الثاني والعشرون

1.6K 98 18
                                    


انتظارك يشبه انتظار المطر أيام الصيف الحارة حيث الشمس تأبى الرّحيل
(مقتبس)
-------------
طال أنتظاره ولكنه كان يصبر قلبه ويدعو الله أن يمر الوقت قبل أن يفقد صوابه
قطع شروده صوت ذلك الهاتف الذي أعطاه له "روبرتو " ليتتبعه به ومعرفة كافة أخباره ليجيب بتلهف ما أن جاءه صوت "روبرتو"  من الطرف الآخر  :
- ماذا بك" روبرتو "لماذا صوتك متعب لهذا الحد
ليجيبه "روبرتو" بضعف من الطرف الآخر :
- "يوسف" أشعر إنني لست على ما يرام أرجوك عد إلى هنا بني  لا أريد الموت وحيدًا

أغمض "يوسف" عينه بقوة  من ترتيب القدر الذي يعانده دائمًا وقال مضطر :
-حسنًا"روبرتو" سأتي فورًا وأحضر معي طبيب أصمد رجاءً
ليغلق الخط وينطلق بتلك السيارة الصغيرة التي أمنها له "روبرتو" سابقًا ، تزامنًا مع وصولها هي و"يعقوب" أمام المشفى ولكن لم يكن القدر بهم رحيمً وأصر على معاندتهم وتعذيب قلوبهم 
--------------------
هرعو إلى الداخل بخطوات متلهفة يتسألون عن "عز "
وما أن استعلموا عن حالته أخبرهم الطبيب أن شخص مجهول جلبه إلى هنا وأخبرهم أنه وجده فاقد الوعي وعند افاقته أنتابته حالة من الجنون والهياج مما جعلهم  يساورهم الشكوك نحوه و يعطوه حقنة مهدئة ليسيطرو على حالة الهياج التي أنتابته وعند عمل الفحوصات اللازمة تأكدو من  صحة أدمانه ، ليتم أحتجازه بالمشفى بالقسم المختص  لعمل اللازم لحالته.
جلسوا الأثنين مشدوهين  أمام فراشه يتبادلون النظرات بينهم بحزن شديد على ما 
توصلت له حالته ليقول "يعقوب" وهو يجلس بجواره وينظر بتمعن لوجهه أثناء نومه :
- أحنا أزاي ما أخدناش بالنا أنو بيتعاطى السموم دي

ردت "لين" بحزن شديد وحسرة على حال أخيها :
- أنا قربت منه متأخر أوي يا "يعقوب" أحنا كُلنا كنا بعاد عنه كلنا مسؤولين عن اللي حصله

ليهدر "يعقوب" بجدية ينهيها :
- بلاش تحملي نفسك فوق طاقتك .....وكفاية اللي أنتِ كُنتِ فيه ملوش لازمة تأنبي نفسك على حاجة أبوكِ السبب فيها

لتتنهد هي بعمق وترفع يد "عز" وتقبلها بحنو أخوي وتقول بضيق :
- أبويا أحنا أخر حاجة بيفكر فيها ومعندوش مانع يبيع لحمه كمان علشان  مصلحته

لينظر لها "يعقوب" نظرة عميقة ويشعل أحد سجائره ويتوجه للنافذة  المفتوحة بشرود تام وكأن حديثها ذلك أيقظ ذكرى خامدة بقلبه منذ قديم الأذل تذكره بأبيه فنعم عمه لا يعترف برباط الدم فحتى شقيقه  قد أرسله بيده إلى غياهب السجون بعد توريطه بقضية مخدرات يعلم الله أن أبيه بريء منها براءة الذئب من دم ابن يعقوب ،
فرغم أنه كان لم يتعدى عمره حينها الخمس سنوات إلا أنه  يتذكر إلى الآن نظرة الإنكسار والقهر  بعين أبيه حين ودعه للمرة الأخيرة ، إلى الآن يتذكر أصراره على برائته  ولكن لم يكن القدر به رحيمًا  ولم يحالفه الحظ بأثبات برائته، فقد هرب عمه بعدها وأخذ "لين " لخارج البلد تارك خطاياه  المدنثة يتحملها غيره،
لتتوفى والدته  بعد عدة سنوات عصيبة ليصبح هو وحيدًا بلا مأوى أو أحد يعوله  إلى أن تكرم عليه عمه وأرسل له ليعيش معهم فيبدو أن رماد ضميره هو من جعله يفعل ذلك ومن حينها وهو يعيش بينهم ، و رغم علمه بفعلت عمه بحق أبيه ولكن لم تسكن الضغينة يوم قلبه ولا تلوثه نقطة غبار واحدة، فنعم هناك قلوب نقية هكذا لا تستطيع أن تتلوث أو  تحقد رغم  الإساءة  وتظل  تحتفظ بنصاعتها وبطهرها وبتلك القيم والمبادئ التي نشأت عليها مثله تمامًا  ،ولكن ذلك لا يمنع أنه رغم مرور تلك السنوات الطويلة لا يستطيع أن ينسى قط ما حدث
أبتسم بسخرية مريرة على تفكيره المتناقض لحد كبير وألتفت عندما أتاه صوت "لين" تخبره بإصرار:
-أنا مش هسيب" عز" لوحده ولازم أفضل جنبه لغاية ما يتعدى المرحلة الصعبة دي الدكتور قال أن أعراض الإنسحاب يقدر يتخطاها في أسبوع واحد بس لو عدى أقصى مراحلها
ولو ألتزم بالتعليمات وبالعلاج

أومأ لها "يعقوب" بأمل وقال داعيًا متغاضي عن كل شيء :
-يارب .....إن شاء الله هيبقى كويس وكل حاجة هتبقى أحسن
أمنت على دعواته وظلوا الاثنين بجوار" عز" المستغرق في سبات عميق بسبب المهدء القوي ولكن  سيكون هذا السكون شيء مؤقت قبل عاصفة جسده
-----------------
بعد خمس أيام في القاهرة
وخصةً في ورشة تصليح "إسماعيل " كان هو يتفانى  في إصلاح تلك السيارة المتهالكة كي يجعل منها صالحة للعمل مرة آخرى فكان يقوم مساعده الصغير "ماندو" بمناولته قطع العدة اللازمة أثناء نومته تحت  السيارة وفكه شكمان السيارة الذي ما أن فك البراغي خاصته تساقط على وجهه بعض قطرات الشحم التي لوثت وجهه ولكنه لم يعيرها أنتباه وأكمل عمله إلى أن تناهى على مسامعه صوتها المميز ينطق بتحية الصباح ،لوهلة ظن أنه يهيء له ولكن  عندما رحب بها "ماندو"  تأكد من الأمر ليخرج ببطء من رقدته تحت السيارة وهو مازال بيده ذلك المفك  ورفع بندقيتاه من موقعه لوقفتها وتنهد تنهيدة عميقة نابعة من قلبه الملتاع  ما أن وجدها تقف أمامه بطلتها البسيطة المحتشمة التي تتناسب مع حجاب رأسها الناصع  الذي أنعكس بريق لونه على بشرتها وجعلها تبدو كبدر بليلة تمامه نفض أفكاره سريعًا وهو يلعن غبائه ككل مرة  وتحمحم مرحبًا بعدما أمر "ماندو" أن يستأنف عمله :
- صباح الفل ياأخت الغالي

تيراميسوحيث تعيش القصص. اكتشف الآن