احتجت عشرة أيام حتى استوعب تلك الصدمة !، لم اعد لطبيعتي بعد .. ولكنني اظن بأني أصبحت جاهزا لمغادرة غرفتي التي اعتكفت فيها لوقت طويل ... نجت ندى من ذلك الحادث باعجوبة !، ولكنها خرجت منه بعدة كسور ورضات ... ما زالت ترقد في المستشفى !، آه !، ما الذي حدث لحياتي الهادئة الجميلة ؟! كيف أصبحت بهذا الاضطراب ؟! اين أخطأت يا ترى ؟! ليتني اعرف حتى اصحح اخطائي ...
تحدثت المعلمة معي عبر الهاتف وارغمتني على العودة للمدرسة واشغال نفسي في العمل في المقهى ، فعلا قد يكون ذهابي للمقهى افضل ما قد أقوم به الآن !، مازلت أرى الكوابيس وعقلي لا ينفك يسترجع الاحداث التي جرت في تلك الليلة المشؤومة !!، مازلت أرى وجه ندى والاسعاف والصراخ والعويل .... يا إلهي !، انا بحاجة لنفض هذه الأفكار عن رأسي ..
اليوم في أوله ، اجلس على مقعدي في الفصل لكي اخوض هذه الحلقة المزعجة ، هذه المسرحية المبتذلة ، المسماة بالمدرسة !، لست ضد التعلم ، ولكنني ضد أسلوب الحياة في المدرسة ، ضد الكذب والتظاهر ، ضد المنافسة السخيفة بين زملائي ... المنافسة على الشعبية والقبول والظهور امام الآخر بصفات ليست فيه .. لا احتمل هذا الهراء ، ولا افهم سبب تحملهم هذه الأقنعة الكاذبة ليثيروا انتباه هذا ، أو يحصلوا على كلمة مديح من هذا !!، حقا !... انه شيء يدعو للشفقة .. كل هذه التعاملات التي تدور بين الطلبة هنا ... مجرد كذبة .. جميعهم يخفي امرا ... جميعهم يستر عيبا !، الجميع يتظاهر بالملائكية ولا احد هنا يتصرف على سجيته ؟!!. من اجل ماذا ؟!!.... من اجل القبول والشعور بالحب والانتماء لهذه الطبقة من البشر والمسماة بالطلاب ...
لقد سئمت من البحث وتوقفت منذ زمن طويل !، اكتشفت بأن المدرسة لا تحتوي على علاقات اصيلة ، اجل ... كل شيء هنا مزيف ، حتى تلك الضحكات التي تسمعها في ازقة المدرسة ... مزيفة !، لا شيء هنا حقيقة ، لا يوجد صداقة فعلية هنا .. قد تظن بأني مخطئ ... وقد ترى عينك اللمعان في كل زاوية من المدرسة ، ولكن ... ليس كل ما يلمع ذهبا ... زر المدرسة بعد انتهاء الدوام وستفهم قصدي جيدا ... هذه حقيقة الحياة المدرسية ...
اكتمل طاقم العمل في المقهى
انتهيت من المدرسة فتوجهت مباشرة للمقهى للإنغماس في العمل ، صدمت ما ان فتحت باب المقهى !!... اتهموني بالانحراف ، انا لا ابالي ولكني رأيت شروق ؟!!... رأيتها لأول مرة ترتدي غير زي المدرسة !!!. آه !، رأيتها بذلك الزي الأسود القصير والمخطط بالابيض !!، ترتدي زينة على رأسها على شكل أذني قطة ، كانت تنتقل على اطراف اصابعها بين الطاولات حاملة الصينية وكأنها سحابة ودودة تنثر السعادة بلطف ، لديها سحر في ابتسامتها الناعمة وقع فيه كل فتية مدرستنا !!، انا وحدي قد شهدت على عشرات ممن اعترفوا لها بحبهم !... ولكنها دائما ما كانت ترفض بحزم !!، قد تُخدع بتلك العينان الواسعتان والظريفتان للوهلة الأولى !، قد تظن بأن تلك الغرة التي تقسم وجهها إلى جنتين تخفي خلفهما ضعف فتاة وخجل !!، قد تظن بأن ذلك الشعر الحريري ، او كما اطلقت عليه سابقا عندما كنت اتأمله اثناء تواجدنا في الفصل ... نهر من الليل يبدأ من أعلى رأسها وينتهي عند منتصف ظهرها ، نهر لا تجري فيه مياه !، بل ليل حالك السواد ينسياب بحرية ، قد تظن بأنها شعرها الحريري المنسدل على ظهرها هو انعكاس لروحها المطيعة ، كلا .... شروق تملك شخصية قوية لا تمت بصلة لمظهرها الخارجي !!، شخصية قيادية !، هي مشرفة الفصل منذ عرفتها !، في المرحلة الابتدائية ثم المتوسطة والآن الثانوية !!، صديقاتها اشبه بظلها ، قد سحقتهم تماما بشخصيتها الطاغية !... دائما هي اول من يقف للدفاع عن نفسها وعن البقية ..... يا لها من فتاة جميلة بشكل مبهم !!، هي كزهرة سامة ، مظهرها الخارجي خلاب ولكن سم كامن يستقر في داخلها !!...
ذهبت لصندوق المحسابة لبدء العمل ، كان ضياء يقف كالصنم بلا حراك وعيناه تتبع شروق أينما ذهبت !!. فقلت :
_ ضياء ... يا ضياء !! ( دفعته بيدي حتي ينتبه لي !! ) ما بالك تقف كالصنم ؟! ألا تسمع ؟!!.
عاد ضياء لرشده ونظر إلي بعينان بائستان !، ترك رأسه ينخفض حتى ارتطم جبينه بالطاولة !، اعتدل !... مسح وجهه باضطراب ثم قال وعيناه مازلت تلهث خلف شروق :
_ انا متوتر يا خالد !!، متوتر جدا ... آه !!، لا ادري ما الذي سيحدث ؟!.
_ ما سيحدث ؟!..
نظر إلي متفاجئا :
_ الم تخبرك ساره ؟!!
_ كلا ، ما الذي يحدث ؟!
_ آه !!، انا محرج يا آدم .. من اين ابدأ ؟ حسنا ... اسمع ، لقد كنت انتظرك لتساعدني في أمر ما ... طلبت من ساره اخبارك بالتفاصيل ولكن .. ربما منعها امر من اخبارك ..
_ نعم لقد كنت محبوسا في غرفتي لفترة .. لم اخرج منها .. ولكن .. تريد مساعدتي في ماذا ؟!!
_ هممم !!، اريد ان اعترف لشروق بحبي .. اريدك ان تساعدني ...
_ أيها المجنون !!!، لم تجد غير شروق !!، الا تعلم بأن لقبها محطمة الفتية .. شروووق ؟!!!، شروق يا ضياء ؟!!.
_ اخفض صوتك !!، اخفضه ، انها قادمة ... اللعنة !، ستفضحني ...
توقفت شروق امامنا وهي تحتضن الصينية على صدرها ، تنظر إلينا بابتسامة خلابة على محياها :
_ تتحدثون بدل العمل ؟! ( انتظرت ان يجيب احدنا .. لم يجب أحد !!) هممم !، انا جميلة لدرجة انكما تعجزان عن الاجابة ؟!!، لا بأس هذا يحدث معي دائما ...
مالت برأسها وهي تنظر إلي وكأنها تراجع ذاكرتها !!، تبدلت الابتسامة بوجه متهكم !!، ثم قالت بنرة عالية :
_ ألست ذلك الفتى الذي يضرب الفتيات ؟!.
_ يا إلهي !!، هو حادث واحد فقط !!، وكان غير متعمد ...
_ أيا كان ...
استدارت ببرودة لتتطاير شعيراتها الحريرية مودعة ايانا !، عدت لضياء واذا به يجلس على الأرض خلف صندوق المحاسبة !، يشبك ذراعيه اسفل صدره ويتمتم !!، قلت له متعجبا :
_ ما بالك ؟!.
_ قلبي يا ادم !!، اشعر به وهو يذوب في كل مرة أكون بالقرب منها !!..
_ لقد سحرتك تماما !!!.
اسرعت سارة إلينا وقالت :
_ الحمدلله ، لماذا لم تكن تجيب اتصالتنا ، لقد قلقنا عليك يا آدم .. اخبرت خالتي انك لا تجيب فقالت انك تغلق على نفسك الحجرة ولا تخرج منها !!، أتمنى ان يكون كل شيء على ما يرام !!.
_ اجل ، انا بخير ، و ... مم !، اعتذر على عدم ردي ..
ساره متبسمة :
_ لا بأس ، مادمت بخير .
ضياء من الأسفل :
_ انا مازلت هنا !!، الن تساعدوني ؟!.
ردت ساره :
_ آه !، نسيتك ... بالطبع سوف نساعدك .. لقد حضر آدم واصبحنا جاهزين لتنفيذ الخطة ...
لم استطع ابعاد عيني عن الزي الموحد الذي ترتديه ساره وشروق .. نسيت نفسي وضعت مرة أخرى !!، ربما انا منحرف فعلا !!، ولكني اقدّر الجمال كما قلت لكم سابقا .. قطعت هذه اللحظة الجميلة شروق قائلة بصوت ممزوج بالغضب :
_ لما تحدق بها أيها المريض ؟!...
_ ها !! انا .. احدق !، كلا ... لست احدق ... ولكن أتساءل ان كنتم ستجبروني أيضا على ارتداء زي سخيف كهذا ؟!!
شروق :
_ بالطبع لا !!... ستبدو كمنحرف بنظراتك المريضة هذه وقد تمتنع الفتيات عن القدوم بسببك ... انظر لقد بدأ العمل يزدهر منذ ان بدأت بالعمل هنا ، ستسعد المعلمة بما حققناه ، انا متأكدة ....
بالفعل يبدو بأن قدوم شروق قد أضاف زخما قويا للمقهي رغم انها بدأت تتسلط علينا من الآن !، ولكني لا اهتم مادمت أقوم بعملي على اتم وجه ... تبقى ساعة حتى يقفل المقهى ابوابه ... نحن مستعدين ومتأهبين ويكاد ضياء يختنق من شدة توتره .. الخطة كالتالي ... ساره ستطلب من شروق الذهاب للمطبخ لتفقده ، انا سأحل مكان شروق في غيابها .. وعندما تذهب للمطبخ ستجد ضياء هناك في انتظراها ...
سارت الخطة كما يجب ، ابتعلت شروق الطعم وهاي في طريقا إلى المطبخ .... الآن كل شيء يعتمد على ضياء ، وللإمانة يروادني شعور سيء بشأن هذه الخطوة المقدم عليها ضياء !!، الكفة بالنسبة لي ترجح لصالح الرفض !، ستكون فرصة عظيمة لتتشدق بها شروق امام الفصل في الغد ، لقد رفضت ضياء ... ضياء الفتى المثالي وفارس احلام كل فتيات المدرسة !، ان رفضته فسترتفع أسهمها في الغد وسوف يصبح ضياء حديث المدرسة الأوحد .. انها فعلا مهزلة تتواجد فيها مكونات الحياة ما عدا الحقيقة !... همم !، يزداد شعوري سوءا مع كل لحظة تمر ..
وبعد 3 دقائق من دخول شروق المطبخ ... خرج ضياء بسريع الخطى !.. بدى من وجهه انه مستاءا جدا ... حاولت إيقافه ولكنه ابعد يدي عنه بقوة واكمل طريقه خارجا من المقهى دون ان يتكلم ؟!!، لن انسى تلك النظرة التي علت وجهه ما حييت !!، كانت مزيجا من عدة مشاعر سلبية !!، الحزن والانكسار والصدمة وعدم التصديق ... لم أرى ضياء بهذا المنظر ابدا طوال معرفتي به !.... وبعد ان خرج ضياء توجهت بنظري للمطبخ منتظرا خروج تلك الشريرة عديمة القلب ... اسرعت ساره إلي :
_ ما الذي حدث ؟!
_ لا ادري ، ولكنه شيء سيء بالتأكيد ... سأذهب للحديث معها .. تلك الشريرة ..
حاولت ساره منعي ولكني أكملت طريقي إلى شروق .. فتحت باب المطبخ ولكني لم أجدها !!، بدأت بالبحث عنها .. لحقتني سارة ونادت من الخلف :
_ انتظر يا آدم ...
وجدتها !!... كانت جالسة على الأرض ، تحتضن قدميها المثنيتان للأعلى !، عيناها متوسعتان من شدة الخوف ؟!! ترتجف بشدة وقد مال طوق اذني القطة للأمام حتى غطى جبينها ، تحشر نفسها بين الفرن والثلاجة وكأنها مختبئة من وحش ما .... نظرت إليها متعجبا ... حدقت بي بنظرة مرتعبة ثم دفعت نفسها للوراء بقدميها رغم ان ظهرها ملتصق بالجدار !، بدأت تلتفت حولها باضطراب شديد .. كانت متعرقة وصوت انفساها يصل إلى مسمعي ؟!!، ما الذي يحدث هنا بحق الجحيم ؟!!... اسرعت ساره لشروق ، امسكت شروق بتلابيب سارة بقوة وكأنها تستغيث بها !!، فقالت ساره بخوف :
_ ما الذي حدث لك يا شروق ؟! اخبريني بالله عليك ...
قالت شروق بصوت مرتجف :
_ دعيه يخرج من هنا ... ارجوك يا ساره اخرجي هذا الوحش من هنا .. جميعكم وحوش .. اخرج من هنا ..... لا اريد رؤية وجهك ..._____________________________________________
يتبع ...
أنت تقرأ
مراهقة بطعم الحب الأسود !..
Romanceأنا آدم ... طالب في الثانويه وأكره البشر !!. ولولا خوفي من عقاب والدي المخيف لتركت المدرسة فورا وأغلقت باب غرفتي علي ولم اخرج منها أبدا إلا على قبري !!، لست مأساويا ولا انتحاريُّ حزين !!... كلا !... و على العكس تماما !، انا اعشق نفسي