استكانة

الفصل الثاني عشر

الود: الحب الخالص الرقيق
قبل أن تضع قلبك بيد أحدهم كن متأكدًا أنه لن يترك حبك من قبضة يده فما أصعب الخذلان!

الفصل الثاني عشر
كريم يتحدث مع والدته في محاولة لإقناع والده بالعلاج لا بد أن يتعايش مع مرضه ويوافق على العلاج فهو مريض لديه ضلالات سمعية وبصرية يشك بكل شيء كيف يقتنع أن كريم ولده وهو يشك بزوجته إذا تحدثت مع طفل صغير وابتسمت أو إذا تعطرت وتزينت له يبحث بغرفتها عن غريب تنتظره، حين علم بحملها ضربها ضربًا مُبرحًا لظنه أن الولد ليس له هي تعلم طبيعة مرضه منذ خِطبتهما قررت أن تتحمله فهو رغم ما يظهره من قسوة رجل مسكين. أوقاتا يكون حكيمًا، هادئ الطباع وأحيانًا مشتتًا شاردًا كارهًا كل شيء لا يمتلك مثقال ذرة ثقة بحاله.
حين ولدت كريم أخذته دون أن يطلب لمعمل تحاليل وأخذت عينة من دم كريم ودمه لعمل تحليل DNA وقبل أن يذهب معها فتح متصفح جوحل وقرأ مقالًا بموقع (كل يوم معلومة طبية) عن الحمض النووي وكان جزءًا من المقال:
«فمنذ اكتشاف دور الحمض النووي في تقنيات تحديد النسب وذلك اعتمادا على قاعدة بسيطة تقول: كل طفل لديه 46 كروموسوم، 23 من الأب، و23 من الأم؛ أي أن الطفل يحصل على نصف حمضه النووي من أبيه، والنصف الآخر من أمه. لكن السؤال الأول الذي ظهر هو كيف نحدد نصف الحمض النووي الخاص بالأب و الخاص بالأم، ومن هنا ظهرت القاعدة الثانية التي تقول: كل جين موجود في موقع معين من الحمض النووي لدى الطفل يوجد منه نسختان، واحدة من الأب وواحدة من الأم. بعد ذلك بدأت اختبارات النسب بتحاليل بسيطة مثل تحاليل فصائل الدم، حيث يوجد جينات مسؤولة عنها وبمقارنة فصائل دم الأب والأم و الطفل، يمكن التنبؤ بأبوة شخص من عدمها، لكن هذا الاختبار كان فعالًا فقط في نفي الأبوة وليس إثباتها، وذلك نظراً لوجود مجموعة ضيقة من فصائل الدم لدى البشر، واحتمالات حدوث تشابه بين فصيلة دم شخص وطفل لا تعني بالضرورة أنه أبوه، أما عدم وجود التشابه الصحيح بين فصيلة الشخص والطفل فتؤكد عدم أبوته له. اختبار الأنساب عن طريق الحمض النووي مع تقدم الاكتشافات الخاصة بالحمض النووي، تمكن العلماء من اكتشاف مواقع في الحمض النووي على الكروموسومات المختلفة. هذه المواقع توجد في صورة تتابع تكراري من الوحدات البنائية الخاصة بالحمض النووي، ويختلف من شخص لآخر في طوله».
لم يستكمل القراءة حينها اكتفى بجملة (لكن لهذا الاختبار نتائج فعالة في نفي الأبوة ليس إثباتها) فلم يقتنع بنتيجة التحليل أخذ النتيجة وأخبره الطبيب أن كريم ولده وحين عاد المنزل نهرها واتهمها أنها على علاقة بدكتور التحاليل لم تَلُمه، صبورٌ هي رغم قسوة ما تتحمله لكن وجود كريم حافز كبير للعيش مع هذا الرجل الذي يحبسها بالمنزل طيلة الوقت لم تخرج لتبتاع طلبات المنزل لم تتحدث مع بائع حتى لو أمام زوجها لم تمتلك هاتفًا كبقية البشر لم تصادق نساءً لا تعيش بالمعنى الحرفي للكلمة هيهات كم ضحت هذه المسكينة ليعيش ولدها مع والده ووالدته فالولد بحاجة لوجود والديه مهما تقدم بالعمر لكن كريمًا لم يشعر بحضن والده الدافئ إلا بلحظات قليلة فقط لحظات ضعفه التي يحتضن بها كريم ليطمئن هو.
دخل كريم غرفة والده قبّل رأسه وأخذ له زجاجة من عصير المانجو محكمة الغلق كي لا يظن أن بها سما بغطاء صفيح كي يقتنع أنه لن يغرز سرنجة بها سم قاتل له، طلب منه أن يجلس معه فقط لدقائق ضم والده قدمه وانكمش فبدأ كريم بالحديث ليثير شفقة والده عليه:
- أبي! تعلم أنك لم تخبرني أنك تحبني مرة واحدة، كثيرًا أحتاج أن آخذَ رأيك في موضوعات تهمني لكنك كنت ترفض حتى النظر إلي، تتجاهلني، لم تسمح لوالدتي أن تنجب مرة أخرى تركتني وحيدًا، دونك أنا بلا هوية، أريدك معي والدي لا أريد منك نقودًا أو ملابسَ فقط أريد أبي أخبرتني والدتني بمرضك أبي!
ظهرت عليه ملامح الغضب وقبل أن ينطق بكلمة طلب منه كريم أن يسمعه أولًا لكنه تحدث بكل صرامة
- أنا لست مريضًا بني.
كريم وعيناه تدمع:
-ابنك تعلم أنني ابنك بابا حين كنت مريضًا جلست بجوارك بكيت كالأطفال خوفًا من أن أفقدك حتى مرضت بنفس مرضك ارتفعت حرارتي كثيرًا صرت أهذي بكلمات غير مفهومة فإن لم تكن أبي لمَ سأحبك رغم أنك لم تقدم لي ما يجعلني أحبك دعني أساعدك أبي سنذهب للطبيب وهو من يقرر أنت مريض أم لا، إن لم أكن ابنك لمَ أردت وجودك معي لحمًا ودما وروحا ليس موجها منتقدًا كارهًا، بكي والده بين أحضانه وقرر أنه سيذهب معه للطبيب حين رأى في حديثه بصيص أمل يعيش من أجله.
***
نور مصدومة مما أخبرها به والدها، أخبرها أنه ذات مساء شتوي اتصلت به ميرا تخبره أنها تقع بمشكلة كبيرة فذهب لها على الفور أخبرته بمقابلتها مع ياسر.
في كافتيريا الشركة أتى لها ياسر حين تأكد أن نور خرجت لتبتاع بعض مستلزمات الزواج مع والدتها، تحدث بلهجة قاسية يشكو من قرب نور الزائد منه وتعلقها به الذي أصبح يخنقه كحبل يلتف حول عنقه حاول مرارًا أن يحبها لكنه فشل بجدارة فهو ليس جديرًا بعشق فتاة شفافة رقيقة وكأنه ينتظر من تجعله يلتف حول حاله من أفعالها لا يستحق سوى أفعى.
لم تُصدم ميرا كثيرًا من حديثه فهي تعلم أنه يتهرب من صديقتها.
كم مرة خذلها ووعدها أن يأتي للمنزل وهي تتزين وتطهو أجمل الأكلات بيدها تنتظره وعيناها تنزف الدمع بقهر ويتصل هو بكل هدوء بعد أن اتصلت به عشرات المرات ليجيب بكل برود وجمود
- لن آتي عندك فلن أجد منكِ ما يشجعني على رؤيتك حديثك بارد!
معترض هو على لومها المستمر له كيف لا تلومه وهو طيلة سنوات ارتباطهما لم يتصل بها سوى مرات تكاد تعد على الأصابع فمن المنطقي حين يتكرم ويجيب على مكالماتها ترد بغضب وعصبية لكن طبعه لم يرَ نفسه مخطئًا حتى ولو أقنعه أهل الأرض جميعًا.
كم مرة طلب منها أن تبتعد ليُقيم العلاقة دون مبررات ولم يعدل عن هذا القرار سوى وهي تبكي وتترجاه ألا يتركها، مسكينة نور كم تحبه وتتعامل بكل براءة تصّبر حالها بقطرات من الكلمات الكاذبة التي يلقيها عليها بدافع العطف.
لم تتردد ميرا أخبرته أنها ستنهي له الموضوع خبطت على المنضدة وقالت بغضب
- لن تستمر معك حتى لو رأيتها تموت أمامي أنتَ لست جديرًا بالعشق أكرهك كثيرًا
لم تفكر للحظة دخلت مكتب أ. خالد خبطت الباب وراءها، تحدثت وهي تلهث:
- ستترك ابنتك هذا ال ياسر . أرجوك ساعدني لا بد أن تتركه فالحيوان يخبرني أنه ملّ مِن اهتمامها ووجودها، نور ليست قليلة نور جميلة تستحق من يقدرها ليست صديقتي مَن تتذلل لشاب كي يبقى بجوارها
ملعون هو الحب حين يجني على قلب كل ما اقترفه هو أنه عشق فالحب حين يصبح عبئًا على أحد الأطراف يتحول للعنة تقتله.
طلب خالد منها أن تهدأ أولًا وطلب لها كوبًا من عصير الليمون وأغمض عينه وهو يدلك جبهته كيف سيتصرف مع ابنته. منذ البداية يرفض هذه العلاقة قلبًا وقالبًا لكنه لم يستطع أن يمنعها.
وبعد دقائق زفر واتصل بياسر يطلب منه الحضور فورًا دون إبداء أي أعذار