الفصل الأول

2.3K 25 1
                                    

البداية
قد تهوى بالحب دون وعيك تترك نفسك وتفكر فقط بغريزتك فجميع البشر يشتهون الحب لكن ليس من حقنا الحصول على هذه المشاعر إلا من شخص واحد.
الهوى: ميل النفس إلى الشهوة.
وهي أولى درجات الوقوع في الحب.

الفصل الأول
في ميدان التحرير وسط الزحام وهتافات الثوار سقطت عينه عليها. فتاة في العشرينيات تتكئ على صديقتها غارقة في الدماء خطفته من أول وهلة، هم بمساعدتها. أوشكت على السقوط أرضًا انتشل شظايا الخرطوش من قدمها وكل منهما سارح بعيني الآخر، سقطت من يدها محفظتها فظهرت بطاقتها، ما زال رنين الاسم بأذنه: نور خالد مندور، صمت لدقائق وتحدث بتعجب.
كريم: أنتِ نور؟ كنت أشعر دائمًا أنني سأراكِ يومًا ما أتذكرينني؟
استكمل بلهجة طفولية:
- هيا أطفئي النور يا نور. كنتِ تبكين كلما قلت لك هذه الكلمة
فابتسمت:
- كريم يوسف الحلواني! لا أصدق هذه المصادفة!
تغاضت عن شعورها بالرعب من أصوات الرصاص وتظاهرت بالقوة وكل حواسها ترجف رعبًا مما حولها كانت تنظر حولها بصورة غير طبيعية.
تبادلا أرقام الهواتف وجرى كل منهما في اتجاهٍ بعد إلقاء الشرطة لغازٍ مسيلٍ للدموع، اتكأت على صديقتها ودخلتا إحدى العمارات لتحتميا بحارس العمارة فهذة المرة الأولى التي تستنشق فيها الغاز المسيل للدموع. تسمع أصوات الرصاص، تحدق عينها في الناس وتتساءل: من أين أتت لهم الجرأة على الوقوف وسط الرصاص؟ فلولا ما تفكر به ما نزلت لميدان التحرير قطُّ، في طريقهما للمنزل نظرت صديقتها ميرا لها بدهاء.
ميرا بخبث وهي تخبط نور في كتفها:
- من هو كريم؟
فتنهدت نور في محاولة لإنهاء الحديث وقالت:
- صديق طفولتي ليس إلا.
طلبت منها أن تصمت؛ لأنها تفكر ماذا ستقول لوالديها عن الجرح الذي بقدمها!
سرحت نور محدثة نفسها بعد أن قررت أن تغير مسار تفكيرها، تفكر برؤية كريم صديق طفولتها أول من تقرب إليها ليشعرها أن العالم به كثير من البشر كان بمثابة أخ لها، صديقها الأوحد فترةَ طفولتها، انتقلت مع أسرتها لمنطقة أخرى فانقطعت أخباره عنها. وها قد عاد من جديد
- تووووو ت
قالتها ميرا مقاطعة شرود نور فضحكتا معًا.
***
في منزل خالد مندور، ألقت نور السلام على والدتها بابتسامة مشرقة فتوجست والدتها وبتعجب رافعة حاجبًا عن الآخر.
- ماذا تريدين؟ بالتأكيد وراء هذه الابتسامة كارثة كبيرة فعلتها ابنتي البائسة!
انكسرت نور من وقع هذه الكلمة على أذنها، فبعد كل ما تحملته ومرت به تراها والدتها بائسة. لم تقصد ما شعرت به فحاولت أن تغير مسار الحديث. تنحنحت تسألها أين كانت منذ الصباح. فتحت عينيها ووضعت يدها فوق فمها حين رأت آثار الدماء على ثيابها سألتها أين كانت؟
فقالت بصوت خافت:
- كنت بالميدان كي أموت! أتمنى ألّا أعيش يومًا آخر. أنا جسد بلا روح.
تحدثت والدتها بجمود:
- لن ترحميني يا نور من هذه الحكاية؟! كيف ذهبتِ للميدان وأنتِ تخافين من صوت فرقعة يفتعلها الأطفال لهوًا احتفالًا بشهر رمضان؟!
