عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله ﷺ: (افْعَلُوا الخَيْرَ دَهْرَكُمْ، وتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ الله، فِانَّ لله نَفَحَاتٍ مِنْ رَحْمَتِهِ يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ.) .فلا يخلو زمان المسلم من الخير، وأمره كله له خير، فعند كل أذان موسم للخير، وخمس صلوات في اليوم والليلة هي من مواسم الخير، وفي الثلث الأخير من الليل موسم للخير، وكل جمعة هي لنا عيد، ومجلس علم، وساعة ذكر، ونظرة في عبرة، وصمت في فكر .. كل أوقات المسلم غنيمة، في كل لمحة من عمره، وفي كل نفس من أنفاسه، وفي الكون من حوله خلق جديد مسبح بحمد الله الحي القيوم جل في علاه، وقد مضى رمضان، وبقي في النفس أريجه، وفي القلب حصاده، ونريد أن نؤسس علاقةً سليمةً مع الله عسى أن ينظر إلينا بنظر الرضا والرحمة .
وها هو رمضان قد تفلت منا، وفق الله من وفقه في صيامه وقيامه وتلاوة كتابه والمحروم من حرمه الله، وعلى كل حال إذا كنت من الموفقين أو من المحرومين فباب الله - سبحانه وتعالى - مفتوح للعالمين، رمضان نفحة ربانية ومنحة صمدانية، تجعلك مهيئًا لما بعده أن تعيش مع ربك فمن فاته شئ من رمضان، فليدركه خارج رمضان بعبادة الله الواحد الأحد الفرد الصمد، وبطاعة الله ورسوله على كل حال، وبالمسارعة إلى المغفرة والرضوان، وعدم الإصرار على الذنوب والمعاصي ونسيان الله.
والقرآن الذي أنزل في شهر رمضان يؤسس لنا العلاقة بين العبد وربه، وبين هذا الكون وخالقه، وبين الإنسان وذلك الكون، وبين الإنسان ونفسه، ويجعل الإنسان مع نفسه ومع كونه ثم مع ربه، متسقًا في تيارٍ واحد يسبح الرب سبحانه وتعالى، ودين الإسلام عقيدته السمحة واضحة حنيفية، هي عقيدة سيدنا إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، عقيدة تجعل الإنسان يفهم أين هو، ويفهم ماذا يفعل، ويفهم لِم يفعل؛ يدعو الله سبحانه وتعالى ويدعو إليه وقلبه مفعم بالإيمان، وذهنه واضح لا يتردد ولا يتشكك ولا يرتاب.
مع دستور من هذه الدساتير التي أرشدنا الله سبحانه وتعالى إليها، في سورة الجمعة انظر إليها وتدبرها وتأملها مرة بعد مرة، وأنت تحصل على برنامج عملي لأيامك المقبلة التي تواجهها وتستقبلها بعد خروجك من رمضان، وبعد ما رضي الله عنك وتعرضت لنفحاته في هذا الشهر الكريم، من صيامٍ وقيامٍ وذكرٍ وتلاوة، وبعد هذه الصلة الربانية التي شعر بها كل واحد منا، حتى مر الشهر وكأنه يوم.
يقول ربنا سبحانه وتعالى في مفتتح سورة الجمعة: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} الكون يسبح، وهو معنى ينبغي أن تستحضره دائمًا أيها المسلم أن هذه الكائنات التي حولك تسبح لله رب العالمين {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} هذه الكائنات تسبّح؛ فلا تكن أنت النغمة النشاز _التي لا تسبِّح_ ضمن هذه الكائنات المسبحة بحمد ربها ... لا تنسى الله، ولا تنس ذكر الله، واجعل لسانك رطبًا بذكر الله، أما أن تنسى فقد دخلت في إطار أقوامٍ آخرين {نَسُوا اللّهَ فَنَسِيَهُمْ} وكانوا من المنافقين، والله سبحانه وتعالى لا يرضى لعباده الكفر، والكفر أنواع: كفر بالله الرحمن يمس عقيدة المرء، وكفر بالنعمة بعدم شكران المنعم سبحانه وتعالى، وكفر بالعشير _وهو الزوج أو من تعاشر أيان كان_ بنكران إحسانه إليك؛ فلا تكفر بنعم الله عليك {وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا} {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ } {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}.
ويأتي الرجل إلى رسول الله ﷺ ويقول له: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ شَرَائِعَ الإسْلاَمِ قَدْ كَثُرَتْ فَأَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ أَتَشَبَّثُ بِهِ؟ قَالَ: (لاَ يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْباً مِنْ ذِكْرِ اللَّه).
إذن فعليك أن تذكر الله قيامًا وقعودًا وعلى جنبك في كل حال، اجعل لسانك يذكر الله حتى مع عدم استحضار القلب؛ فإن ذكر الله سبحانه وتعالى يرجعك التارة بعد الأخرى إلى حظيرة القدس؛ فإن ذكر الله مع الغفلة خير من عدم ذكره بالمرة لا بالقلب ولا باللسان، اذكر ربك باللسان، واتلُ القرآن، واجعل بينك وبينه حصة في كل يوم ..
اجعل وردًا بينك وبين القرآن حتى لو لم تتدبر معانيه؛ فإنك في يومٍ سوف تتدبر، لا تترك الصلاة لأنك لا تخشع فيها؛ صلِّ وداوم على الصلاة حتى يأذن الله سبحانه وتعالى أن يملأ هذا الوعاء بالنور، وأن يملأه بالأسرار، وأن يملأه بالأنوار، وأن يملأه بالملك والملكوت؛ فإن قلب المؤمن لا يسعه شئ في هذا الكون؛ من اتساعه لمعرفة الله الواحد القهار.
أ.د. #علي_جمعة
أنت تقرأ
طريقنا نحو الجنة
Spiritualلتقوية الإيمان ودعوة للتفاؤل والأمل.. قصص الصحابيات تفسير اذكار ادعية احاديث قصص وعبر ،كله منقول هدفي أن آخذ بآيديكم نحو الجنة ،اللهم إنا نسألك الصلاح والفلاح وحسن الختام يارب 💙