الحسد

79 10 0
                                    

‏الحسد من أسوأ الصِّفات التي قد يتَّصف بها الإنسان، الحسد مرض، مرض عُضال، مرض مُميت. اتَّفق عامَّة العقلاء على أنّ الحاسد لا يطيبُ له عيش، ولا تعظمُ في عينِه نِعمة، ولا ترضى نفسه بأيِّ غنيمة، ولا يهنأُ لهُ بال، ولا يستريح له ذِهن. قد نسيَ ما في يدِه وراحَ يُطاول عُنُقَه ليَنظُر إلى ما في يدِ غيره، ‏وعميَ عن عَيبِه وراح يُبصرُ عيوب غيرِه. رضيَ بالعجز والكسل عن السّير لتحقيقِ ما حقَّقهُ غيرُه، ولَيتَه اكتفى بذلك! بل راحَ يسخرُ ويقلِّل ويهزَأ بالمَحسود، ويستنقِصُ ممّا عجِز عن الحصول عليه، فهوَ بينَ نارِ العجز ونارِ الحسد يُشوى ويُكوى ويحترِق!
"حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيَهُ
فالقَومُ أعداءٌ لهُ وخصومُ
كضرائرِ الحسناءِ قُلْنَ لوِجهِها
حسدًا وبغيًا إنّه لدَميمُ".

‏يكرَه أن يرَى البِشْر والفرح والانبساط على وجوه الناس، ويلتذّ برؤية الألم والبؤس حينَ يعتلِي وجوهَهُم. يعلم في قرارةِ نفسه أنه ضعيف ناقص وخبيث، فإذا رأى قويًا بحثَ عن نقاط ضعفه، وإن رأى كاملًا بحث عن نقائصه، وإن رأى طاهرًا ابتلاهُ بتُهَمٍ هي نِتاج خيالاته وهلْوَساتِه، حسدًا منه وخبثًا ونذالة، وهربًا من مواجهةِ ذلكَ في نفسِه!

‏قد أعيا أطبَّاءهُ ومُداوِيه، وأتعَبَ ضحاياه ومحسوديه، وقَبلَ ذلك، فقَد جنى على نفسهِ بهذا الخُلُق الرديء الدنيء الوضيع، حتى نسيَ الهناء والراحة، وألِفَ الحِقدَ والخباثة، وصار الحسدُ طبعًا له وسجيّة وعادة.
"اصبِر على كيدِ الحسودْ
فإن صبرَكَ قاتِلُهْ
النّارُ تأكلُ بعضهَا
إن لم تجِد ما تأكُلُهْ".

فالمسكينُ مَن سعَى لإرضائه، والتّعيس مَن سعَى لمُداواته. فالحاسدُ لا يرضَى ولو وضعتَ القمرَ في يمينِهِ والشّمسَ في شمالِه، لأنّهُ لا يطمَع في أن يكسبَ هو، وإنّما يطمَع وتقرُّ عَينُهُ بخسارةِ مَحسودِه.
‏"كُل العداواتِ قد تُرجى مودّتُها
‏إلا عداوة مَن عاداكَ عن حسدِ"

وهو ليسَ لهُ طِبٌّ ولا دواء، لأنّ خُبثَهُ في نفسِه، وداءَهُ في رُوحِه، واختلالَهُ في عقلهِ، فإنْ لم يُداوِ هوَ نفسَهُ وروحَهُ وعقلَه، فلَن ينفعَهُ نُصحُ ناصِحٍ ولا تأديبُ أديبٍ ولا إرشادُ رشيد.
"وليسَ عِتابُ المرءِ للمرءِ نافعًا
إذا لم يكُن للمرءِ لُبٌ يُعاتِبُهْ"

‏وبعدَ ذلكَ، فإنْ كُنتَ ذا قلبٍ قاسٍ، فخُذ بقولِ القائل:
"‏إن شئتَ قتلَ الحاسدينَ تعمُّدًا
‏من غيرِ ما ديةٍ عليكَ ولا قَوَد
‏وبغيرٍ سمٍ قاتلٍ
‏وعقابِ ربٍ ليس يغفل عن أحد
‏عظِّم أمامَ عيونهم محسودهم
‏تراهمُ قتلى النفوسِ مع الحسد
‏ذوبُ المعادنِ باللظى لكنّما
‏ذوبُ الحسودِ بحرِّ نيرانِ الحسد."

وإن كنتَ ذا قلبٍ ليّن، فاصبِر، واهجُر هجرًا جميلًا، وقُل سلامًا لكُل ذي سفاهةٍ وجهالة، والسّلام

طريقنا نحو الجنة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن