الجراح في الحب
كثيرٌ من العلاقات تفشل بسوء فهم وإلقاء كل طرف المسؤولية على عاتق الطرف الآخر فتصبح العلاقة مؤذية وموجعة تنتهي بألم ووصمة من المشاعر المؤذية لن تنمحي مهما مر بنا الزمان بل تدفن مع صاحبها.
الفصل الخامس
صمتت قليلًا ثم قالت:
- حبيبها، عمرها، قلبها، نبضها، أول من دق قلبها، نطق باسمها وعشقها دون غيرها.
أعجبت ميرا كثيرًا بما قالته لها وطلبت منها أن تتنازل وتكتب هذه الكلمات وتحتفظ به لكنها رفضت وبشدة فهي تخجل من اطلاع أحد على مشاعرها الخاصة.
تذكرت ميرا ما قرأته بمذكراتها حينها سقط الدمع من عينها دون أن تدري حقا نور تمتلك من المشاعر ما يجعلها تمس القلوب برقة كلماتها فتخترق القلب فهي إنسانة حساسة تتميز برقتها، وبالطبع أتى عدو السعادة أ. سيد ليقطع حديثهما وجلست كل منهما على مكتبها تنظر بالأوراق. بينما هي تنظر له من تحت الأوراق بعتاب تنحنح واعتذر لها على انفعاله، فقبلت على مضض فهي الآن لا تكترث إلا بخوفها وشعورها بالعجز حيال التعامل مع نفسها فما أصعب أن يوضع المرء في اختبار كهذا يفشل في إسعاد -بل فهم- ما يحتاجه، يتخبط بالحياة ويبحث طيلة الوقت عن مفتاح لفك رموز حجر رأسه وحين يتأكد أنه فشل بجدارة يجلس أمام حائط مسدود ليس وراءه شيء يصرخ وكأنه بجبل مهجور تتوالى صرخاته لكن لم يسمع دويها غيره.
***
اتصلت هاجر بكريم تطمئن عليه بعد رحيل نصفه الآخر فلامها على غيابها في أثناء العزاء وهجْرِها له منذ الليلة الماضية، رن بأذنه كلام نور
- هاجر تحبك كثيرَا، تحبك كثيرًا
- أين كُنتِ البارحة ألم تقولي إنك ستأتين للعزاء ونتناول العشاء معًا؟
زفرت تهربًا من استكمال الحديث
- أتى ضيوف لمنزلنا فلم أقوَ على تركهم
فتحدث بغضب عاقدًا حاجبيه
- «سيف» بالتأكيد! فحين يأتي أصبح أنا غير مهم بالمرة!
غضبت من كلمته وأسقطت عليه غضبها متهمة إياه بالتقصير فلو تقدم كريم لخِطبتها سيمحو عمها فكرة زواجها من سيف أو على الأقل سيفكر في أنها من الممكن أن تتزوج أي شخص من خارج إطار العائلة، كريم لم يتنازل ويحاول من وجهة نظرها، دب شجار عنيف بينهما.
لم يلتمس كريم لها أعذارًا فالأمر يتعلق بكرامته بل يلوم حاله على إعطاء قلبه لمن لا يستحق.
استشعر من حديثها أنها حقًّا فضلت أن تبقى مع سيف ولا تؤازره وهو بأشد احتياج إليها فما أصعب على المرء من أن يجد نفسه وحيدًا بلا صديق، فالصديق الحقيقي لن يعوض ولو كان حولك ألف من البشر، ستشعر بفجوة بجدار قلبك كلما نطق أحدهم كلمة كان ينطقها.
أغلق الخط والدمع يترقرق بعينه وهو يقول لنفسه:
- ما هذه الفتاة غريبة الأطوار؟، تارة تبكي خوفًا من الفِراق وتارة تبتعد بقسوة وتتمنى الهَجر؟!!، لا بد أن تختار بيننا أنا لستُ بديلًا عن سيف، استحالة أن أقبل العيش معها بنصف قلب.
