمدة أربعة أيام على ذمة التحقيقات، تنتظر لحظة خروج روح ياسر من جسده أو إفاقته ونجاتها من السجن، كريم لم يتركها، والده أيضًا جاء ليقف مع خالد في محنته. وبعد مرور يومين، استعاد ياسر وعيه فاستُجوب، اعترف أنه كان يمزح معها وأخرج رسائل الشوق التي أرسلت له إياها قبل أن يختفي آخر مرة، أكد للضابط أنهما ما زالا على علاقة بعضهما ببعضٍ، وما حدث مجرد شجار بسيط، فسأله الضابط:
- تقول نور إنك حاولت الاعتداء عليها!
أجاب ببرود:
- كيف أعتدي عليها وهي على استعداد تام لترك عائلتها والعيش معي؟!
وُوجهت نور بما قاله ياسر، مصدومة هي مما قال، طبيبها يحاول تهدئتها، دموعها لم تتوقف للحظة، كريم مصدوم كيف عادت نور إلى ياسر رغم وجوده معها وعدم تركه لها للحظة، انسحب من القسم بعد أن كسرت نور خاطره وأشعرته أن وجوده يشبه العدم، وعدل عن قرار زواجهما.

استكانة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن