الجزء الأول

8.4K 116 9
                                    


"أترك يدي، ما الذي تفعله؟ أرجوك، أتركني أنت تؤلمني"
توسلت أن يفعل، لكنه لم يتركها، بل استمر بجرها خلفه.. كلما توسلت كلما زاد من الضغط على معصمها أكثر، كلما تألمت كلما زاد انتشاء. يحب سماع صوت أنينها، يحب عندما تتألم.

هي تعلم، تحاول أن لا تنفذ له رغباته، تحاول أن لا تتألم، لكن هذا مستحيل. يكاد معصمها يتحطم.. لا يمكن لها احتمال ألم كهذا.

"أرجوك يا كمال، ارجوك. يكفي، ماذا فعلت هذه المرة؟ أنا حتى لا أعرف ما فعلته"

كعادته تجاهلها، لم يلتفت حتى أو يخفف من سرعته. أما هي، فحاولت مواكبة خطواته الواسعة المتعجلة راكضة خلفة مجاهدة كي لا تقع أو تصطدم بالأعمدة والجدران.

لم تمر ثوان الا وقد وصل بها لغرفته. فتح الباب راكلا إياه بقدمه بعنف بالغ، ثم سحبها من يدها رامي إياها أرضا. كان صدره يعلو ويهبط وصوت تنفسه ملئ الغرفة وزاد الأمر سوء.

"لماذا تفعل هذا؟ ماذا فعلت لك؟ على الأقل قل لي ماهي جريمتي هذه المرة؟.. أنا حتى لم أخرج من الجناح اليوم"

همت بالوقوف مستندة على الأرض من تحتها، لكنه فاجأها بركلة على كتفها أعادتها حيث كانت. توقفت عن الحركة.. هي تعرف ما سيحصل، سيحاول أن يفقدها أعصابها بأي شكل كان، سيحاول جعلها تخرج عن طورها، وما إن تفعل سيبدأ هو بتعذيبها كما يشاء بحجة كونها لا تطيع الكلام.

بقيت صامتة لفترة طويلة.. تنضر للأرض.. دموعها تحارب لكي لا تسقط، يجب أن لا تبكي، يجب أن تتماسك، هذا كل ما يريده، أن يراها مكسورة ومحطمة.

يقول لها أنها حب حياته، أنه لا يستطيع العيش بدونها، لا يتنفس الا الهواء الذي تتنفس، لكنه لا يربط أقواله بأفعاله أبدا، يستمر دائما بتعذيبها وتعنيفها، لا يكف أبدا عن ضربها أو الاساءة لها.

حبه ليس الا مجرد كلمات يقولها، والكلام هواء.

"انهضي"

هذا ما كانت خائفة منه وبشده، ارتعش جسدها رغما عنها، حتى أنها كادت ترى الابتسامة على وجهه الآن. كفي عن اظهار خوفك عليك اللعنة.. لا تدعيه يحظى بلحظة نصر، ولو كانت صغيرة.

تحاملت على نفسها كي لا تبكي ووقفت ببطء، لم تكن تريده أن يؤذيها.

"انضري اليك، أنت آية من الجمال يا زوجتي العزيزة. أنا هو الرجل الأكثر حظا في هذه الدنيا"

لم ترد عليه بشيء، فقط بقيت ثابته كما هي.. تنضر نحوه بصمت. هي لا تجرؤ أبدا على النضر مباشرة نحو عينيه، لكن هذه رغبته.. أن لا تحيد بنضرها بعيدا عنه عندما يكلمها ابدا، وإلا فلن تسلم منه.

ابتسم بوجهها بحب، ثم أخذ نفسا عميقا. مد يده مملسا على خدها الأيمن ببطء، فجفلت مبتعدة بوجهها قليلا.. كانت خائفة حد الموت، وإذ بخوفها يصبح واقعا عندما انقلب العالم فجأة من هدوء محطم الى طنين عالي صم اذنيها.

لم تفهم ما حدث معها كالعادة، بلحظات كان يضحك بوجهها متغزلا، وفجأة أصبح يصرخ بها ناعتا إياها بأقذع الألفاظ بعد أن قام بصفعها بقوة بالغة.. مثبتا إيها من ذراعها غارزا اصابع يده فيها، استمر يهز جسدها المسكين بعنف شديد.

لم تكن حقا تتألم، فهذه ليست المرة الأولى، لكن على الأقل هذه المرة هي حقا لا تميز ما يقوله، ليس فعلا، فالصفعة كانت قوية لدرجة أنها لا تزال غير قادرة على تمييز كلماته.

لكن ذلك ليس بالشيء المهم، فقد حفظت الاسطوانة عن ظهر قلب.. ككل مرة، هو فقط يريد أن يراها تبكي، لابد وأن العمل يسير بشكل ممتاز هذه الفترة، فلا يوجد ما يتسلى به غيرها.

ثوان مرت وكانت حاسة سمعها قد عادت اليها مجددا. كان جسدها لا يزال يتأرجح يمينا ويسارا حيث صرخ فيها

"لماذا تحاولين دائما تعكير مزاجي يا عزيزتي، لما؟ أحاول جاهدا جعلك سعيدة.. أنا لم أفعل لك شيء سيء، لكنك مع هذا تستمرين بعصياني، لما؟ هه"

لم تدري جوابا، فقط بقيت صامته، تعرف أن صمتها هذا يغضبه جدا، بل وكثيرا.. لكنها تخاف أن تقول ما يجعله يهيج أكثر، فهي لا تعلم حتى لما هو يعنفها هذه المرة.

ما إن أحست به يحاول تحريك جسده، حتى قفزت بسرعة خاطفة متراجعة نحو الخلف قائلة بصوت خفيض للغاية

" أنا آسفة.. ارجوك أعذرني على الخطاء الذي بدر مني يا عزيزي، لن يتكرر"

توقف فجأة وعاد وجهه للهدوء، بينما بقيت هي تراقب تقلبات وجهه المرعبة متراجعة للخلف حتى تعثرت بطرف لحاف السرير ساقطة عليه. وبسرعة كانت قد عادت للوقوف مجددا متمسكة بعمود الدعامة الخشبي المنحوت على اشكال نباتات متسلقة.

"هل يمكن أن أذهب الآن، أنا لم.."

قطعت جملتها فجأة عندما رفع هو أصبع السبابة واضعا اياها على شفتيه. دار ببصره على الغرفة وكأن زمننا طويلا قد مر منذ أخر مرة دخلها، وأنزل أصبعه بهدوء متقدما نحوها، بينما شدت هي على العمود أكثر ضاغطتا على تفاصيل النحت الصغيرة وبقوة.

وصل حيث هي واقفة.. وبقي لفترة يتأمل وجهها عن قرب.

"لقد اشتقت لك يا حبي"

مارياحيث تعيش القصص. اكتشف الآن