بعد أن استعادت قوتها مما قاله واتهاماته لها، كفكفت دمعها واتصلت به عشرات المرات لكنه وصل لطريق مسدود معها، طفح كيله من ترددها، لمَ تريد أن تتزوج؟ لمجرد الزواج فقط أم تُرضي غرورها بعشقه لها؟ ما هو سر إلحاحها على تقدمه لخطبتها؟، لم يكن سبب إصرار عمها على زواجها من سيف سببًا كافيًا بالمرة، لكنه أمر حقيقي، بصيص أمل تتعلق به لتخرج من دائرة التحكمات وتعيش مع من اختاره قلبها.
شَعَر كريم بألم بيده فتذكر صديقه وهو يبتسم بعينه، يلتقط أنفاسه الأخيرة قطعت بكاءه نور تطمئن على حاله وصوتها مختلف عن أي مرة:
- ماذا بكِ يا نور؟ صوتك مختلف
- أبدًا.. قلة نوم ليس إلا......
استشعر من نبرتها أنها تُخفي شيئًا ما لكنه اكتفى بمجرد سلام واطمأن كل منهما على الآخر فبكل منهما ما يكفيه ليصمت تمامًا ويمتنع عن كل شيء بالحياة.
فالعشق يدفع المرء للإقبال على الحياة يزين وجهه بابتسامة، تلمع عيناه من شدة الفرح وكل منهما ذابل من جفاء مشاعره.
***
طلب سيد من ميرا أن تأخذ ملف خطة الأسعار لأستاذ خالد، اقترب هو من نور، اقترب جدًّا كاد يلتزق بوجهها كي يعتذر لها فتحدثت بلهجة صارمة
- أنت بالتأكيد شخص مجنون لماذا تقترب مني لهذه الدرجة؟ ماذا تريد؟
دخلت مكتب والدها والغضب يتطاير من عينيها تشكو من هذا الفعل الذي ترفضه فاستعطفه أ. سيد وقال بكل سذاجة وخبث:
- هي مثل ابنتي أردت أن أراضيها لن أقوى أن تغضب مني ابنتي.
فتحدث والدها بلهجة تحمل كثيرًا من اللهفة لأول مرة تسمعها وطلب منها ألا تتحدث مع أ. سيد على الإطلاق حتى في شؤون العمل وطلب منها أن تخرج من المكتب فخبطت الباب بقوة وغضب.
أشار بسبابته لأستاذ سيد فجاء إليه وأخبره بحزم أن نور هي من تبقى له في الحياة وإن فكر بيوم من الأيام أن يضايقها فسيقطع رأسه بل يقيله. فتوسل إليه سيد تحججًا بأولاده الذين يعيشون من قوت يومه فذكره هو أن نور ابنته يحبها تمامًا كحبه لأولاده.
- في مكتب نور مندور:
نور تلملم أوراقها وتغلق درج المكتب استعدادًا للرحيل، حين وصلت للمنزل ووضعت مفتاح الشقة بالباب اقتربت والدتها من الباب تسألها بتلهف وخوف
- خير! ماذا حدث؟ لمَ أتيتِ باكرًا؟
روت لها ما حدث فأحضرت لها عصير ليمون بالنعناع كي تهدأ وهي متأكدة أن زوجها لن يسمح لشخص أن يؤذي نور، انتزعت نور فستانها الأزرق واستبدلته به بنطالا أبيض بخطين رماديين وبلوزة رمادية مكتوب على صدرها باللون الأبيض ( strong women)أحضرت مناديل مبللة مخصصة لإزالة المكياج وبدأت تزيل ما تخفي به ملامح حزنها وما إن مَحت كل شيء حتى ظهرت عينها المنتفخة من البكاء متذكرة حين كانت صغيرة في بداية بلوغها، تترنح بالشارع لتشتري كيسًا من الكشري فقابلها شاب في بداية العشرينيات سمين طويل. بكل قسوة اعتدى على حيائها متحرشًا بها.
لم تروِ هي حينها ما حدث لمخلوق على وجه الأرض بل اكتفت بالصمت لتبقى هذه علامة من العلامات الكثيرة السوداء التي تعتلي روح نور، تعكر صفاؤها.
