الفصل الخامس والعشرون

104 5 0
                                    

احذر أن تكشف حالك بتصرف جنوني، كن حذرًا كي لا تخسر الكثير بدافع خوفك من الوحدة.

الفصل الخامس والعشرون
كريم:
- انتظريني قليلًا، سأعطي للطبيب شيئًا وأعود إليكِ.
أخذها إلى المنزل وهي في قمة الرعب خوفًا من أن يراها ياسر، فهي تحافظ على مشاعره رغم كل شيء، وفي طريقهما أخبرها بمرض والده وأن هذه هي الكذبة التي كذبها عليها منذ أن التقى معها، تقبلت كذبته وهي مطمئنة إلى حد كبير، فمن يعش معاناة المرض النفسي من الصعب أن يجرح مشاعر مريض آخر ولو بكلمة أو إشارة بجنون، فالمريض النفسي قد يصاب بهستيريا بمجرد أن يقول أحدهم له أنت مجنون.
أجابته نور برضا:
- ولماذا لم تخبرني بالحقيقة، فأنا اعترفت لك بكل شيء منذ البداية؟
ابتسم ورفع حاجبه، غمز بعينه وقال:
- لأن التي أمامي الآن ليست صديقة قديمة، ليست صديقتي في العمل، لا هي ليست نور التي رأيتها من قبل.
احمر وجهها خجلًا ولكزته وهي سعيدة بكم المشاعر التي أعطاها لها دون مقابل.
دلفت الشقة وهي متخبطة المشاعر، فكريم يجذب انتباهها ويحرك مشاعرها، يزلزل أنوثتها باهتمامه، وياسر ما زال يستغل عشقها، يضغط ويجرح يقسو ويبعد، بل وما زال العائق الذي يقف أمامهما قائمًا، (آسيا) فكرت للحظات ورفعت شفتيها حزنًا على حالها، وضعت يدها فوق جبهتها، انتظرت حتى منتصف الليل، وكلما تذكرت حديث كريم تبتسم، أصابتها حالة من القلق، هل ياسر غاضب منها لرفضها مقابلته؟ تفكر ماذا تفعل لترضيه، اتصلت به لم يجب، كررت اتصالها عشرات المرات، لكنه اختفى ثانيًا ثانيةً، لم تجد ولا وسيلة لتتواصل معه، فكرت إلى مَن ستلجأ، فافترشت سجادة الصلاة وزينت وجهها الملائكي بحجاب أسود وبكت ساجدة، ألقت كل همومها على الله، بكت حتى انشرح قلبها ثم نهضت ولملمت سجادتها وهي مطمئنة إلى حد كبير، جاءت ميرا لتأخذها كي تبقى معها هذه الليلة، لملمت أشياءها ووالدها في قمة غضبه، فهو كأي أب لا يقبل أن تنام فتاتان وحدهما، لكنهما أقنعاه بأخذ رويدا معهما كي يطمئن، فوافق على مضض، فرغم القرب ميرا تخجل من النوم في منزل به رجل غريب، حتى لو فعلت ذلك من قبل، لا تريد أن تكون ثقيلة عليهم، فخالد رغم مشاعر الأبوة التي بينهم يبقى غريبًا عنها، سهرت مع صديقتها حتى الصباح ثم طلبت من ميرا هاتفها لتأخذ منها نغمة أعجبتها كثيرًا، وفجأة تغيرت ملامحها دون مقدمات، تسألها ميرا عن سبب غضبها، تنكر بشدة ما رأته، كان صادمًا لم تتخيله، لم تتوقعه أو يخطر ببالها يومًا ما.
***
كريم يعترف لوالديه، يتحدث دون خوف، يبتسم ويتفقد ردود أفعالهم، يقول بثقة وكأنه طفل صغير يعترف لوالديه بفعلته بالمدرسة:
- لأول مرة أشعر بهذه المشاعر، لا أنكر لفترة ما كنت على علاقة بفتاة، كانت علاقة مرهقة، لكن نورًا شيء آخر، إنسانة جميلة إلى حد كبير، قلبها يحمل من الحب ما يكفي لترميم مشاعر كثيرة زرعت بداخلي، بطفولتي، (أشار بيده).. لكنني بخير الآن، كل ما أتمناه أن تدعوا لي أن أحظى بمكانة في قلبها وأن تشفى تمامًا لأصارحها بمشاعري.
أخذته والدته بين ذراعيها:
- إذن سأبدأ أغار! نور ستأخذ مكانًا في قلبك.
فابتسم وأخبرها أنه مهما حدث لن يأخذ إنسان في الكون مكانها، أما والده فكان سعيدًا، فلأول مرة يشعر أنه قريب إلى هذا الحد من كريم، يتحدث أمامه دون خوف أو خجل، يشعر بأبوة حقيقية.
***
نور تتقلب بالفراش وهي غير مستوعبة ما يحدث.. لمَ هذه الرسائل على هاتف ميرا؟ ما الذي يربطبها بياسر؟ وما الذي يقسم عليها ألا تخبرني إياه؟ هل هناك شيء بينهما؟ اعتدلت ولكزتها فنهضت بخوف.
- ماذا يا نور؟ لمَ تلكزينني؟ أريد أن أنام!
زفرت نور وهي تتحدث بغضب:
- متى أرسل إليك ياسر هذه الرسائل؟ وما الذي يربط بينكما؟ كيف يجرؤ أن يتغزل بك؟ وكيف لا تخبريني؟
ميرا بصوت يفوق صوت نور:
- يتغزل بمن؟ أتظنين أنني من الممكن أن أنظر إلى مثل هذا الرجل! لا أنظر إلى بقايا الرجال، لست مثلك، لن ترضى إنسانة، وأؤكد حديثي إنسانة على وجه الأرض أن تعجب بهذا الشاب!
نور بغضب:
- أنا لست إنسانة بنظرك إذن!
أشارت ميرا إليها أن تخفض صوتها، وقالت وهي تشير بإصبعها إلى نور:
- أنتِ إنسانة ولكن إنسانة مهانة.
سمعت رويدا صوتهما وهي بالمرحاض المجاور للغرفة، فدفعت الباب بقوة ودلفت، أمسكت بشعر نور وهي غاضبة، تضربها بكل ما أوتيت من قوة:
- كيف عرفتِ رقم ياسر يابنة مندور؟!
ماذا ستفعل بعد أن كشفت حالها؟!
والدتها في قمة غضبها، وهي تفكر في رد مناسب عليها، تلعثم لسانها فقالت ميرا بانتصار:
- إذن عرفت سر سعادتك الأيام الماضية!
فوضعت نور هاتفها بحقيبتها ورحلت ووراءها والدتها تصرخ بوجهها:
- إلى أين ستذهبين في هذا الوقت؟
فعادت خوفًا من والدتها، انتظرت حتى موعد عيادة طبيبها وذهبت إليه وعلامات الخوف ترتسم على وجهها، وقالت له وهي ترجف:
- عدتُ إلى ياسر، اقترب ثم اختفى ككل مرة، بغبائي أخبرت أمي.. ستخبر أبي.. سيقتلني.. أرجوك أعطني عقارًا يجعلني أموت في الحال!
طلب منها أن تهدأ وأعمل المسجل على موسيقى معينة، بكت وهو يحاول أن يصل معها إلى نقطة فاصلة، وسألها:
- ممَ تخافين؟
أجابته:
- أخاف أن تقول أمي لوالدي أنني ما زلت أتحدث مع ياسر.
الطبيب:
- وماذا لو أخبرته بذلك؟
- سيقتله ويقتلني!
الطبيب:
- ماذا سيحدث لو قتلكم؟
نور:
- سأموت وأبي غاضب مني.
طلب منها أن تفكر بآخر ما يمكن حدوثه لتتخلص من خوفها، حتى الموت لا يستدعي الخوف، فهو مقابلة مع من هو أرحم من جميع الخلق، هدأت إلى حد كبير بعد أن سمح لها الطبيب أن تبكي حتى تشعر بارتياح، وفي أثناء الجلسة، رفضت تمامًا التحدث مع الطبيب أو قول ما يطلبه منها، فهي في قمة خوفها، وخجلها من نفسها، أعطاها ورقة وطلب منها أن تكتب:
(أنا محتاجة إلى أن أحس وأصدق وأمارس، إنني أستأهل شروطا لحسابي كي...)
امتنعت عن الكتابة، فطلب منها أن تساعده قليلًا فقالت:
- كي أعيش كأي أثنى في الكون.. كي أستمع إلى كلمات جميلة تزيد من ثقتي بحالي.
اكتفى الطبيب بهذا القدر وأنهى الجلسة بعد أن كفكفت دمعها وخرجت مبتسمة.
عادت نور إلى المنزل فوجدت ميرا ووالدتها بانتظارها على أحر من الجمر، طلبت منهما أن تدعاها وشأنها، اتصلت بوالدها طلبت منه أن يقابلها بأقرب مكان، فهي تحتاج إلى احتضانه لتختبئ به من العالم المخيف، أتى إليها في تمام الساعة الخامسة، شعرت بالعطش، فوضع سيارته جانبًا ونزلت هي لتبتاع زجاجة مياه غازية وأخرى معدنية، فحدث ما لا يتوقعه!

استكانة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن