لاشيء يدوم ( الرحلة ) ١ .

55 8 12
                                    

لن انكر مدى جمال هذا اليوم ومدى الشعور الدافئ الذي يعتريني الآن فيما أحدق لتلك الأشجار التي أصبحت مسارح تغني عليها أصناف الطيور المختلفة ، الشمس مشرقة ولكن الرياح مازالت باردة ، ابتعدت عن البقية لكي اركز على الفكرة التي توصلت إليها ، ان كنت تريد حياة هادئة ومريحة فأزل منها العلاقات البشرية تماما ... هذه وصفتي السحرية لحياة سعيدة ... نعم !، نحن نعيش في عالم مزيف وكل شيء فيه يبدوا على عكس حقيقته ، ان ضحك لك احدهم فقد يبطن لك الكره !، وان دعاك شخص ما لحفلة او مشاركتهم فعالية فربما انت تملك شيئا ينقصهم !، وان عرض عليك زميل صداقته فتأكد بأنه يريد زيادة غلته من الشعبية في المدرسة وليس لشيء فيك جذبه ... حتى الحب أصبحت لديه معايير مختلفة !!. لم يعد الايثار والتضحية والمشاعر تجاه الاخر هي أساس الحب بل أصبح مقدار جمال الفتاة ووسامة الفتى هي من تحدد جدارة الطرف بالاخر ، اما مركز الحب وقوته فهو مدى الانطباع والاحاديث الجانبية التي تثار عندما يمر الثنائي بالطرقات وبين المعارف ، يا إلهي !!، لقد وصلنا إلى مرحلة مخيفة من السطحية ... هذا ما اتحدث عنه تماما والابتعاد عن هذا العالم السطحي هو خلاصك الوحيد والطريق المباشر لحياة هادئة ومريحة .
وحتى ان وجدت شخصا لا ينتمي لهذا العالم ، شخص مستعد لعلاقة اصيلة طبيعية ، روحان تجمعهما الصداقة او الحب ليس لسبب سوى انهم يشعرون بالسعادة ان كانا مع بعضهما وتتحلل سحابات الحزن ان تواجد احدهما بجانب الاخر ... وحتى ان وجدت هذا الشخص الذي اصبح نادرا في هذا الزمن فعليك ان تدرك امرا مهما ، نعم !، انت تخاطر بتعاسة ابدية في سبيل صداقة مؤقته جميلة ، قد تعيشون لحظات جميلة وذكريات غزيرة ولكنكم لن تستطيعوا الهروب من الحقيقة المطلقة والنهاية الحتمية ألا وهي الفراق ... كل العلاقات ستنتهي يوما ، لا شيء في هذا العالم يدوم ، سترى اصدقاءك يختفون واحدا تلو الاخر من حياتك مع الوقت ، حتى الذين وعدوك بأنهم سيبقوا للأبد ، منهم من سيمل منك ومنهم من ستجبره ظروف الحياة على تركك !، هنا ... لن تجد سوى تعاسة الفراق وألم الذكريات الطاحن . نعم ، شعور لا يحتمل ، احاسيس جارفة ستخنقك عندما تتذكر وحيدا في غرفتك تلك الأيام الجميلة التي جمعتك مع من اختفوا من حياتك . وسيكون الرد بالطبع على ما أقول ، ان الذكريات الجميلة ومشاركة الاخرين حياتك تستحق هذه التعاسة الحتمية في نهاية المطاف !، ربما انتم محقين .. ربما ان وضعنا الذكريات في كفة وضعنا تعاسة الفراق المحتم في أخرى فسوف ترجح الأولى . من يدري ؟!، عن نفسي .. افضل حياة خالية من العلاقات البشرية على تعاسة خانقة تطاردني في كل مرة أحاول ان اخلد فيها للنوم وحيدا ...

بدأ المخيم الذي ينتظره جميع الطلاب بفارغ الصبر ، ثلاثة أيام في الطبيعة ، ثلاثة أيام تجبر الغابة ومن يعيش عليها من حيوانات على تحملنا ، والمضحك في الامر ان الهدف من هذه الرحلة هي تعلم مساعدة الطبيعة والمحافظة عليها ، وانا اعلم يقينا بأن الغابة لو نطقت لصرخت فينا لنخرج بكل لغات العالم فنحن اسوء المخلوقات وأكثرها ضررا على الطبيعة ولكننا ما زلنا ندعي العكس بكل عنجهية وكأننا لا نعلم مدى فسادنا !!.
الطلاب من كل المراحل السنية تقريبا هنا ، كل المدارس في المدينة قد احضرت طلابها للتخييم في الغابة ، وما يزعجني ان الغابة فقدت اجمل مافيها بقدومنا وهو الهدوء الذي لطالما تميزت به .
استطعت احتمال الاختلاط بالبقية لثلاث ساعات وذلك بسب القطة الشريرة اسلام !، لقد التصقت بي كظلي وكأنها علمت بأني اريد الانسحاب والابتعاد بنفسي عن الفريق المتكون من ساره وشروق وندى وضياء وإسلام ، هم على ما يبدو لي ، يندمجون بشكل لطيف مع بعضهم إلا انا نشاز الفريق !!. رمقتني ساره بنظرة غريبة عندما رأتني ابتعد عن المخيم حيث يتجمع الطلبة !، الازدحام لا يطاق والهواء المنعش قد تشبع بأحاديثهم وصراخهم الممتلئ بالحماس . تبدوا وكأنها مسابقة لعرض اجمل الأزياء والاجساد .. انها فرصة مثالية للتخلص من زي المدرسة الذي يظن الأكثرية هنا بأنه يحد كثيرا من اظهار ما يتمتعون به من جمال ووسامة !. نجحت بالابتعاد عن الساحة العشبية الفارغة من الأشجار في وسط الغابة حيث نخيم وها انا اسير مع جدول الماء . انه وقتي المفضل من اليوم ، وقت ما قبل الغروب . وجدت نفسي امام بركة صغيرة تعج بأصوات الضفادع ، أوراق تطفو على اطراف البركة الضحلة . قذفت حجرة على سطح مياه البركة فقفزت على المياه ثلاث قفزات ، رميت الثانية والثالثة وبدأت اعيد الكرة لعلي اسجل رقما قياسيا بأسمي يتجاوز الأربع قفزات للحجرة ، انغمست في متعتي دون ان انتبه للطفل الذي كان يراقبني من الخلف فيما يختبئ خلف جذع شجرة صغيرة حتى لا اراه ولكنني رأيته عندما كنت ابحث عن حجرة مناسبة .

_ انت !، ما الذي تفعله عندك ؟!

لم يجبني !، شعرت بأنه محرج ربما ، ذهبت إليه فالمكان هنا بعيد عن المخيم ويبدو لي طفل في المرحلة الابتدائية وقد يتوه ان بقى هنا لوحده !، لم استطع رؤية عيناه بسبب شعره الطويل فقلت له :

_ هربت لمكان بعيد حتى تنعم بالهدوء ؟!.

شبك يداه خلف ظهره وبدأ يركل حجرة بالقرب منه ، ظننت بأنه لن يجيب في البداية ولكنه قال بعد صمت مطول وبحرج واضح على صوته :

_ كلا ، لقد اتيت هنا لأن أحدا لا يريد اللعب معي فذهبت لأعلب وحدي .

_ لماذا لا يود احد اللعب معك ؟!.

عاد مرة أخرى للصمت ولم يجبني ، ولكنه عيناه كانت مسلطتان على البركة ، علمت بأن البركة اثارت فضوله فقلت له :

_ انا سألعب معك ، هيا بنا لنرى من الأفضل بيننا في قذف الحجر على سطح المياه ، احذرك !... انا الأفضل في هذه اللعبة . استعد للخسارة .

انقضى الوقت ونحن نقذف بالحجرة تلو الأخرى !، وقاربت الشمس على المغيب ولكني لا أقوى على انهاء المتعة التي يحظى بها هذا الطفل الوحيد ، لم تغادر الابتسامة وجهه منذ ان بدأنا بل اظن بأني سمعته يضحك في بعض المرات بصوت خافت حتى لا اسمعه !، التفت إليه لأخبره بأن الوقت قد حان للعودة ، وقبل ان أتكلم قال وهو مازال يلقي بالحجر :

_ انهم يقولون بأني أكذب كثيرا ، لهذا لا يريد احد ان يلعب معي .

_ وهل انت تكذب فعلا ؟!.

توقف فجأة ثم قال بصوت غاضب :

_ بالطبع لا !، ولكن .. انهم ، هم .... يتهموني دائما بالكذب حتى لا يقعوا في المشاكل .

علمت من تردده الواضح واستماتته في تفادي النظر في عيني انه يخفي الحقيقة ، ولكنه طفل !، والأطفال يرتكبوا الكثير من الحماقات لانهم أطفال وهذا امر طبيعي في هذا السن . خرجت شروق من بين الأشجار وخلفها مجموعة كبيرة من الطلاب والطالبات !، وبدى عليهم القلق الشديد ، اشرت لها بيدي فركضت نحونا وعندما اقتربت منا أخرجت هاتفها من جيبها ثم نظرت إليه ثم للطفل ، عادت لمرافقيها وقالت صارخة :

_ لقد وجدناه .

نظرت لي شروق بعينان تقدحان شرارا !، ثم قالت :

_ أانت مجنون يا آدم ؟! كيف تأخذ معك طفلا صغيرا إلى هنا ؟! المخيم بأكمله مستنفر والجميع يبحث عن لؤي !!!.

_____________________________________________


أي مصيبة قد أوقع آدم نفسه فيها يا ترى ؟!
انتظروا البارت القادم لتعرفوا .
نلتقي الخميس بإذن الله ...



مراهقة بطعم الحب الأسود !.. حيث تعيش القصص. اكتشف الآن