بعد انتهى أبوس من جولته الصباحية، ذهب للاستقبال حيث جلس بجانب المكتب مما تسبب لأحد الموظفين توتر بوجوده.
لأبوس كان مكتب الاستقبال منطقة راحة من العديد من المناطق التي بناها في عقله، كان بإمكانه الاسترخاء والتفكير بحياته.
منذ مولده وهو لم يحصل على السعادة إلا بسنواته الأولى فقط، وليس متأكد ما إذا كان بإمكانه تسميتها سعادة بالأصل.
فكر بحادثة ليلي التي نسيها، لكنها جلبت معها عاصفة المغتالين الذي أزعجوا حياته (الهادئة) أو كان تسميتها بالهادئة مبالغ فيه؟
كان يومه عبارة عن إشراف صباحي في الفندق والجلوس بعدها بأماكن متفرقه قام بتسميتها بمناطق الاسترخاء لكونه يفصل وعيه عن العالم ويغوص بعالم الأفكار الذي كان يدهور حاله فقط.
كان بهو الفندق بالأصح مكتب الاستقبال أحد هذه المناطق، كذلك الحانة، وكرسي مهجور بالحديقة المجاورة وهكذا.
كلما مرت الأيام شعر ببؤس أشد من اليوم السابق، تمنى وجود أحدهم لينتشله من الهاوية التي يسقط فيها كل يوم.
ظهرت عليه أعراض الاكتئاب، لكنه لم يصدق ذلك فقام بتكذيبها وبسببها أصبحت عواطفه أشد.
كان أحيانا عند نومه يبكي بصمت أو بقوه ،كان يضحك بيأس بين الحين والأخر ،كان يبقى بلا تعبير وعيون فارغة أوقات أخرى .كل هذا حصل له بينما هو وحده.
تسأل إذا كان وجود أحدهم حوله أو بالقرب منه قد يغير حاله ،لكنه تذكر حادثته بالأزقه.حادثته الأولى بالعاصمة! قبل سبع سنوات عندما وصل للعاصمة، لم تترك انطباع جيد عن هذه الفكرة.
لكن كان بصراع مع نفسه حيث كانت الحادثة تتقاطع مع وصيت والدته الراحلة التي عاش معها ست سنوات كانت الوصية أن تعيش بسعادة بالقرب مع أحدهم، وكان هذا صعب المنال حاليا.
فكر بالأحدث التي توالت عليه بالفترة الماضية، حادثة ليلي والمغتالين، حادثة الملك، وحادثة الفتاة الغامضة التي أنقذها بتلك الليلة.
كان لديه تناقض أفكار ،أحاسيس لم يعلم كيف يتعامل معها .
هل كان مصدرها بؤسه؟ أم اكتئابه؟ أم حياته التعيسة؟
أي شخص سيراه كان سيتسأل ما الذي يدور بخلده ؟
بينما كانت هناك حرب بكيانه ، حرب لا مفر منها .
كل يوم يخوضها ولا تترك خلفها إلا سوء الحالة.
______________________
بالجانب الأخر من البلدة كان هناك شخص بوضح النهار يرتدي عباءة لا تثير الانتباه إليها بلون الزعترية.
بخطوات خفيفة عبر الحشود المزدحمة أمام الأكشاك الرخيص والمحلات الفخمة، وصل ذلك الشخص لزقاق جانبي فطرق أول باب واجهه ثلاث طرقات.
فُتح الباب قليلا ،وتحدث شخص خلفه مستندا عليه لا يسمح بدخول أحدهم : ما هو غرضك ؟
فتحدث صاحب العباءة : "التقدم"
فسمح له الدخول ،حيث فُتح الباب كي يدخل صاحب العباءة ويغلق خلفه بسرعه.
_______________
على الجانب الأخر من المدينة حيث الطبقة الاجتماعية العليا فقط تسكن به، تحديدا بأحد القصور الكبرى فيه حتى من بينها.
تحدث أحدهم :هل عثرت عليه ؟
فأجاب الأخر :نعم سيدي يبدو أنه كان يعيش حياته بشكل جيد حتى الأن ،بل فاق التوقعات .
فرد الأول عليه :وما الذي أخرك لتعثر عليه حتى الأن ؟
فأجاب الأخر : حدثت معضلة هي التي تسببت بالتأخير سيدي.
همهم الأول ثم :وماذا عن الأخر ؟
فرد الأخر : أنه أخطر مما ظننا سيدي! المشكلة أن أمتهن النفاق حتى على نفسه، وبشأن ما سألت فقد تبين أنه كان خلف فقدك لأختك ولم يكن أحد أخر غيره سيدي.
تنهد الأول بتعب وحزن: يا للقدر، كل شيء عبارة عن حماقه وانتهت بحماقة، المشكلة أن الحماقة تافهة لدرجه الجنون.
فرد الأخر :ماذا تريد أن نفعل يا سيدي مع الأثنين؟
فأجاب الأول بعدما قلب النبيذ بكأسه كذا مره : الصغير فلتراقبه للأن وحاول التخلص من الخنجر ،أما الكبير فلترسل أشخاص لمراقبته والتسلل لجانبه للحصول على أكبر قدر من المعلومات .
فانحنى الأخر باحترام وأجاب: فهمت يا حضرت الدوق.
فغادر الأخر، تارك الدوق جالس على أريكته المنفردة، بيده اليمنى بها كأس من النبيذ والأخرى بها صورة له مع شخص ما يتأملها بحسره وألم.
________________
كان جيفري يعمل بلا كلل طوال الوقت، فعندما ذهب للغرفة الخلفية للحانة فتح خزانته الخاص وأخرج علبة الدواء فأكل منها اثنتين، وسقط جالسا.
فكر بأخها هينري وفكر بنفسه، ظل يستعيد ذكريات الماضي البعيد تحديدا ذلك الحي القديم حيث كانا يلعبان ويمرحان كثيرا.
فتمنى لو تعود تلك الايام كي يبقى مع أخاه لفترة طويله ،لكنه حلم بعيد المنال لطبيعة عملهما .
أخذ الهاتف من جيب بطالة وأتصل بهنري، أخذ بعض الوقت بعدها أجاب.
هينري : ماذا هناك جيفري؟ هل حدث مكروه لك أو لأبوس؟
ضحك جيفري بخفة، لحبه لأخا الذي لن يتغير: لا، فقط أردت سماع صوتك.
أجاب هينري بشك : أنت! ماذا يحدث معك ؟
أجاب جيفري: أقسم لا شيء فقط اشتقت لك، أليس بمسموح لي؟
رد هينري بعد صمت قليل : أنا قادم بعد يومين ،لأرى ما معك.
قهقه جيفري : سأنتظرك.
فأغلق الخط، وأسند رأسه على الخزانة يفكر بالأيام القادمة.يتبع>>>>
أنت تقرأ
تجسيد البؤس (مكتمله )
Mistero / Thrillerحكايتي لكم عن روح أرهقها البؤس لدرجة تخطيها مرحلة تمني الموت ، روح أُنهكت بجدارة حتى أصبحت قالب فارغ يتربع البؤس فيها بكل بساطة. لطالما وجد طريقه في كل حكاية! أينما نظرت ستجده يقبع بكوامن الأشياء! أم هو القالب الذي تتكون منه مسارات حياة؟ إنه البؤس ي...