لا حل سوى الركض بأقصى سرعة !.

50 9 9
                                    

تتشابك الاغصان من حولنا وكأنها ايادٍ تنتهي بأصابع طويلة ونحيفة تمتد  لتمسك بنا !!، يمتلئ المكان حولنا بنقيق الحشرات الليلة المزعج ، تمسك اسلام بطرف قميصي من الخلف منذ ان دخلنا الغابة في صمت مطبق على غير عادتها وكأن الرعب قد ملأ قلبها !، وعلى جانبي تسير ساره قريبا مني لأي طارئ ، اما ضياء فيسابق الزمن إلى المكان الذي رأى فيه ذلك الشبح المزعوم .... كانت الطريق ضيقة جدا بسبب كثافة الأشجار لدرجة اننا تكدسنا في ذلك الممر والتصق بعضنا ببعض اثناء السير ...
هممم !، قد تظنون بأني ارتكب حماقة جديدة الآن !، ولكن ... هذه المرة انا بريء !، اجل ... عارضت الفكرة منذ البداية ، ولكن وبشكل مفاجئ أصرت ساره على مرافقة ضياء ؟!!، سارة ، الفتاة التي تخاف من ظلها أصرت على ملاحقة الشبح !!. لو عدت لوحدي ورأتني امي وام ساره دون ساره فأنا هالك لا محالة !، وأيضا المجنونة اسلام تريد المشاركة في هذه المغامرة وهذا ليس بشيء غريب على فتاة لا تعرف كيف تقول لا !!. اما ضياء فقد انساه ولعه بالامور المتعلقة بالاشباح وما فوق الطبيعة شخصيته المتزنة وصوابه !!.
كنا نسمع جميعا أصوات متفرقة اثناء سيرنا ولكننا نتظاهر بأن كل شيء على ما يرام رغم انه لاشيء على مايرام !!. توقف ضياء فجأة ، انخفض بجسمة وبدأ بنزع حذائه ؟!!، توقفنا خلفه متعجبين مما يفعل .. وكزته بيدي متسائلا فأجاب :

_ الأحذية ستكشفنا ... انها تصدر أصوات عالية ... يجب ان نسير من هنا حفاة حتى لا ينتبه لنا الشبح .. يجب ان نتحد مع الطبيعة ونصبح جزءا منها ..

اسرعت اسلام لخلع حذائها بتوتر وهي تمتم بخوف :

_ سوف اتحد مع الطبيعة قبل ان يمسكني الشبح !!...

اكملنا المغامرة ونحن محتضنين احذيتنا ونسير على اطراف اصابعنا وكأننا راقصين باليه !!!. توقف ضياء وعاد بنظره إلينا وعيناه تلمعان بشدة فيما ارتسمت عليه ابتسامة دهشة وكأنه وجد كنزا بحث عنه طوال حياته !!؛ أشار بيده للأمام وتحديدا صوب شجرة عتيقة بجذع سميك ... توقفت الدماء في عروقنا !، شعرت بقبضة اسلام على قميصي بقوة كادت تمزق قميصي الوحيد !!، اما ساره فتحولت لصنم !...
جسم ليس بالطويل ( متر تقريبا ) غير واضح المعالم بسبب الظلام الحالك يطفو في الهواء بجانب الشجرة ويترنح ذهابا وإيابا وكأنه يحرس شيئا ما هناك ؟!!.
وفيما نحن نقف بفزع شاخصة ابصارنا بهذا الشيء المبهم هبت نسمة هواء باردة شعر بها الجميع ، وكانت إشارة لفتح أبواب الجحيم علينا ....
صرخة مدوية لا ادري ان كانت لبشري أو كائن آخر مزقت الهواء من حولنا !!، كانت طويلة تزداد حدة ثم تقل .. الظلام الحالك وتدني الرؤية اصابنا بالرعب ... صراخ فقط هو كل مانسمعه !!، لا ندري اين مصدره ؟! ولا ندري من اين سينقض علينا ولا اين نهرب منه .. استطعت امساك يد ساره فسحبتها خلفي وركضت بأقصى سرعتي اصطدم بشجرة تارة واتعثر بصخرة تارة أخرى .. صراخ اسلام الذي اصبح بعيدا عني وصراخ سارة وانقطاع صوت ضياء افقداني عقلي فلم اعد قادرا على التفكير بمنطقية ... توقف صراخ اسلام فجأة بعد لحظات من سماعنا ذلك الصوت ثم فرارنا ؟!. لقد امسكها أيا ما كان ذلك الشيء .. يا إلهي .. ايعقل بأنه التهمها ؟!!. ما الذي يحدث هنا ؟!! ضياء .. اين انت ؟!!...

في مكان ما في الغابة

مازالت انفاسي تسابق بعضها البعض وقلبي يخفق بقوة تكاد تحطم قفصي الصدري !!. اما ساره فلم تنطق بكلمة منذ ان اختبأنا في جوف شجرة عملاقة ... كدت افقد عقلي ومصير اسلام وضياء ما زال مجهولا ، ان اصابهم مكروه فستكون نهايتي .. لم استطع تمالك نفسي !، انفجر غضبي في وجه ساره :

_ انت هي السبب ... قلت لك ان لا ندخل الغابة ولكنك اصريت على الذهاب ... كل ماحدث وما سيحدث لاحقا .. انت هو المسؤول عنه .. أتمنى ان يكون ضميرك مرتاحا الآن يا ساره .. ليتني لم ارك .. لكنت اقضي وقتي بسلام لا مختبئا في حفرة عفنة لا ادري اين هي ...

بحلقت فيّ ساره بطريقة غريبة .. كانت عيناها تقدح غضبا !!، تسارعت أنفاسها حتى صرت اسمعها .. ثم :

_ ليتني مت .. ليتني مت حتى لا تراني .. ليتني مت وبقي والدي على قيد الحياة .. انا اكره نفسي .. لا استحق البقاء هنا .. انا لا استحق ان أعيش بسعادة فيما ابي تحت التراب .. لا يحق لي الاستمتاع .. الكل يحثني ويطلب مني ويشفق على حالي .. لقد سئمت .. لم اعد اقوى على احتمال هذه الحياة .. ليتني مت عوضا عن والدي .. ( طأطأت راسها ) لقد وافقت على الذهاب رغم خوفي متأملة ان انسى شعوري بالذنب تجاه والدي .. لعل الخوف ينسيني والدي .. ولكن ها انا مازلت اتذكره ، حتى في هذه اللحظة ( رفعت رأسها وعيناها قد امتلأت بدموعها وبغضب أكملت ) لا استطيع العيش هكذا .. لا استطيع ( انفجرت باكية وبدأت بضربي بيدها بكل قوتها فيما انا متقوقع في زاوية الفجوة وهي تقول ) ليتني مت حتى لا تراني .. ليتني مت حتى لا تراني ....

ضياء

يسابق ضياء الريح رغم تعثره لعدة مرات واصطدامة الكثير بالعوائق الا ان سرعته لم تخف وعيناه لم تشح عن طريق الخروج من الغابة فيما يجر خلفه اسلام التي كادت تفقد الوعي من شدة الاجهاد ، مواضبته على التمارين أتت بأكلها أخيرا ... توقف ضياء فجأة وبدأ بالتجول بنظره في الانحاء .. تهللت اسارير اسلام فقالت مسرعة :

_ وجدت طريق الخروج ؟!!.

_ كلا ... نحن تائهان تماما !!...

_ لا اريد الموت هنا !!!.

صرخة أخرى هزت الغابة !!!، استأنف ضياء الركض بكل قوته جارا اسلام خلفه وكأنه لا يجد حلا سوى الركض !!. كان الصوت يعلو وكأنهم يركضون نحوه ... صرخت اسلام على ضياء لكي يسلك طريقا أخرى ولكن دون فائدة .. لم يسمعها ...
شعرت اسلام بأن قدماها لم تعد تلمس الأرض اثناء الركض فجأة وانها معلقة في الهواء كما يحدث مع ضياء أيضا ؟!!، تدحرج الاثنان بقوة على منحدر عال ككرتين ثم سقطى في بركة ماء ذات رائحة نتنه ... بدأت اسلام تتصارع مع المياه بهلع وتضرب بقدماها ويداها كل ما تصل إليه حتى لكمت ضياء على عينه دون قصد !!!.
عندما لامست قدم اسلام قاع البركة هدأت !، ونظرت بحرج لضياء وهو ممسك بعينه بغضب !!. لمحت خلف ضياء أنبوب صرف مياه عملاق يصب في البركة !!، وكان يصدر صوتا مع كل ريح تمر فيه !!!، امسكت رأسها ثم قالت متعجبة :

_ اذا هذا هو مصدر الصوت ؟!!!... يا إلهي !!، نحن فعلا مجموعة من الحمقى ..

_ فعلا هذا هو مصدر الصوت .. ولكن ، مازالت نظريتي قائمة .. ذلك الشيء الذي رأيناه ....

نهضت اسلام ثم نفضت ثيابها وهي متقززة من الرائحة النتنة ثم قالت :

_ اين آدم وساره يا ترى ؟!!.

_ يجب ان نبحث عنهم ...

آدم

هدأت سارة وتوجهت للناحية الأخرى لتتفاداني !!، نعم ، صعقت قليلا !، ولكن ساعدتني معرفتي بأنها تمر بوقت صعب بسبب فقدانها لوالدها والفضل يعود لملكة الافاعي !، لهذا انا اتفهم ساره .... شعرت ان الفرصة سانحة لأتكلم دون ان تعتدي على ساره بالضرب فقلت :

_ ستبدأ الألعاب النارية قريبا .. ستدلنا على طريق الخروج ان تبعناها ..

حشرت نفسها في زاوية الفجوة تدفع جسدها دفعا وكأنها تريد الابتعاد عني قدر الإمكان !!، فقلت في محاولة يائسة مني للتخفيف عنها :

_ يدك تشبه يد صاحب ذلك النادي عندما يتعلق الامر بتسديد اللكمات !!، يجب عليك ان تنضمي لهم !!!.

لم تجب وبقيت متجمدة في مكانها فقلت :

_ لا بأس لست اول من يكرهني !!، ولكن .. اظن بأني قدمت لك مساعدة يا ساره .. نعم .. لقد جعلتك تخرجين شيئا مما في داخلك ..

التفتت بوجهها نحوي وبدت لي بأنها تريد ان تقول شيئا ولكن صوت ضياء وإسلام اوقفها عن الكلام ... اسرعنا خارج الفجوة حتى وجدناهم واخبرانا بكل شيء ... وما هي لحظات حتى بدأت الألعاب النارية فتبعناها ....

اخذتنا الطريق دون ان نشعر إلى المكان الذي رأينا فيه ذلك الجسم الغريب فتوقف اربعتنا !!، وكأن هذه الليلة لا تريد ان تنتهي ابدا ؟!!!. انارت الألعاب النارية السماء فوقنا لينكشف امامنا شكل الشيء الذي بث الرعب في نفوسنا ..... سترتة جلدية قديمة معلقة على غصن في اعلى الشجرة تحركه الرياح !!!!!.
اندفعت ومعي اسلام وساره راكضين خلف ضياء لنقتله .... سحقا !!، انه سريع جدا .. يجب ان ابدأ بممارسة التمارين الرياضية ....





مراهقة بطعم الحب الأسود !.. حيث تعيش القصص. اكتشف الآن