بكاء في صمت

162 8 0
                                    

بكاء في صمت

هذا الصباح لم يكن شبيها كسابقه فتحت إيزلا عينيها على وقع زخات شتاء، كانت تمطر دون توقف ونباح كلبها كذلك وكأنه شعر بكآبة إيزلا، كل قطرة ترطم زجاج نافذتها كانت لها وقعا على قلبها.
صباحها رسم لوحة أمامها وهي تتخيل ذلك، مجسدا طيف حبيبها وهو يقربها إليه تحت مظلته خوفا عليها من البلل، تتذكر ذلك جيدا أمام مبنى الشركة كيف كان ينتظرها بلهفة؟ كلما كان الجو ينذر بقدوم عاصفة، رحل عليها الآن ما عاد أحد يخاف عليها لا من قسوة الطبيعة ولا من أذية البشر، وجع سيرافقها ويعتصر قلبها الحنون وغصة بحلقها تأبى التحرر منها لتسيل دموعها ممتزجة بقطرات الشتاء كلما فتحت نافذة صباحها الممطر.

نزلت ببطء واتجهت إلى المطبخ تعد قهوتها حتى نكهتها تغيرت ما عادت تشتهيها رغما عنها احتست بعضا منها، أخذت معها قطعة بسكويت، ثم حملت معدات الغوص تشعر أنها لم يبق لها شيء تعيش لأجله سوى أن تكمل حلم أبيها.
كانت خالتها بانتظارها فقلبها لم يطاوعها أن تترك ابنة أختها تمر بتلك الظروف الصعبة، ضميرها يؤنبها كل حين على مكيدة ابنها التي لا تدري كم من الوقت ستظل ساكتة عليها.

ذاك اليوم مر بطيئا كل شيء فيه يرثي لحال عاشقان كلما التقت نظراتهما ابتعدا هروبا من تذكر تلك الحادثة التي أنهت قصة حب قوية.
هو الحب دوما يفوز في معركته فلا يترك للمحبان السفر على متن قطاره للوصول إلى نهاية الطريق، وكأنه لا يعشق النهايات بل يتوقف عند أنصاف الأشياء، حيث فيه يجد قطارالحب نفسه عند فصل الخريف ليُسقط أحلام العشاق كما يسقط أوراق الأشجار الذابلة بعد أن عاشوا أمتع الأوقات في ربيعه، فالحب والربيع متشابهان ولا يدومان، حياتهما قصيرة تقف عند عتبة الأطلال لتنعي ذكرياتها الجميلة.

عادت إيزلا الى البيت تجر أذيال خيبتها لم تتكلم حتى مع خالتها ماعاد للكلام أهمية، من كان يحلو معه الحديث والهمس ذهب عنها، هو دانيال من تآلفت روحها مع روحه لقد كان يفهم معنى كلامها قبل أن تنطق به، غيرت ملابسها وأخذت حمامها وقلبها منفطر إلى ما وصلت إليه، تجول بنظرها كالتائهة في صحراء وقد بلغ منها الظمأ ذروته القصوى، تبحث عن ما يبلل عطشها أخيرا أستدلت إلى سريرها دست نفسها فيه، وكأنها تفر من كل شيء من الوعي إلى اللاوعي حتى تنسى وجودها.

في جزيزة معزولةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن