الفصل السابع عشر

104 3 4
                                    

كسر الخواطر: قد ترى عينًا مكسورة دون سبب واضح رغم ظنك أن هذا الإنسان سعيد إلى أبعد الحدود، قد تحسده على ما يمتلك من مال، سعادة، أسرة... لكن إن اقتحمت دواخله تجد إنسانًا هشًا تحطم حين كُسر خاطره آلاف المرات.

الفصل السابع عشر
أجاب ياسر بجمود: أشفق عليها فقط! لم أحبها أو أعجب بها.
توالت محادثاتهما، نور تمرر الأوراق ومع كل ورقة يزداد عمق جرحها منه، حتى جاء يوم وقرر ياسر الارتباط بآسيا، ووضعت له خطة محكمة وهي ما حدث وعرفته مِن والدها، أمسكت الأوراق ولم تستكمل القراءة، فمزقتها قطعًا صغيرة وهي تكتم صرختها بالوسادة، ظنت أن الأمر أيسر من ذلك، فمهما كان مدى احتياجها إلى الحب عميقًا لن يضاهي أبدًا كلمة (أشفق عليها) تقال منه هو لفتاة لا تعرف عن نور سوى أنها ابنة خالد مندور، ضجرت من إهانته لوالدها، لمَ تقرب منها؟ آلاف الأسئلة دارت في رأسها.
غفت وفي اليوم التالي استيقظت، تكحلت كي لا تظهر آثار البكاء على وجهها، تناولت شريحة من الخبز مع قطعة من الجبن المملح، دخلت مع والدتها المطبخ بعد حديثهم عن ليلة البارحة وفتحها لهدايا الاعتذار، لا تشعر هي بروعة أي شيء، نظرت إلى والدتها طويلًا ثم كشفت صدرها، تطلب من والدتها أن ترى فيه شيئًا يؤلمها بشدة، تظن أن الجراح تُرى بالعين، طمأنتها والدتها أن لا شيء ظاهر، وهي غير متوقعة أن ابنتها جريحة إلى هذه الدرجة، فهي ضحية شاب طائش وضعه الحظ في طريقها فساده الظلام وقتل كل جميل بداخلها.
وفي المطبخ، نور تجلس على المقعد تساعد والدتها في تنظيف الباذنجان لإعداده للحشو، رويدا تبتسم وتقول:
- أجمل شيء هو أنك في إجازة من العمل، أأتنس بكِ وتساعدينني.
لم تلاحظ ابتسامة أو أي رد فعل على وجه نور، فذهبت إليها تنقر بيدها فوق كتفها:
- نور، ماذا بك؟
لم تنتبه سوى إلى يدها تسيل منها الدماء بعد أن جرحت من آلة تنظيف الباذنجان، تحاول فك يدها لكنها تجز على أسنانها عاقدة يدها بقوة تعجز رويدا عن حلها إلا بعد محاولات عديدة، ثم بكت نور حتى تفطرت من شدة البكاء، ربتت والدتها فوق كتفها وقالت بحزن:
- متى ستعترفين أنك بحاجة إلى المساعدة ابنتي؟ أنتِ بحاجة إلى طبيب نفسي يساعدك.
تذكرت كلمة ياسر (أراها تحتاج إلى بعض الجلسات النفسية).
فصاحت:
- لا يا أمي، لن آخذ جلسات نفسية، لستُ مجنونة أنا!
أشارت والدتها إليها كي تصمت تمامًا، مما جعلها تفكر للحظة، فوالدتها يومًا ما كانت تعالج نفسيًا وهي تعلم ذلك، اعتذرت لوالدتها وقبلت يدها ورأسها ثم طلبت منها أن تترك موضوع الطبيب الآن، طلبت من والدتها حبوبًا مسكنة، فأعطتها وهي تراقبها من بعيد، تعلم أن حالتها متأخرة هذه الأيام، ولن يشعر بمريض نفسي أكثر من شخص مر بفترة مرضية مرهقة وشعر بمرارة التعب النفسي، رأى نظرات الشفقة بعين الجميع وسئم من وصمة العار التي ستداهمه طيلة حياته، وقفت وراء الباب تنظر من الفتحة الصغيرة على نور الماكثة أمام المرآة تبتسم باكية، تخرج شريط البرشام بالكامل، وقبل أن تتناولة بلحظة دخلت والدتها لتضربها على يدها فانتفضت من الهلع.
