اندفعت (مريم) داخلة شقتها قبـــل منتصف الليل بقليل، فصاحت بها والدتها:
- كنتى فين لحد دلوقتى؟! .. ملكيش أهل ولا ايه؟
لم تعطى لوالدتها أى إهتمام، ودخلت غرفتها وأغلقت بابها خلفها، فأخذت الوالدة تضرب الباب وتقول فى قلق:
- (مريم)؟! .. حصل حاجة ولا ايه يا بنتى!.. افتحى الباب.
أتاها صوت إبنتها تقول:
- سيبينى فى حالى يا ماما دلوقتى.. وانا هبقى كويسه الصبح.
قالت الوالدة فى استسلام من خلف باب الغرفه:
- حاضر يا حبيبتى اللى يريحك.
وحيدة أخذت (مريم) تبكى.. حتى أنها لم تغير ملابسها.. جلست أرضاً وأسندت ظهرها لسريرها وأخذت تبكى..
حياتها أصبحت جحيماً..
لم تعد تطيق أن ترى صديقة عمرها (نور) مرتبطه بـ(لؤى) وعلى وشك الخطوبة..
كانت (مريم) تعشق (لؤى) منذ صغرها.. فهى جارته طوال عمرهم.. منزله يجاور منزلها..
تحبه منذ أن كانت تشاهده خلسة من شباك غرفتها وهو يلعب الكرة فى الشارع مع شبان المنطقة.. منذ أن كان مراهقاً.. ولم تكن تمانع ابداً أن تظل اليوم بأكمله تستمتع بمشاهدته يلعب ويجرى وتتسخ ملابسه ولا يهتم .. تعشق عنفوانه وانطلاقه.. وكان أحياناً يتشاجر مع الفريق الآخر وتفرح اذا تغلب عليهم وضربهم، وتتعاطف معه إذا ضربوه، وتتمنى لو أنها تنزل للشارع وقتها لتحتضنه وتمده بالحنان..
ولكن للأسف هو يعاملها طوال عمره كصديقة وأخت.. (كريم) أخوه يعاملها بإهتمام أكبر منه.. ياااه لو كان (لؤى) هو الذى يهتم بها إهتمام (كريم)!!!
هل يمكن أن يأتى هذا اليوم؟!
إنها تحب صديقتها (نور).. تحبها منذ الطفولة.. ولكن عندما دخلا الكلية معاً ومعهم (لؤى) وتعرف عليها بدأ ينجذب لها .. وبدأت (مريم) تشعر بالغيرة منها .. لدرجة أنها أحياناً تشعر بأنها تكرهها ، ولكنها سريعاً ما تنفض هذه الأفكار عنها لأنها حقاً تـحـب (نور)..
لكن ماذا يمكن أن تفعل؟!.. ما الحل؟!
ليت كان هذا الدجال دجالاً حقا ويستطيع أن يستميل لها قلب (لؤى)!
لكن للأسف هذا الدجال مجنوناً.. لقد تسلى بهم وجرح أيديهم وأخذ يلـــــقى عليهم بتعويذة سخيفه يفترض أن تجعلهم خالدين ثم اختفى فجأة..
وقتها انصرفوا ووصلهم (ممدوح) بسيارته الفخمه لمنازلهم ، بعدما قاموا جميعاً بتوبيخ (ممدوح) على فكرة الدجال السخيفه هذه..
ظناً منهم بالطبع أن هذه التعويذه مجرد خدعه..
ولكن..
هل هى خدعه حقاً؟!
* * *
السادس عشر من يناير الساعه السابعه صباحاً..
نزلت (مريم) من منزلها كالمعتاد لتذهب لجامعتها، ولكن بمجرد خروجها من المنزل حتى اتجهت ناحية منزل (لؤى) و(كريم) المجاور لمنزلها، وصعدت درجات السلم ورنت الجرس، وانتظرت قليلاً حتى فتحت لها والدة (لؤى) و(كريم) وقالت لها:
- إزيك يا (مريم) إزيك يا حبيبتى اتفضلى.. دا لسا (لؤى) نازل من شوية.. مش المفروض وراكم محاضرة دلوقتى؟
- آه فعلا.. بس انا حبيت أعدى عليكى الأول يا طنط (سعاد) أسلم عليكى واتكلم معاكى فى حاجة كدا.
- حاجة ايه يا حبيبتى.. خير؟ .. اتفضلى.
دخلت (مريم) المنزل وسألتها بصوت خافت:
- هو (كريم) هنا؟
- اه.. عاوزاه؟
- لا يا طنط انا بس مش عايزاه يسمعنا.
- ايه يا (مريم) قلقتينى.. تعالى قوضتى.
دخلت (مريم) مع الست (سعاد) غرفتها، وجلست على السرير..
- شوفى يا طنط .. بصراحه كدا.. (لؤى) واقع فى ورطة.
- ورطة ايه كفى الله الشر!
- هو بيحب صاحبتى (نور).. معرفش حاكيلك ولا لأ.. ونفسه انه يخطبها لولا طبعاً زى ما انتى عارفه انه مستنى يحوش شوية من الشغل بتاعه اللى بيشتغله جمب الكلية.
- هو قالى انها صاحبته ومجبليش سيرة لسا انه ناوى يخطبها.. حـصــل حاجـة بينهم ولا ايه!
- ياريت يا طنط!
- نعم؟!
- (نور) دى بنت كويسة ودى صاحبتى.. بس للأسف الحلو ميكملش.. (نور) من سنتين قبل ما (لؤى) يحبها كانت مرتبطه بواحد كدا زميلنا اسمه (أشرف).. (أشرف) مش من القاهرة.. ومأجر شقة هنا عشان يبقا جنب الكلية.. وقاعد فيها لواحده.. وهى كانت بتروحله لواحدها بحجة إنها تذاكرله.. وفى يوم غلبهم الشيطان و ...
ولم تكمل (مريم) كلامها وهزت كتفيها وحركت يدها بمعنى "وانتى عـــارفــه بقا"، وفهمت الست (سعاد) بالطبع ما تقصده (مريم)، فهتفت:
- يا خبر ! .. هم بنات اليومين دول بقوا كدا ليه !
- المشكلة يا طنط إنه طلع واطى وبعد ما عمل عملته قالها انه مش بتاع جواز وكدا.. فقطعت علاقتها به طبعاً.. واكتأبت فترة.. لحد ما (لؤى) وقع فى غرامها.. اداها أمل تانى فى الحياة.. بس (لؤى) ميهنش يا طنط عليا إنه يقع فى الوقعة السودة دى.
- وطبعاً (لؤى) ميعرفش حاجة عن الموضوع دا؟
- انا بس اللى اعرف موضوعها دا لإنى اقرب واحده ليها.. هى أكيد ناوية تبقا تتصرف قبل متتجوز (لؤى) .. ماهو الموضوع بقا سهل يا طنط فى الزمن الأغبر دا!
قالت (سعاد) فى غضب:
- دا على جثتى ان دى تبقى مراة إبنى!
قالت (مريم) فى خبث وهى تحاول أن تهدئ من غضبها:
- بس يا طنط (لؤى) بجد بيحبها .. ولو قلتيله موضوع (أشرف) دا مش بعيد يقتله.. ويضيع مننا عشان واحدة متستاهلش.
قالت الست فى حيرة:
- اومال عاوزانى أعمل ايه؟
- لما يجيبلك سيرة الموضوع دا قوليله انك عاوزة تقابليها.. وساعتها اعملى معاها اى مشكلة جامدة.. او قوليله انك حسيتيها لعوبة وانك مش مرتاحلها.. أى حاجة المهم تقوليله فى النهاية يختار بينك او بينها.. و(لؤى) بيسمع كلامك وبيحبك أوى.. مستحيل يكسر بخاطــرك.
أخذت والدة (لؤى) تفكر، ثم قالت بهدوء:
- خلاص .. أنا عرفت كويس أنا هعمل ايه.
ثم ربتت على كتف (مريم) وقالت فى امتنان:
- تسمليلى يا بنتى.. متحرمش منك ابداً.
- متقوليش كدا يا طنط.. دا انتى زى ماما.
قالتها ونهضت قائلة:
- هنزل انا بقا عشان متأخرش على المحاضرة.
- بالسلامة يا حبيبتى.
وانصرفت (مريم) ولم تفارق وجهها تلك الابتسامه..
ابتسامة نصر.. وسعادة..
ضميرها يؤنبها بالطبع أنها فتنت على صديقتها وحكت سرها، ولكنها ظلت تهون على نفسها بأن هذا لم يكن بقرار سهل عليها.. كما أن سمعة (نور) لم تتلوث إلا أمام والدة (لؤى) فقط..
فإذا كان هذا هو ثمن راحتها من عذابها اليومى كلما شاهدت حب عمرها إلى جانب صديقة عمرها.. يبقى أيه المشكلة؟!
لأ بجد.. أيه المشكلة؟!
* * *
حياته ما هى إلا المذاكرة ليلاً ونهاراً.. وساعتين كل يومين يخرجهم مع شلة أخيه ليرى (مريم) حبيبته التى لا تعلم بالطبع أنه يحبها لهذا الدرجة!
كانت هذه هى حياة (كريم)..
لا يجد نفسه إلا فى المذاكرة التى ادخلته كلية الطب ليكمل مشوار المذاكرة الذى لا ينتهى..
إنه ناجح جداً ومن أوائل دفعته، ويطمح للتعيين معيداً بالكلية، لكن كل هذا لا يرضى (مريم).. لا يجعلها تنتبه له!!
إنها فقط تنتبه لأخيه (لؤى)..
إنه يعلم أن أخيه جذاب جداً لوسامته وجسده الرياضى، على عكس (كريم) فكان قصيراً وبديناً نوعاً ما ولكنه يعلم جيداً أن لو (مريم) منحته فرصه ستحبه.. فإنه ذكى وناجح ويحبها بجنون وعلى استعداد ان يفعل لها ما تريد!.. لكن واضح أن هذا كله لم يلفت نظرها!
"كريم"
سمع اسمه بصوت والدته فخرج من شروده وهو جالساً على مكتب مذاكرته، ونظر لها وهى تسأله:
- تعرف (نور) صاحبة أخوك؟
- اه مالها يا ماما.
- بينها وبين اخوك حاجه؟
- نعم؟!
- متعملش فيها عبيط!
- منا مش فاهم بس تقصدى ايه.
- أقصد اللى فهمته.. بيحبوا بعض وناويين على خطـوبــة وجواز وكدا؟
- اه يا ماما هو فعلاً بيحبها بس لسا مش عاوز يفاتــحـك فى الموضوع .. انتى عرفتى منين؟
- مش مهم عرفت منين.. انا عوزاك فى حاجة.
كان يبدو على (كريم) الاستغراب، وقال:
- حاجة ايه يا ماما؟
كانت (سعاد) على وشك أن تجيب ابنها، لكن منعها صوت موبايله، فأمـســـكــه (كريم) ونظر للاسم فأصابته الحيرة، ورد على المكالمة وقال:
- أيوة يا (ممدوح).. عاوز ايه ياعم بعد ليلة إمبارح دى؟!
جاءه صوت (ممدوح) مرعوباً ويصيح:
- عاوز اشوفك دلوقتى يا (كريم).. الموضوع خطير.
نهض (كريم) بسرعه وقال فى توتر:
- فى ايه ؟! .. طب انت فين اجيلك حالاً؟!
عقدت والدته حاجبيها فى قلق، وقالت:
- خير يابنى؟
بينما انصرف (كريم) بسرعه دون أن يجيبها..
وبعد نصف ساعه كان (كريم) فى فيلا (ممدوح) الذى فتح له الباب وكان وجهه شاحباً ولم ينطق، فدخل (كريم) وقال فى قلق واستعجال:
- ايه اللى حصل؟!
وما قاله (ممدوح) كان مرعباً وغريباً.. لأبعد الحدود !!
* * *
أنت تقرأ
إكسير الموت - Elixir Of Death
Fantasyكثيرًا ما نقابل الناقمين الراغبين في الموت، ولكن هل هم على استعداد للانتحار حقا؟! معظمهم لا.. فغريزة البقاء تقوم بدورها وتجعل حتى أكثر المتشائمين والناقمين يفعل المستحيل ليعيش.. فالحياة حقا تجربة تستحق أن تحارب من أجلها! ولكن إلى أي مدى؟ وما هي حدود...