الدجال

149 5 0
                                    

بعد غروب الشمس بقليل، وفى هذا التاكسى حيث تجلس (نور) بجوار (مريم) ذاهبين لمقابلة باقى أصدقائهم، كانت (مريم) متوترة وهى تقوم بظبط طرحتها كالمعتاد وتقول:
- انتى متأكدة يا (نور) إن طرحتى مظبوطه؟
- اه والله.. انتى هتفضلى كدا علطول مقتنعه ان طرحتك مش مظبوطه.
- مانتى عشان مش محجبه فمتعرفيش احنا بنعانى قد ايه فى ظبط الطرحة دى.
- يبنتى والله مظبوطه وشكلك قمر.
قالتها (نور) ثم لمحت من شباك التاكسى باقى الشلة واقفين أمام باب هذا المطعم الذى يبدو أنه للأغنياء فقط!! وضربت (مريم) على كتفها ضربة خفيفة قائلة:
- خلاص وصلنا بس بقا.
أوقف السائق سيارة التاكسى، ونزلت منه (مريم) مبتسمه، ثم نزلت (نور) التى مد لها (لؤى) يده يساعدها على النزول، وقال (كريم) وهو ينظر لـ(مريم):
- والله وحشتونى.
ابتسمت له (مريم) وقالت:
- مانت يا دكتور اللى مشغول بالكلية ومش فاضيلنا.
ضحك (ممدوح) وقال وهو يضع يده على كتف (كريم):
- دكتور؟! طب والله بنسى إنه فى طب وإنه اكبر مننا بسنة أساساً.. علطول بفتكر انه معانا فى حقوق والله.
جذبته (نرمين) من كتفه وقالت:
- مش يلا بقا ندخل المطعم؟
هم (لؤى) على دخول المطعم مع (نور) التى كانت متأبطة ذراعه، وقال:
- انا بقول كدا برضو.. انا وحشنى الويسكى.
ضربته (نور) فى صدره بخفة وفى نفس الوقت فى غضب ممزوج بدلع، وقالت:
- بس يا (لؤى).. متعصبنيش بقا يا رخم!
كانت (نرمين) الوحيدة تقريباً التى كانت تنتبه لنظرات حب (كريم) لـ(مريم)، ولنظرات حب (مريم) لـ(لؤى)، هذا لأن (نرمين) تهتم دائماً بمشاعر أصدقائها الخفيه، وتحلل نظراتهم وعلاقاتهم وتستنتج منها الكثير، هذا من الأصل ما جعلها تنجح فى إيقاع (ممدوح) فى حبها، رغم أنه من عائله فاحشة الثراء وكانت هى من أسرة محدودة الدخل، لكن (نرمين) تتطلع دوماً للقمة والثراء، وبمجرد أن جعلت (ممدوح) ينوى أن يخطبها حتى استغلت غناءه فى شراء أغلى ملابس لها وموبايل حديث، حتى أنه أهداها خاتماً ألماس الاسبوع الماضى، وأصبحت تجرب معه كل جديد..
إنها فتاة تحب الحياة ولا تضع لنفسها أى حدود تقيدها، فعلاقتها به كان أفضل شئ حدث لها وحقق أمانيها، ليس بسبب (ممدوح) نفسه ولكن بسبب ما وراء (ممدوح)!!
وبعد أن انتهى الستة من تناولهم للعشاء معاً فى هذا المطعم الذى كان كل شئ فيه تقريباً يلمع كالذهب، طلب (كريم) و(مريم) و(نور) عصائر طـبيعيه، بينما طلب (ممدوح) زجاجة ويسكى، وشاركه (لؤى) الشرب، وشاركته (نرمين) أيضاً التى شربت كأساً وقالت وهى تنظر للفتاتين:
- يعنى أنا البنت الوحيدة اللى بشرب خمرة عادى فيكم؟.. يا ترى عشان أنا بائسة بالقدر الكافى ولا عشان أنا اللى قشطة واخدة الحيـــاة صح؟
نظرت لها (نور) وقالت ضاحكه:
- انتى شايفه ان ده هو الصح؟.. طب بس يا حبيبتى خليكى فى الويسكى انت وجوزك وجوزى المستقبلى!
نظر لها (لؤى) وقال:
- بتجيبى سيرتى يا حبيبتى؟
"هنعمل ايه دلوقتى؟"
قالها (كريم) ليغير مجرى الحوار، فقال (ممدوح) فى حماس:
- هنروح للدجال.
نظر له الجميع فى استغراب ماعدا (نرمين) التى قالت:
- لسه برضو مصمم على الهبل دا يا حبيبى؟
قال (ممدوح) وهو ينظر للجميع:
- صدقونى يا جماعه مش هتندموا ابداً.. أنا أمى راحتله كذا مرة زمان وكانت بتقول عليه راجل واصل وساعدها فى كذا حاجه كلهم خير طبعاً.. وكانت قالتلى انه بيقدر يعرف حاجات هتحصلك.. زى هتكمل مع حبيبك ولا لأ؟ .. هتخلف ولا لأ؟ .. هتموت قريب ولا لأ؟.. وكمان ممكن يخدمك فى إنه يخلى الكراش بتاعك يحبك أو إنك تنجح فى حاجة معينه فى حياتك.
قالت (نرمين) فى سخرية:
- بيتهيألى شلتنا ممكن تستفيد جداً منه فى موضوع إنه بيقدر يخلى الكراش بتاعك يحبك دى.
نظر لها (كريم) فى شك أنها تقصده، بينما نظرت (مريم) أرضاً طبقاً لمبدأ "اللى على راسه بطحه"، وقالت (نور) وقد تحمست لكلام (ممدوح):
- بحب الحاجات دى أوى.. انا موافقه.
نظر لها (لؤى) فى استغراب وقال متهكماً:
- يعنى الخمرة كخه لكن عايزانا نروح للدجال دا؟.. انتى زى الفل على فـكــرة!
ضحكت (مريم) من سخرية (لؤى) من (نور)، لأن طبعاً هذا أرضى شيئاً ما بداخلها، بينما قال (كريم):
- هى الحاجات دى تخريف طبعاً.. بس ميضرش يعنى!
التفت له (لؤى) وقد زاد استغرابه وقال:
- وانت كمان موافق ياعم الشيخ؟!.. ما شاء الله!
قال (ممدوح) موبخاً (لؤى):
- يعنى انت بتوافق على أى حاجه ومش عايزنا نروح للدجال؟!
قال (لؤى) وهو يرفع يديه فى براءة:
- انا مش معترض والله!.. معاكم يا سيدى.. بينا على الدجال دا!!
وندموا جميعاً على هذا القرار لاحقا..
فى وقت لا ينفع فيه الندم!
* * *
ما زلنا فى يوم 15 يناير.. الآن الساعه التاسعه مساءً..
وتماماً كمشهد تشاهده كثيراً فى أفلام الرعب، فى منطقة على طريق صحراوى مظلم، يوجد بيت مهجور، امامه يجلس رجلاً مرعباً، يبدو عليه أنه حارسا لهذا المنزل.. منزل الدجال بالطبع!
اقترب أبطالنا الستة منه، وهمست (نور) فى رعب وهى تحتضن كتف (لؤى) ممسكه بعضلات ذراعه:
- انا بقول انها فكرة بايخه بجد يا جماعه.. احنا نرجع أحسن.
لم يكن (لؤى) أقل رعباً حتى أنه لم يقدر على النطق، بينما قال (ممدوح) بصوت فيه حشرجة لحارس المنزل:
- هو حضرته موجود جوا؟
لم يرد عليه الحارس، ولم ينهض من جلوسه حتى، ورفع رأسه ببطئ ونظر لـ(ممدوح) وقال:
- مستنيكم.
عقد (كريم) حاجبيه، واستجمع شجاعته ليقول بتوتر:
- على أساس إنه دجال وأكيد عارف إننا جايينله يعنى؟
لم يرد الحارس على هذا السؤال الساخر، ونظر بعيداً عنهم وكأن الحوار انتهى، فلم يعرف (ممدوح) ماذا يفعل فأخذ ينظر لأصدقائه اللذين بادلوه نظرات الحيرة والخوف، وأغلبهم كان يرغب بالرحيل، لكن (ممدوح) تقدم خطوة ناحية باب هذا المنزل، ومد يده ليفتحه، فوجده مفتوحاً بالفعل، فدفع الباب فى بطئ..
أصدر الباب صوت صرير مزعجاً، ودخلوا جميعاً خلف (ممدوح) فى تردد، فوجدوا المنزل مظلماً لكن كان على بعد بضعه أمتار رجل جالساً يشبه دجالين الأفلام، وعلى جانبيه بعض ألاويح النار المشتـعـلـه..
وقال لهم فى هدوء:
- اتفضلوا.. اقعدوا.
تسائل (ممدوح) فى خوف:
- نقعد فين؟
- هنا.
وشاور لهم ليجلسوا أمامه أرضاً، فاقترب الستة وجلسوا على الأرض أمامه وكأنهم سيستمعوا لخطبه سيلقيها!
كانت إضاءة النار مفيدة، وتسببت فى تهدئة خوفهم نوعاً ما، ولكن صوت هذا الدجال كان مرعباً وهو يقول فى بطئ:
- شايف جواكم حاجات كتير.
قالت (مريم):
- حاجات ايه؟
- حاجات وعكسها.. بتحبوا بعض وبتكرهوا بعض.. بتتمنوا الخير والشر فى نفس الوقت لبعض!
تسائلت (نور):
- مين بيتمنالى الشر؟!
صمت الدجال للحظات ولم يجب، ثم قال:
- مش كل حقيقة فى حياتنا لمصلحتنا نعرفها.
قال (لؤى):
- اومال احنا جايين ليه؟
- عشان كل واحد فيكم عاوز حاجه.. وأنا هنا بلبى رغباتكم.. بس الطبيعة لازم تحافظ على التوازن.. يعنى أى حاجه هقدمهالكم.. لازم الطبيعة تاخد حقها قصادها.
قال (لؤى):
- تقدر تخلينى غنى؟
- أيوة أقدر.. بس لازم تفهم انى هنفذلكوا طلب واحد بس.. لإنكم انتوا الستة أقداركم مرتبطة ببعضها.. لازم تتفقوا على طلب واحد هنفذه ليكم كلكم.
قالت (مريم):
- يبقا خلينا كلنا أغنيا!
نظر لها (ممدوح) وقال معترضاً:
- لأ شكراً.. عندى اللى يكفينى انا وعيالى اللى لسا مخلفتهمش!
قال (كريم):
- يبقا خلى كل واحد فينا يوصل لحبيبه.
ردت عليه (نرمين) معترضه:
- وايه الجديد بالنسبالى؟ .. أنا مخطوبة ومبقاش عندى حتى مشكلة فى الفلوس.. وبعدين لو فينا اتنين بيحبوا نفس الشخص.. ساعتها يشتركوا فيه ولا أيه بقا ياعم الدكتور؟
صمتوا بضعة ثوانى، بينما ابتسم الدجال وكأنه يستمتع بالخلاف الذى بينهم، ثم قالت (نرمين):
- الخلود.. خلينا منمتش أبداً.. نفضل عايشين ليوم القيامة!
نظروا الجميع لها بإستغراب، حتى أن (نور) قالت:
- لا والله؟!
قال (لؤى):
- يبقا عظيم جداً والله.. تقدر تخلينا خالدين؟!
أجاب الدجال فى هدوء وكانه يعرف من قبل أنهم سيطلبوا هذا:
- آه أقدر.. كلكم أجمعتم على الطلب دا ولا حد معترض؟
لم يعترض أحد، وأخذوا يتبادلوا النظرات غير مصدقين بالطبع أن ما يقوله الدجال بإمكانــه!
وأصابـهــم الفضول لما سيفعله الآن، وبعد دقيقة صمت تقريباً قال الدجال:
- اقعدوا على هيئة دائرة.
أخذوا ينفذوا ما يامرهم به، وأخذ هو يملى عليهم مكملاً:
- ودلوقتى إمسكوا إيد بعض.. أيوة كده.. غمضوا عينيكم.
كانوا خائفين جداً، خصوصاً لأنهم أغلقوا أعينهم، فكانوا متشبثين بأيدى بعضهم، فكانت (نور) ممسكه بيد (لؤى) محاولة أن تستمد منها طمأنينة، بينما كان (كريم) ممسكاً بيد (مريم) محاولاً أن يمدها بحنين واطمئنان لكنها لم تكن تفكر بالطبع سوى بأخـيــه..
ظلوا على هذه الحالة بعض الوقت حتى سمعوا صوت الدجال يقول:
- إياكم حد يفتح عينيه.
وسمعوا صوت الدجال ينهض من مقعده، وشعروا به يقترب منـهــم، وفجأة شعر (ممدوح) بسكين يجرحه جرحاً بسيطاً فى ظهر يده فشعر ببضع قطرات دم تسيل من الجرح، لكنه لم يفتح عينيه، ثم أخذ الدجال يكرر هذه الحركة مع الستة، وهو يقول:
- بأمر من القوى المطلقة إلى الطبيعة المؤمنة أن تحفظ لهذه الأرواح الستة أرواحهم خالدين إلى أن تشرق الشمس من المغرب و...
وأخذ يقول بعض كلمات غير مفهومة، حتى انتهى من جرح الستة، ثم قال:
- افتحوا عينيكم.
فتح الستة عيونهم، وفوجئوا بكوب فى مركز دائرتهم ممتلئاً بالدماء الذى جمعها الدجال منهم، وتلفتوا حولهم ليبحثوا عن الدجال لكنهم لم يجدوا له أى أثر، وكان مقعده فارغاً..
فأين ذهب الدجال؟!
والسؤال الأهم.. ماذا فعل بهم؟!
* * *

إكسير الموت - Elixir Of Deathحيث تعيش القصص. اكتشف الآن