الجزء الحادي عشر

1.4K 55 0
                                    


يقضي معظم يومه منعزلا عن العالم في مكتبه.. تكاد لا تذكر فترة سلام مرت عليها، منذ موت والدتها وحتى اللحظة، إلا الأيام الأربعة الأخيرة هذه.

تكاد تموت من الفرح.. للمرة الأولى منذ زمن تتنفس بحرية، حتى أنها قد توقفت عن أخذ حبة دوائها، ما عادت تحتاج الدواء وسبب المرض غير موجود.. ما عادت بحاجة لتغييب نفسها عن الحاضر للتخلص من ألمها.

شعور غاية في الجمال.

منذ تلك الليلة وهو مشغول حد الموت. منذ أن أتته تلك المكالمة وحتى اللحظة، هو ببساطة لا يخرج من مكتبه إلا لمكان عمله والعكس، حتى أنه لم يشاركها مائدة الطعام منذ أربعة أيام كاملة.

لا تريد أن تموت الآن، على الأقل ليس بسبب سكتة دماغية من جراء التحمس الزائد.

كانت راضية عن كل ذلك بما فيه الكفاية لتشكر الرب بدون أي مطالب اضافية، حتى أن الرب قرر مكافئتها على اقتناعها بمفاجأة أخرى زفت اليها ليلة البارحة فقط.

كانت جالسة على المقعد الخشبي في شرفة الغرفة الشمسية تستمتع برؤية الهلال والنجوم تتغامز حوله عندما سمعت اثنين من الحرس يتهامسان تحتها مباشرة عن منافس سيدهما الجديد، كيف انقلبت محاولته للاستيلاء على اسهم زوجها على رائسه بخسائر كلفته عدد لا يستهان به من المليارات.. حتى أن الأمر زاد سوء مع تأكيد عدد من الشركاء لسحبهم شراكاتهم معه –أولئك الذين لم يوقعوا عقودهم بعد على الأقل- تحدثا لفترة طويلة عن الأمر، ولم تفوت كلمة واحدة.. بالنسبة لها كان الأمر كالاستماع لأغنيتها المفضلة مرارا وتكرارا بدون كلل أو ملل، ليس حبا في كمال مما لا شك فيه، بل فقط استشفاء بخسائر والدها.. ذاك الداعر العاهر.

تكاد تقسم أنها –وللحظة صغيرة بسيطة- شعرت بمشاعر حب عارمة نحو كمال نفسه.. أرادت لو تقبله بحرارة وتهنئه على ما أنجزه من انجاز رائع.. أرادت وبشدة أن تفعل.. بدون أن يعلم، هو السبب الرئيسي في فرحتها هذه كلها، هو السبب الرئيسي في ما تشعر به الآن.

زادت فرحتها أضعافا منذ ليلة البارحة، تكاد تموت من الحماس، بحسب ما قاله الرجلين، فهذه القضية هي سبب حبسه لنفسه طوال هذه المدة، بل وفوق هذا كله سيحدد الشركاء اليوم جانبهم من الصفقة.. مع من سيبقون ومن سيتركون.. أي أن الأوراق والعقود ستوقع الليلة وسيخسر الداعر عمر -من يسمي نفسه والدها- خسارة فادحة ومكلفة.

الليلة.. سيتم كل شيء الليلة.. رنت الكلمة في رأسها لدقائق وفجأة، كون فمها شق كبير في وجهها.. ابتسامة، ابتسامة يائسة، مرعبة، بل مرتعبة، وازدردت..

ملامح وجهها كلها تحولت للرعب.. كيف لم تفكر؟ كيف لم تحسب الأمر جيدا.. سواء تم الأمر على خير مع الشركاء أو لم يتم، هي ميتة الليلة.

هي لا محالة، ميتة الليلة.

مؤكدا لن يبقي عظمة في جسمها ولن يهشمها لها، لن يترك بقعة بدون ضربة أو رضة.

مارياحيث تعيش القصص. اكتشف الآن