رويدا بأسلوب حاد جدًا:
- ارتدي ملابسك وهيا نذهب معًا إلى الطبيب، وإلا أقسم بربي سأضعك في مركز نفسي بقية سنوات عمرك.
نظرت نور إليها وشفتاها ترتفعان إلى أعلى، لم تتوقع سماع هذه الكلمات الصادمة من والدتها، فاستكملت رويدا باللهجة نفسها وأمسكتها من طرف ملابسها:
- هيا انهضي، لن أتركك لتصبحي مثلي ضحية أسرة لا تهتم بي، هيا يا نور.
نور بتعجب:
- أخبرتِني أن والديك توفاهما الله قبل ولادتي؟
نظرت رويدا إلى الحائط هاربة من الحديث، فعلمت نور أن هناك سرًّا آخر لا تعرفه عن والدتها، لكنها قررت أن تصمت، فوالدتها غاضبة ولن تسمح لها بالمناقشة. ارتدت ملابسها ونزلت إلى الطبيب مع والدتها، طلب الطبيب أولًا أن يجلس مع والدتها الجلسة الأولى وحدهما ليعرف كيف كانت طفولتها وأزمات حياتها ليمسك بطرف خيط يبدأ به العلاج، اكتفى بمجرد التعرف على نور وحدد موعدًا آخر للجلسة الثانية.
عادت ميرا مع خالد إلى المنزل، فكانت المفاجأة عدم وجود رويدا ونور، لكنهما صعدا بعدهما بدقائق، الصمت يعم المكان على الغداء بعد أن أخبرت رويدا خالدًا بمحاولة انتحار نور.
ميرا تنظر إليهم، تشعر أن وجودها غير مرغوب فيه، وقبل أن ترحل بعد تناول الطعام أخذتها نور إلى غرفتها تسألها عن كريم، فتذكرت ميرا حين كانت في المشفى، حين طلبت نور من الجميع الخروج وجلست معه ماذا قالت، وبكل براءة أخبرتها نور أنها روت له كل شيء عن علاقتها بياسر، فغضبت ميرا وتحدثت بنفاد صبر:
- ستظلين طيلة عمرك بهذه السذاجة أيتها البلهاء!
أشارت نور إليها لتخفض صوتها، فتحدثت بصوت منخفض ووجه عابس:
- من هو كريم؟ ماذا تعرفين عنه؟ كيف تثقين بشخص لا تعرفينه وتروي له تفاصيل حياتك؟ ألم تكتفي بما فعله بك ياسر؟
لم تجبها، تذكرت ما رأته في الأوراق وأخبرتها، فقررت معها إغلاق صفحة ياسر من حياتها، أما نور فكان لها رأي آخر، ترغب بالانتقام منه.
***
كريم يجلس على الأريكة بجوار والده يشاهد معه فيلمًا رومانسيًا، فخبط على كتفه:
- متى سأراك مع زوجتك يا ابني؟
أجاب بنصف ابتسامة:
- لا يا أبي، أنا لا أصلح للحياة، لا أصلح للحب.
روى له قصته مع هاجر والنهاية البائسة بينهما، فنصحه ألا يعطي قلبه لِسوى من/ إلا لمن يستحقه، فالمشاعر الصادقة تخترق القلوب، وقلب كريم ما زال بكرًا لم يحظَ بالحب الحقيقي حتى الآن، فالحب ما هو إلا نغمات تداعب القلب، تطرب الآذان، تنير الدنيا، تغير الشخص من حالة مزاجية بائسة إلى شخص مرح يحب الحياة، يرغب بالعيش مرة أخرى حياة جديدة مع حبيبه كي يكون في ذاكرته حصيلة من الذكريات الجميلة التي تجعله يقوى على العيش سعيدًا.
***
نور بصحبة والديها في عيادة الطبيب النفسي بانتظار الإذن بالدخول، ولكن حدث شيء أربك نورًا ووضع خالدًا في موقف حرج، وظهرت عليها علامات الإرهاق النفسي والتوتر.

استكانة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن