الفصل الحادي والعشرين

108 5 0
                                    

الضعف: هل سقطت فريسة لقلبك من قبل؟
تحكم بك، فرأيت شخصًا لا تعرفه، يتصرف وفق ما يريد، تنظر إلى نفسك بلوم، لماذا أقبل بهذا؟ فأنا لست هذا الشخص، بالتأكيد كثير منا سقط في هذا الخطأ وندم كثيرًا.

الفصل الحادي والعشرون
أغلق ياسر الخط واتصل مرة أخرى، كانت ميرا قد عادت للتو، فنظرت إلى ميرا بتعجب وأمسكت هاتفها، فقال ياسر بغضب:
- كيف حالك يا ميرا هانم؟ أنا ياسر.
حدقت عيناها:
- ياااااسر! كيف تجرؤ على الاتصال بي؟!
تعمدت فتح سماعة الهاتف لتسمع نور حديثه، قال بلهجة قاسية:
- أخبري تلك المريضة أن تبتعد عني وتكف عن التجسس. انتهى الأمر.
أغلق الخط وترك نورًا تأكلها نيران الغضب والألم مما قال، فهي حقًّا الآن مريضة وتتناول العلاج، لم تتحدث أو تبكي، ذهبت إلى البوفيه لتطلب كوبًا من النسكافيه وآخر لميرا، هي بانتظار تحضيرهما، جلست أرضًا، ترتفع شفتاها إلى أعلى، دموعها تأبى النزول، رآها كريم وهو قادم يدندن:
(انسيه، متفكريش تاني فيه، اشغلي نفسك عنه بأي حاجة، بطلي تحبيه).
حدقت به، فكلمات الأغنية تتماشى تمامًا مع ما يحدث لها، خافت منه وكأنه اخترق عقلها، صمت وأعطاها يده كي تنهض، طلب منها أن توافق أن يأخذها إلى الكافيتريا، رفضت خوفًا من أن يغضب والدها، فقال كريم بثقة:
- أمر بسيط.
ثم اتصل بخالد يطلب منه أن يأخذ نور إلى الكافيتريا فقط نصف ساعة، فضحك خالد ووافق، فهو يرغب أن تخرج من تلك الحالة، جلست نور على مقعد موازٍ للحائط وكريم أمامها، هدأت بعض الشيء. كريم يحاول التودد إليها ويحادثها برقة:
- أنتِ جميلة يا نور، وأي شخص يتمنى وجودك، أرجوكِ تأكدي من ذلك.. مَن المجنون الذي يترك هذا الملاك؟! فابتسامتك قادرة على أخذي إلى عالم آخر، أنا معجب بك وبوفائك، شخصيتك المجنونة، ترددك، خوفك، وحتى جنونك، أرى عيوبك جميلة.
أخذها حديثه إلى عالم آخر، هل هذا الحديث يقال لها؟ كم تمنت أن تسمع الحديث نفسه من شخص آخر في مكان آخر، لكن النصيب تدخل وشاء القدر أن يبتعد بقسوته عنها، سرحت دقائق ثم كتمت دمعها وابتلعت ريقها، تذكرت حين قال:
- مريضة!
طلب كريم منها ألا تحرمه من ابتسامتها الرقيقة، دخل شاب عشريني ومعه فتاة بالعمر نفسه تقريبًا، جلس إلى المنضدة المجاورة لهما، نظر إلى نور ثم حدق بعينيه ولاجت عيناه، لاحظت آسيا شرود ياسر وأنظاره التي لم تكف عن النظر إلى نور، ياسر بفضول:
- لم تتغير نور، ما زالت تقضم أظفارها وتنظر حولها، لكن من هذا الذي معها؟
آسيا دون إبداء اهتمام:
- بالتأكيد هذا خطيبها، نور أخبرتني أنها ارتبطت.
نهض ياسر رافعًا صوته:
- لمَ لم تخبريني؟
ذهب إلى منضدة نور وكريم، صمتت نور تمامًا حين رأته، وكأن جرح السنوات السابقة انمحى بمجرد أن رأته، لم يكن ما بينهما عشقًا، هي مستكينة أمامه، مُهانة، فاقدة وجودها وكرامتها، فاقدة نفسها، خبط على المنضدة متناسيًا وجود خطيبته، وأمسك بيد نور بعنف:
- هيا انهضي معي، من هذا؟ وكيف تسمحين لنفسك أن تجلسي معه؟
أغمضت نور عينها وهي تدمع وتضحك في اللحظة نفسها، اشتاقت إلى لمسته حتى لو كان يضربها، تحبه رغم كل شيء، وللتو صدقت أنه ما زال حيًّا.. تخبطت مشاعرها.
نهض كريم من مقعده وأمسك يد ياسر الأخرى وقال بصوت حاد:
- من أنت؟ وكيف تجرؤ على التعامل معها بهذه الطريقة؟ أنت مجنون حقًا!
فتحدثت نور برعب:
- اصمت كريم، هذا ياسر، لا تصرخ في وجهه بهذه الطريقة.
تماسك كريم ثم أخذها وترك المكان، بعدما جرى ياسر وراء آسيا المصدومة من ردة فعله وتصرفات نور المريبة.
وفي طريقهما، نور تتوسل إلى كريم أن يسامحها، لم تقصد جرحه بهذا الشكل، لكنه صمتت صمتًا رهيبًا، عيناه حمراوان من شدة الغضب، وبعد محاولاتها معه تحدث معها لأول مرة بعنف وغضب:
- أنتِ لست إنسانة! كيف ما زلتِ تحبينه؟ كنتِ ستموتين بسببه، ترككِ وادعى الموت كي لا يراكِ. كيف أنتِ إنسانة؟ كيف تتحملين كل هذه الإهانات؟ هذا ليس حبًا، هذا ذل! ارحمي حالك، أما أنا فأرجوكِ انسي أنك يومًا ما عرفتِ شابًّا يدعى كريم.
تركها وكتب ورقة استقالته ووضعها أمام خالد وسط ذهول منه، ماذا حدث بين كريم ونور أغضبه إلى هذه الدرجة؟ لم يقبل الاستقالة ولم يرفضها، فقط وضعها قيد الانتظار حتى يفهم الأمر، أعطاه إجازة أسبوعًا كي يهدأ قليلًا.
***
عادت نور إلى غرفتها وهي تبكي بحرقة مما حدث.. كريم قسي عليها بالحديث، وياسر يبدو عليه الغيرة تجاهها، فلمَ تركها رغم وجود مشاعر ولو قليلة تجاهها؟! أخذت عقاقيرها ولم تشعر بحالها، نامت كثيرًا واستيقظت برأسها ألم لا يتحمله بشر، شاردة عن الواقع، مغيبة عن الحياة، وكأنها ضربت على رأسها بمطرقة حديدية محاطة بالأشواك، وهن أصاب جسدها، لا تعلم أن العلاج سيكون له هذا التأثير القوي، رغم كل شيء تمالكت ونهضت، تنظر في المرآة تزيل بقايا الدمع، ثم ذهبت إلى والدتها تريد أن تحتمي بأحضانها بعد أن فقدت الأمان وشعرت أن الكون في مؤامرة عليها، دخلت غرفة والدتها بعد أن طرقت الباب، واستلقت على ذراعها اليمنى تروي لها ما حدث بالتفصيل، تعجبت والدتها من رد فعل ياسر، كما لامتها على تصرفها مع كريم، طلبت منها أن تهدأ وهي ستحل الأمر، فتلجلجت قليلًا:
- أي أمر أمي! هل ستساعديني أن أعود إلى ياسر؟
فقدت والدتها أعصابها وصفعتها.
- ياسر... ياسر! ألا ترين في الكون سوى ياسر؟! لا يحبك، متى ستفهمين؟! كريم لديه ألف حق، هو فقط لديه حب امتلاك وهذا ما أثار غضبه حين رآكِ، فليكن لو كان آخر رجل في الكون لن تتحدثي معه ثانيةً، أقسم لك لو حدث ورأيتِه لأخبرن والدك، وأنت تعلمين حين يغضب ماذا سيفعل بك!
عادت إلى غرفتها نادمة على ما قالته لوالدتها، هاتفها يدق، أجابت فوجدته هو يتحدث بلطف ودلال:
- لا أصدق أنني رأيتك ثانيةً يا نور!
حاولت أن تتغلب على ضعفها وأغلقت الخط في وجهه، مما أثار جنونه، فذهب إلى خالد في اليوم التالي، منعته ميرا من الدخول لكنه دفعها ودخل المكتب بالقوة مستشاطًا غضبًا يتحدث بأسلوب مهين:
- يا خالد، إذا تزوجتْ نور هذا الشاب، سأقتلها وأقتله، تسمعني؟ لن أرحمها!
لم يكثرت خالد لوجوده، أشار بيده إلى ميرا فطلبت من الأمن أن يأخذه إلى خارج الشركة، وأيقن أن الأمر يتعلق بكريم، فاتصل به فأجاب على الفور:
- اسمع يا كريم، أحدثك بصفة شخصية، ليس بخصوص العمل، أرجوك قابلني في أي مكان بعد ساعة.
وافق كريم على الفور، وبعد ساعة انتظره كريم أمام المطعم المتفق عليه لكنه تأخر، هاتفه مغلق، اتصل بالشركة، فأكدت ميرا أنه خرج منذ حوالي ساعة ونصف، فشعر بالقلق، لكن كرامته لن تسمح أن يسأل نورًا عنه.

استكانة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن