قُبض قلبها على آثر صوت صديقتها قائلة بتوتر: ايه اللي حصل يا جنة فيه ايه؟
تحدثت بكبت: بابا توفى يا حورية بسكتة قلبية، أنا مش عارفة اعمل ايه وكاتبلي في وصيته إني ارجع مصر تاني.
صمتت الآخرى لبرهة وتذكرت أبيها انه على قيد الحياة ولا يطمئن عليها ولا حتى يهاتفها لبضع دقائق! تنفست الصعداء ثم قالت بحزن: البقاء لله، جهزي نفسك وتعالي وأنا جمبك اهو.
_حاضر، مع السلامة.
_هكلمك كل شوية اتطمن عليكِ يا حبيبتي، مع السلامة.
انتهت المكالمة وزفرت بعمق وشردت قليلًا حتى قاطعها عادل يجلس بجوارها ويعطيها كوب من القهوة الباردة، نظرت له بضعف مما جعله يتعجب من مظهرها قائلًا بجدية: ايه مالك شكلك متغير؟
أشاحت بعينيها بعيدًا عن وجهه وسحبت نفسًا عميقًا قائلة بقلة حيلة: والد جنة صاحبتي توفى، وهي هترجع مصر في أقرب وقت.
_زعلها مزعلك يعني؟
_ اكيد، وبعدين هي هتيجي مصر تعيش فين؛ ملهاش غير والدها ومينفعش تيجي تعيش معايا هنا، عايزة اساعدها بس مش عارفة ازاي.
أمسك يديها بلطف ونظر لعينيها بحنان قائلًا: متقلقيش يا حبيبتي هنلاقي حل، ثم قبل رأسها لتبتسم له وتحمد الله بداخلها على وجود أخيها ومحاولاته للتخفيف عنها، تحدث بهدوء قائلًا: بصي أنا رايح لكريم اتطمن عليه واشربي القهوة ياختي مش هتعب فيها وبعدين متشربيهاش.
اومأت برأسها موافقة قائلة بإبتسامة: لا متقلقش تعبك مش هيروح على الفاضي وهشربها، خدني معاك عند كريم اقعد مع أميرة شوية طيب.
صمت لبرهة ثم تحدث بشرود: خليها مرة تانية.
اومأت برأسها موافقة ولم تجيبه.
بعد مرور عدة دقائق كان سيغادر ليذهب إليه ولكن انقلبت الاحداث ليعلن هاتفه عن مكالمة وكانت سميرة، أجاب بتعجب: ايوه يا خالتو!
_ ايه فينكم؟
_ احنا فالبيت بس أنا نازل أروح لكريم صاحبي علشان اتطمن عليه.
_أمكم جاية البيت وأنت عارف إنها متعرفش انكم موجودين وإني اديتكم المفتاح، اتصرف بقى وابقى عرفني عملت ايه يلا سلام.
انتهت المكالمة وهو في حالة شرود حتى قالت أخته بصوت مرتفع نسبيًا: سرحان في ايه؟
_ماما جاية هنا ومتعرفش اننا موجودين وخالتو قالت اتصرف.
صمتت لبرهة حتى قالت بتوتر: خلاص هروح اجهز ونروح عند بيت طنط آمال لحد ما نشوف هنعمل ايه.
كانت ستغادر ولكنه أوقفها قائلًا بجدية: احنا هنفضل موجودين.
_نعم! ازاي وهنعمل ايه معاها؟
تحدث بنبرة ثابتة وعيناه معلقتان بالفراغ قائلًا: هنواجهها، منا مينفعش اخدك معايا عند كريم حتى لو أخته ووالدته موجودين وخلاص مش هتراجع في كلامي.
جلست على الآريكة وظلت تنظر له بخوف وتوتر من القادم ثم تنهدت وقالت بحيرة: يعني كدا ماما جاية وجنة هتقعد فين؟
زفر بضيق قائلًا بنبرة خانقة: نبقى نشوف لما تنزل من هناك، نشوف بس هنعمل ايه مع ماما ولو كدا عادي هروح ابات عند أي حد من صحابي وهي تيجي تبات هنا.
_هتبات عند كريم؟
_كريم ايه يا بنتي، ما هو عنده أخت هروح ازاي أنا.
قامت من مقعدها وجلست بجانبه وظلت تربت على كتفيه بحنان حتى قال بإبتسامة: أنا كويس يا حبيبتي، متقلقيش.
_عارفة أنك متوتر من مواجهة ماما بس أنت قدها.
نظر لها بحيرة قائلًا: أنا بعمل كل ده علشانك، لإني مينفعش ابهدلك معايا لكن أنا عادي ابات ف أي مكان أو اخد شقة إيجار.
اومأت برأسها موافقة ثم قالت بضيق: وماما ليه مش بتشيل همي زيك كدا، ليه مبتقولش هي هتبات فين ولا هتعمل ايه في غيابي، ليه احنا مش في حساباتها؟
عانقها بحنان لعلها تجد ما فقدته، وبعد مرور بضع ثوانٍ أعلن الباب عن أحد يفتحه فقالت حورية بتوتر: هي بتفتح ازاي والمفتاح معانا؟
_خالتو كان معاها نسخة وهي اللي احنا خدناها.
ثم فُتح الباب وتقدمت زينب وتفاجأت من وجودهم!
في مكان آخر وتحديدًا منزل آمال، كان يجلسا الثلاثة معًا يشاهدان التلفاز حتى قالت أميرة بهدوء: هدخل اقعد في اوضتي شوية.
تحدث أخيها بحذر: داخلة هتعملي ايه؟
_عادي ممكن انام.
_لا اقعدي.
زفرت بضيق قائلة: ايه التحكمات دي أنا حرة على فكرة!
كان سينهال عليها بالضربات حتى منعته آمال وهي تقول بجدية: اقعد يا كريم متعملهاش حاجة واهدى، وأنتِ اقعدي.
نظرت لهم بغضب ثم جلست على مضض، ران عليهم صمت مؤقت قاطعه هو قائلًا بشك: مين قالك يا ماما على اللي أنا عملته معاهم؟
استمعت له ثم نظرت لأبنتها حتى قالت بلا مبالاة يغمرها التوتر: عرفت وخلاص مش مهم المصدر بقى.
_مش مهم المصدر اه، طيب أميرة بتشرب سجاير من امتى ويا ترى مين خلاها تعمل كدا وهل فيه حاجة تانية بتاخدها ولا لا واشمعنا اليوم اللي أنا مطرود فيه هي تروح تسهر مع صحابها وتيجي هنا بالسجاير!
تعالت دقات قلبها وتحدثت بنبرة قلقة خائفة منه: أنا مباخدش حاجة تانية غيرها وكمان مبشربهاش كتير وصاحبتي بتشرب زيي يعني مش لوحدي و و، تلعثمت فالحديث ونظرت لوالدتها بخوف ثم نظرت له وقالت: أنا اللي حكيت لماما وخليتها تطردك علشان تتعلم، ثم هبت واقفة وهرولت نحو غرفتها وأحكمت غلقها بالمفتاح الخاص بها.
نظر لمكانها فالفراغ ثم نظر لوالدته قائلًا بسخرية: شوفتي! طلعت تجري علشان عارفة إنها غلطانة.
قام من مقعده وطرق بابها عدة طرقات ولم يجد رد حتى صاح بصوته عاليًا: افتحي يا أميرة لاحسن اتجنن واكسره.
جاء صوتها من الداخل قائلة: مش هتضربني يعني؟
_مش هضربك.
فُتح الباب وتراجعت هي للوراء بينما يتقدم هو حتى صاحت بصوت عالي نسبيًا قائلة بخوف وبكاء: ماما تعالي الحقيني.
ابتسم لا إراديًا على مظهرها الطفولي ومن ثم تقرب اكثر منها حتى عانقها بهدوء بينما هي ترتعش، ظل يربت على كتفيها ويمسح على شعرها بحنان حتى هدئت وقال: مش عايزك تخافي مني كدا أنا مش هقتلك، ثم صمت لبرهة وقال بفكاهة: هدبحك بس.
تعالت اصوات ضحكاتهم عاليًا حتى قالت بنبرة معتذرة: متزعلش مني، أنا اسفة.
_مش لوحدك غلطانة، أنا كمان غلطان ومتزعليش مني.
تحدثت والدتهم بصوت حنون مؤثر: ياريت تفضلوا دايمًا كدا وتبقوا اصحاب احسن.
تقدما الاثنان إليها وتعانقا حتى قال كريم بصوت مفاجئ وكأنه تذكر شيء: عادل متصلش بيا ازاي ولا جه يتطمن!
تحدثت والدته بهدوء: تلاقيه مشغول يابني عادي، شويه واتصل بيه أنت.
اومأ برأسه متفهمًا ثم قال بخفة: أنا جعان بعد اذنكم.
التفتت آمال لأبنتها بحنان قائلة: قومي اعملي أكل يلا.
_حاضر، بعد مرور دقائق كانت أميرة بداخل المطبخ تعد الطعام حتى أعلن هاتفها عن مكالمة ولسوء الحظ كان هاتفها بجانب هاتف أخيها، قام ليرى من المتصل حتى وجد اسم 'شريف'.
في مكان آخر وتحديدًا عند مؤمن، كان يتحدث مع اصدقائه عبر وسائل التواصل الاجتماعي حتى استمع لصوت طرقات على الباب، قام ليجد يمنى بالخارج تقف باكية!
تعالت دقات قلبه على أثر رؤيتها فتظاهر بالا مبالاة وقال بهدوء: خير جاية ليه؟
تحدثت بصوت متحشرج يملؤه البكاء: أنا اسفة إني بعدت عنك، كنت غلطانة يا مؤمن وسافرت وجيتلك علشان اعتذر.
قهقه عاليًا وقال بسخرية: تعتذريلي على ايه بالظبط علشان اكون فاهم بس، على خوفي من دخولي علاقة جديدة بعدك، ولا مرحلة الاكتئاب اللي دخلتها بعد انفصالنا، أنا كنت بحبك أوي ومستحيل أفرط فيكِ بس أنتِ متستحقيش الحب ده، ثم صاح بها قائلًا: اتفضلي اطلعي بره مش عايزك هنا، سارت قشعريرة في جسدها على أثر صياحه حتى جلست أرضًا تتوسله ببكاء: أنا اسفة ارجوك سامحني ورجعني ليك، أنا مليش غيرك.
ابتعد عنها وجلس على الآريكة بتكبر وقال بهدوء: عمل فيكِ ايه علشان تجيلي وتبقي عايزة ترجعي بالذل ده؟
سحبت أنفاسًا متلاحقة متوترة ثم قالت بوهن: كان بيلعب بيا ومفهمني إنه هيتجوزني بس كنت فترة في حياته واتخلى عني بكل قسوة.
قال بصوت مرتفع نسبيًا: كل ده علشان كنتِ طماعة وكلبة فلوس، للاسف مقدرتيش وجود راجل بيحبك.
قالت برجاء ووهن: أنا اسفة كنت غلطانة، أنا لسه بحبك وعايزاك.
لم يجيبها حتى قالت بإستسلام: خلاص أنا همشي بس هسيب رقمي لو رجعت في كلامك ابقى اتصل بيا، وتركت ورقة بها الرقم ثم غادرت.
أغمض عينيه بإرهاق وظل يتنفس بصعوبة ودار بعقله الكثير من الأسئلة: أجاءت لكي يعودان إلى بعضهما ويستمران، أم إنها لم تجد أحد غيره بجانبها....؟، ظل ينفض تلك التناقضات ومازال عقله وقلبه في صراع؛ عقله لا يريدها وقلبه يعشقها ويتمنى حضورها بجانبه!
قرر الذهاب إلى البحر ليستريح قليلًا.
في بيت زينب، تقدمت إلى الداخل وجلست على الآريكة ثم قالت بقسوة: انتم موجودين هنا ليه؟
سحب نفسًا عميقًا وها قد بدأت المواجهة! قال بهدوء: علشان عيالك يا ماما مينفعش نبقى في مكان غير هنا.
_عيالي! ميسمعوش كلامي وهي تعمل اللي عايزاة، قاطعها وقال بحزم: أنتِ لسه معرفتيش الحقيقة! هكلم كريم واخليه ييجي ويحكيلك.
وبعد دقائق كان اتفق معه ليأتي ويخبرها بالحقيقة الخافية عليها.
ران على البيت صمت مطبق حتى قاطعه صوت رنين هاتف حورية لتلتقطه وكانت جنة المتصل، تحدثت بهدوء: ايوه يا جنة عملتي ايه؟
_لقيت بابا كاتب في الوصية إنه عايز يتدفن فالسعودية وأنا مش عايزة اسافر واسيبه.
_طب يا حبيبتي ابقي سافري زوريه لكن أنتِ مينفعش تقعدي هناك لوحدك لإن هنا اصلك وأنا معاكِ.
_مش عارفة، محتارة أوي.
_بصي بعد ما كل إجراءات الدفن تخلص احجزي الطيارة وتعالي.
صمتت لثوانٍ وقالت ببكاء: أنا مش مصدقة أن ده حصل يا حورية.
قالت بصوت هادئ وحنون: الموت علينا حق وحاجة مينفعش نهرب منها، يلا اعملي اللي قولتلك عليه وترجعي بلدك بالسلامة.
_حاضر، مع السلامة.
ثم انتهت المكالمة لتتنهد حورية وتنظر لوالدتها التي تراقبها بتوتر وقلق فأمسك أخيها بكفيها وقال بلطف: ادخلي اوضتك البسي حاجة علشان كريم جاي يلا.
اومأت برأسها موافقة ثم غادرت.
ساد الصمت بضع دقائق حتى قالت زينب بإصرار: حورية هتتجوز كريم، وده آخر قرار ولو متنفذش يبقى انتم مش عيالي.انتظروا البارت العشرين.
أنت تقرأ
مُغفلة عشقتني.
Romanceتنتظر من ينتشلها من ذاك السجن، من يزرع بداخل فؤادها الصبر والحب، حتى جاء هو ولكن هل سيعشقها أم سيظل أسير لذكرياته؟