دخلت والدتها الغرفة تمد يدها ليد نور لكنها شاردة فوضعت والدتها يدها على عين نور ذهابًا وإيابًا لتستعيد تركيزها فاعتذرت وأخذت الكوب طلبت منها أن تنام فقط ساعتين حتى تسهر معها طيلة الليل لمشاهدة مسلسلهم التركي المفضل فاليوم الخميس تعاد حلقات الأسبوع بالكامل.
استيقظت نور بتمام الساعة العاشرة والنصف مساءً كي تشاهد مسلسل فاطمة فهي تعشق المسلسلات التركية وبجوارها والداها تتناول طبقًا كبيرًا من الفشار وبيدها الأخرى زجاجة مياه غازية كبيرة والدتها تتفاعل مع الأحداث مرة تبكي ومرات تبتسم وكأنها تعيش في المسلسل ووالدها يهز قدمه بشدة فهو لا يحب مثل هذه السهرات حاول أن يتكيف مع الأمر لكنه فشل بجدارة فأغلق التلفاز فجأة فسألته نور بإلحاح:
- لمَ يا أبي؟ أحب كريم أقصد فاطمة فاطمة
قهقهات متوالية منها ووالدتها، فعقد خالد حاجبيه فهو لا يحب مثل هذه التصرفات كفى أنه تركها طيلة ٢٤ عامًا دون أن تضع حجابًا على رأسها سوى مرات قليلة. تضع مساحيق التجميل وتخرج بكامل زينتها. ذهبت لغرفتها وفتحت المبرد وأخرجت ثلاثة من الآيس كريم ووقفت بجوار والدها وهي تقف على أطرافها كي تطول وجهه قبلت جبينه ثم أشارت بإبهامها نحو ثغرها كي يقبلها فوافق على مضض. أعطته الآيس كريم ووالدتها تقف واضعة يدها حول خصرها.
- أين أنا من هذا الحب يا حبيبة أبيكِ؟
فأعطتها الآيس كريم، عادت لتجلس على قدم والدها تختبئ بأحضانه وتستمع لدقاته وصوته وهي بالقرب من قلبه وهي بين يديه حين كان يتحدث مع رويدا عن أمور عائلية ويخططان معًا لقضاء إجازة الصيف بجزر المالديف هذه السنة فقفزت نور لأعلى وضمت يديها لقلبها تنهدت قائلة:
- جزر المالديف ياااا لروعة الاختيار.
كان يعلم أنها شغوفٌ أن تذهب إلى المكان، دخلت نور غرفتها لتترك والديها معًا لن تريد أن تقف عائقا أمام سعادتهما وحريتهما.
فتحت الحاسوب فوجدت رسالة من ميرا تسأل عنها أين كانت مختفية؟
تبسمت وكتبت لها:
- مرمورتي الجميلة أنا بخير يا قلبي ماذا عنك؟
تغيرت ملامحها وانكمشت جبهتا ثم كتبت:
- لست بخير كيلر مريض تعلمين كم أحبه!
لامتها على اقتنائها لكلب كعادتها والأخرى تدافع عنه باستماتة تراه مصدر حماية، وَفيٌّ، صديق وكالعادة تم تغيير الموضوع بلحظة روت لها نور عن كريم وعلاقته بهاجر فلاحظت ميرا ملامح تشبه الغيرة بحديثها لكنها لم تظهر ذلك فأغلقت ميرا الإيميل كي تأخذ قسطًا من الراحة.
جاء دور كريم الساعة الآن الثانية صباحًا ترددت تحادثه أم لا ثم كتبت صباح / مساء الخير ووضعت ملصقًا خجولًا.
أنت تقرأ
استكانة
Romansaرومانسية نفسية في اطار اجتماعي قد يتسبب الحب لك بالهلاك، ويحول حياتك إلى جحيم يزلزل ثقتك بذاتك؛ فكم من علاقة تسببت لأحدهم بجرح عميق لم يشفَ أبدًا.. من منا لم يصب بالاكتئاب حين فقد الأمل فيمن يحب؟ عندما تقرأ استكانة ستفكر كثيرًا إلى أي درجة وصل...