صمتت نور؛ فما بداخلها يكفيها، كيف توضح لوالدتها كسرة فرحتها وضياع كل شيء منها بلحظة؟! فمن يتمنى الموت لن يهمه مخلوق على وجه الأرض، يهوّن الأمر على نفسه وكأن الحياة بأكملها اتفقت على هدمه، تنحنحت والدتها بعد أن زفرت:
- ليس لدي أحد غيرك، ابنتي أنتِ آخر أملٍ لي في الحياة، أتمسك بك لأقوى على العيش تمدينني بشعاع من الأمل موجه لقلبي يعطيني إشارة أن غدًا أفضل.
لم تتغير نبرة الحزن في صوتها من كلمة والدتها فنور لم تسمع كلمة واحدة دون أن تدوي بداخلها آلاف المرات. دخلت غرفتها تنظر في المرآة رافعة شعرها الأسود الغجري لأعلى، ارتدت جلبابًا أبيض ينتصفه صورة هِرَّة رمادية اللون وجلست على فراشها. فتحت الحاسوب الخاص بها، بحثت عن رقم كريم بالفيس بوك فظهر إيميله وصور متعددة مع أصدقائه معظمها لصديق واحد وهو تامر صديقه المقرب، تأملت ملامحه بكل صورة ترجف وتحدث حالها فهذا حلم حياتها بطفولتها حين كانت بريئة خاوية من الجراح أكبر همومها بالحياة ماذا ستقول لوالدتها كي لا تأكل طعامها كاملًا؟ كان أول شخص يخترق حاجز الخوف الذي صنعته لنفسها بعد الحادث اللعين الذي أفقدها الطمأنينة،أغمضت عينيها، سرحت معه بعالمها الخاص فهي تبحث عن الحب طيلة عمرها تتمنى أن يهتم أحدهم بشأنها.
ماذا تفعل؟ لأول مرة ترى هذه النظرة بعين رجل لها!
هل أعجبت به أم هذا مجرد تعطش للجنس الآخر ليس إلا؟! فمشاعرها جافة منذ فترة لا بأس بها تحتاج لرشفة حنان، صمتت نور تتساءل هل هذا حلم أم بالفعل سيعوضها الله عن جرحها الماضي وهذه مجرد إشارة من الله أنه ما زال هناك أمل؟ ابتسمت بسخرية من نفسها ولسان حالها يقول كفي عن هذه الأفكار لم يحبك أحد وحيدة أنتِ حتى أبد الدهر.
دق الهاتف، كان المتصل كريم يسألها عن أحوالها لم يصدق حاله أنه تقابل معها بعد كل هذا العمر فالدنيا كحلقة صغيرة ندور بها لنتقابل مع الأشخاص نفسها بأزمنة مختلفة دون تدخل منا نتعجب حين نراهم ونقول إن الدنيا ضيقة، لم نعلم أننا نحن من نضيق الزمام على أنفسنا نحتك بنفس نوعية البشر ندور وندور بدائرة الحياة حتى نسقط من شدة الدوار.
سألته عن أحواله فهو تخرج في كلية التجارة لم يجد عملًا حتى الآن ليس لديه إنجازات ليفخر بنفسه أمامها.
لم ير كريم بحياته أنثى كنور برونقها، شعرها الأسود الطويل، عينيها الجميلتين، اهتمامها به فالشيء المشترك بينهما منذ طفولتهما هو عشقهما للاهتمام يتمنيان أن يهتم بكل منهما أهل الأرض جميعًا فهل يعترف أنه يراها كلما نظر لأنثى، سألها عن أحوالها وطمأنته أن كل شيء على ما يرام. صمت لدقائق فصمتت ظن أنها أغلقت الخط لكنه همس بفضول:
- هل أنتِ مرتبطة يا نور؟
فهل تخبره بحكايتها التي تخجل من الإدلاء بها أمام أي من البشر أم تكذب مدعية قصة حب أسطورية؟

استكانة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن